الإعجاز الباهر

د. فوّاز القاسم / سوريا

 ( يعلم ما يلج في الأرض , وما يخرج منها , وما ينزل من السماء , وما يعرج فيها , وهو الرحيم الغفور ) سبأ 2

يقف الإنسان أمام هذه الصفحة المعروضة في كلمات قليلة ; فإذا هو أمام حشد هائل عجيب من الأشياء , والحركات , والأحجام , والأشكال , والصور , والمعاني , والهيئات , لا يصمد لها الخيال !

ولو أن أهل الأرض جميعاً وقفوا حياتهم كلها يتتبعون ويحصون ما يقع في لحظة واحدة , مما تشير إليه الآية لأعجزهم تتبعه وإحصاؤه عن يقين !

فكم من شيء في هذه اللحظة الواحدة يلج في الأرض ? وكم من شيء في هذه اللحظة يخرج منها ? وكم من شيء في هذه اللحظة ينزل من السماء ? وكم من شيء في هذه اللحظة يعرج فيها ?

كم من شيء يلج في الأرض ? كم من حبة تختبيء أو تخبأ في جنبات هذه الأرض ? كم من دودة ومن حشرة ومن هامة ومن زاحفة تلج في الأرض في أقطارها المترامية ? كم من قطرة ماء ومن ذرة غاز , ومن إشعاع كهرباء تندس في الأرض في أرجائها الفسيحة ? وكم وكم مما يلج في الأرض , وعين الله عليه ساهرة لا تنام

وكم يخرج منها ? كم من نبتة تنبثق ? وكم من نبع يفور ? وكم من بركان يتفجر ? وكم من غاز يتصاعد ? وكم من مستور يتكشف ? وكم من حشرة تخرج من بيتها المستور ? وكم وكم مما يرى ومما لا يرى , ومما يعلم البشر ومما يجهلونه وهو كثير ? ?

وكم مما ينزل من السماء ? كم من نقطة مطر ? وكم من شهاب ثاقب ? وكم من شعاع محرق ? وكم من شعاع منير ? وكم من قضاء نافذ ، ومن قدر مقدور ?

وكم من رحمة تشمل الوجود وتخص بعض العبيد ? وكم من رزق يبسطه الله لمن يشاء من عباده ويقدر ? . . وكم وكم مما لا يحصيه إلا اللّه ?

وكم مما يعرج فيها ? كم من نفس صاعد من نبات أو حيوان أو إنسان أو خلق آخر مما لا يعرفه الإنسان ? وكم من دعوة إلى الله معلنة أو مستسرة لم يسمعها إلا الله في علاه ?

وكم من روح من أرواح الخلائق التي نعلمها أو نجهلها متوفاة ? وكم من ملك يعرج بأمر من روح الله ? وكم من روح يرف في هذا الملكوت لا يعلمه إلا الله ?

ثم كم من قطرة بخار صاعدة من بحر , ومن ذرة غاز صاعدة من جسم ? وكم وكم مما لا يعلمه سواه ?!

كم في لحظة واحدة ? وأين يذهب علم البشر وإحصاؤهم لما في اللحظة الواحدة ولو قضوا الأعمار الطوال في العد والإحصاء ? وعلم الله الكامل الهائل اللطيف العميق يحيط بهذا كله في كل مكان وفي كل زمان . . وكل قلب وما فيه من نوايا وخواطر وماله من حركات وسكنات تحت عين الله , وهو مع هذا يستر ويغفر . .

( وهو الرحيم الغفور). .

وإن آية واحدة من القرآن كهذه الآية لما يوحي بأن هذا القرآن ليس من قول البشر  فمثل هذا الخاطر الكوني لا يخطر بطبيعته على قلب بشر . ومثل هذا التصور الكوني لا دافع إليه من طبيعة تصور البشر , ومثل هذه الإحاطة باللمسة الواحدة تتجلى فيها صنعة الله بارئ هذا الوجود التي لا تشبهها صنعة العبيد!