لماذا تغيّب هُدْهُد سُليمان؟!

لماذا تغيّب "هُدْهُد" سُليمان؟!

محمد عبد الشافي القوصي

[email protected]

 لمْ أكن متعاطفاً مع (الهدهد) أثناء محنته؛ عندما توعده سيدنا (سليمان) بأشدّ العقاب!

لأنني على يقين بعدالة الأنبياء؛ فهم أئمة الهدى وسُبُل الرشاد ومصابيح الحق.

وبالرغم من شدة العقوبة وقسوتها التي أصدرتها المحكمة، إلا أنه لم يجرؤ أحد أن يتطاول على الملِك! فبالرغم من مرور حوالي ثلاثة آلاف عام على الحادثة؛ إلا أننا لم نسمع أحداً يقول إن العقوبات اليهودية قاسية ووحشية؛ مثلما يحلو لهم اتهام الشريعة الإسلامية!  

كما أنه لم يتجرأ أحد أن يتهم (سُليمان) بتهديد بلاد اليمن السعيد عندما قرر إرسال جيوشه الغازية! بلْ إنّ (الهانم) أذعنت للحق، وأسلمت مع سليمان لله ربّ العالمين!

ولم يُتهَم "سليمان"بتصدير (الوحدانية) إلى خارج (بيت إسرائيل) مع أنه كان مرسلاً -فقط- إلى الخِراف الضالة من "أولاد الأفاعي" و"نسل فاعلي الشر"!

كذلك، لم يتحدث أحد من فلاسفتهم عن تعدد الزوجات في الشريعة اليهودية، فقد غضّوا الطرف عن زواج سليمان "فقد كان له سبعمائة زوجة وثلثمائة أَمَة" (سِفْر الملوك 11/1-3).

*    *    *

والسؤال المطروح الآن: لماذا تأخر (الهُدْهُد) عن الحضور إلى قصر الملِك؟!

هل ذهب لمشاهدة أحد عروض الباليه بالأوبرا؟

أمْ أنه كان مدعواً لحضور حفل غنائي لعمرو دياب أو عمرو كلاب؟!

أمْ أنه كان مشغولاً بتسجيل بعض الحلقات لقنوات روتانا؟!

أمْ أثقلته الأحزان والهموم عن المجيء بعد هزيمة المنتخب في جوهانسبرج؟!

أمْ لأن الطرق والشوارع كانت مغلقة، بسبب مرور أحد المسئولين التافهين؟!

*    *    *

على جانب آخر: هل كان (الهُدْهُد) يستحق كل هذه العقوبة؟

لماذا يعاقَب الهُدهد وحده؟ ولا يعاقَب أكابر المجرمين وأشدّهم على الرحمن عِتيّاً؟

كيف يُعاقَب (الهُدهد) المسكين، بينما يفلت من العقوبة الوزير الذي أفسد الزراعة والذي استورد المواد المسرطنة؟! لماذا يُقبَض على (الهدهد البريء) ولا يُقبَض على الذين سرقوا أموال البنوك وإخوانهم الذين سرقوا الآثار؟! ولماذا لا يُعاقَب -في ذات الوقت- الذين أهدروا المليارات في "توشكى" وعلى "المسارح" و"النوادي" و"القرى السياحية" و"شواطئ العُراة" وغيرها من المشاريع الوهمية؟!

وهل كان من المتوقع أن يصدر مثل هذا الحكم القاسي والمفاجئ؛ لوْ أن (الهُدهد) كان منتمياً للحزب الحاكم أو ضمن لجنة السياسات، أو من رجال الأعمال وسماسرة السياسة، أو ممن يمتلكون القنوات الفضائية .. أو غيرهم ممن يحترفون لعبة الخداع والكذب والرشاوى؟!

*    *    *

ما الذي جناه (الهُدْهُد) يا تُرى؟!

هل شارك في "انقلاب 23يوليو" الأسود؟ أمْ هو المسئول عن هزيمة حزيران؟ أمْ أنه كان ضلعاً أساسياً في مراكز القوى؟ أمْ أنه أحد جبابرة السجن الحربي؟ أمْ استدعى "قوات التحالف" لتدمير العراق؟ أمْ تسبّب في غرق (عبّارة الموت)؟ أم أنه المسئول عن انهيار سفح المقطّم على البسطاء والبائسين؟ أمْ أنه تورط في استيراد القمح الفاسد من روسيا؟! أمْ ماذا ....؟!!

*    *    *

ومازال السؤال مطروحاً: لماذا تأخّر (الهُدْهُد) عن الحضور إلى قصر الملِك؟!

نعم، تأخّر -وحقّ له أن يتأخّر- لأنه رأى شيئاً مخالفاً للناموس العُلْوي .. لقد رأى ما يصادم الفطرة التي فطر الله عليها جميع الكائنات .. إنه رأى أُناساً يسجدون للشمس من دون الله .. يعني كافرين بالله تعالى!

لم يمر (الهدهد) على هذا المشهد كما يمر أصحاب الفخامة والجلالة المخدوعين! الذين يقولون بغباء: "لا شأن لنا بما يحدث في السودان أو الصومال أو العراق أو فلسطين أو الشيشان أو البلقان .. وليس لنا علاقة بالمسجد الأقصى أو المسجد البابري!

ولم يكن موقف الهدهد سلبياً فاكتفى برفع راية: "الدين لله والوطن للجميع"! مثل كثير من الجهلة التائهين الكاذبين الذين يحملون أعلى الشهادات الزائفة!

إنّ هذا (الهدهد) كما جاء في سيرته الذاتية؛ لم ينتسب -يوماً- للأحزاب الشيوعية، ولم يؤمن بالوجودية، ولم يتشرب الفكر العلماني أو البعثي أو الناصري، ولم يكن من دعاة الحداثة وأدعياء التنوير!

لذلك؛ جاء (الهدهد) حزيناً باكياً ومنكسراً أمام سيّده .. يقول كما حكى القرآن الكريم في هذه القصة:] إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ. أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ[ [النمل23 :26].

وهكذا .. يظل (التوحـيد) أول الوصايا وأجلّها .. وإنّ الذين يريدون أن يحجبوا نور الوحدانية بغربالهم الهزيل، لمْ .. ولنْ يفلحوا أبداً. و]قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ[ [النحل :26].