سنة التدافع وعوامل النصر (3)

عمر حيمري

والجهاد نوعان جهاد أكبر وآخر أصغر ، كما ورد في الحديث النبوي المروي عن جابر رضي الله عنه قال : ( قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم غزاة ، فقال صلى الله عليه وسلم :{ قدمتم خير مقدم  من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر . قالوا : وما الجهاد الأكبر؟ قال : مجاهدة العبد هواه } ( إسناد ضعيف ) وبغض النظر عن مسألة أسبقية مجاهدة النفس والهوى ، قبل الأعداء أو العكس ، فإن ابن القيم الجوزية يقسم الجهاد إلى أربع مراتب : جهاد النفس ، وجهاد الشياطين ، وجهاد الكفار ، وجهاد المنافقين . وإني لأرى أن الجهاد الأكبر والأصغر هما جهاد واحد ، فهما كل لا ينفصل ولا يتجزأ ، لأنه لا يمكن الفصل بينها ، لضرورة توقف أحدهما على الآخر وانعكاس له ، فلا جهاد أصغر بدون جهاد أكبر ، والعكس صحيح ، وقد يكون الجهاد بالقلب أو اللسان أو المال أو النفس أوبهم جميعا . والجهاد بالكلمة ، لا يقل شأنا وقد يكون أعظم من الجهاد بالحديد والنار ، لأنه مواجهة مباشرة للعدو وتحد شجاع لرأسه قد يؤدي إلى إعدام صاحبه  ،  لقوله صلى الله عليه وسلم [ إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ] ( حديث حسن )  وهو ما يتفق مع قوله تعالى [ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ] ( سورة غافر آية 28 ) .

إن الجهاد في سبيل الله  : هو مقاومة شرعية ، لد فع الظلم  والعدوان ورد الحق إلى أهله ، وللدفاع عن حرية الاعتقاد والتدين والوطن وخيراته وثرواته  وحق تقرير المصير و الدفاع عن الشرعية السياسية  .... يقول الله تعالى : [ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل  إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ] ( سورة الشورى   آية 41 )  وقوله : [ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ]  سورة الشورى   آية 39)  . وهو خاضع شرعا ، لأخلاقيات وقيم وضوابط شرعية تقيده ، بحث يحرم على المجاهد تجاوزها ، كقتل الأبرياء  من الرجال والنساء ، الذين لا يحملون سلاحا ولا يناصبون دولة الإسلام العداء ولا يعتدون ولا يعينون معتد عليها ، كما يحرم عليه أي المجاهد  تخريب المنازل ، والبنية التحتية ، والمنشئات المدنية ، كالمستشفيات والمدارس والجامعات ومراكز الإيواء ، ومراكز الجمعيات الخيرية والدينية ،  ودور العبادة ، والمنشئات الحيوية ، كالمنشئات الكهربائية والمائية  والسدود ومنشئات الصرف الصحي ، أو تخريب البيئة كقطع الأشجار وإبادة الحيوان  وتسميم الماء وتلويث الهواء بالمواد الكيماوية السامة أو غيرها ... ولقد نص  سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على  ما يحرم ولا يجوز ممارسته أو فعله في الجهاد في سبيل الله  في قوله  : ( لا تغدروا ، لا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ولا تقتلوا امرأة وتقطعوا شجرا ) وكذا في وصيته : ( و إذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له ) ، كما أوصى حتى بالمقاتل الأسير خيرا  فقال :  صلى الله عليه وسلم فكوا العاني - يعني الأسير- وأطعموا الجائع وعودوا المريض ) . وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على الحفاظ على البيئة والعمران ، حتى في أرض  أعدائه . إذ جاء في وصيته لجيش مؤتة : { ولا تقطعن شجرة ولا تعقرن نخلا ولا تهدموا بيتا } ولم يخرج صاحبه وخليفته أبو بكر رضي الله عن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ أوصى هو الآخر زيد ابن أبي سفيان لما بعثه إلى الشام فقال له : (  إني  أوصيك بعشر خصال : لا تقتل امرأة  ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطع شجرا مثمرا ولا تخرب عامرا ولا تعقرن شاة  ولا بعيرا إلا لمأكله ولا تغرقن نخلا ولا تحرقه ولا تغلل ولا تخبن )  وهذا عين ما أمر به الله تعالى في قوله  : [ وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين  ] ( سورة  البقرة آية 190 -191  )

إن الجهاد بهدف الدفع ، لا يسقط إلا على العجزين الذين لهم عذر شرعي كالمريض و الأعرج و الأعمى ، أما على غيرهم ، فهو واجب شرعي وضروري ، بل هو فرض عين ، لم يأذن الله لأحد من المسلمين في تركه على خلاف جهاد الطلب لقوله تعالى [ وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ] ( سورة الأحزاب أية 13 ) وذلك في حالة  تعرض المجتمع المسلم للأذى والفتنة والتضييق على حرية الاعتقاد والتعبد وحرية الدعوة  ليكون الدين خاصا لله وحده ، دون إكراه على الإيمان والاعتقاد ، مع حماية شريعة الله وحماية تطبيقها ودفع الظلم والهوان عن المنبوذين والمحتقرين الضعفاء الذين أخرجوا من ديارهم بسبب عقيدتهم [ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ... ] ( سورة الحج آية 40 ) والذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون إلى وسيلة أو طريقة للهجرة أو الدفاع  بها عن كرامتهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم وذويهم وحرماتهم الدينية ... لهذه الأسباب ، أذن الله سبحانه وتعالى بالجهاد فقال : [  أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير  ] ( سورة الحج آية 39 ) . زيادة على هذا ، فالجهاد لا بد منه ليميز الله المنافقين  والمندسين  والمتآمرين ، المتعاونين على المؤمنين . [ ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولائك هم الخاسرون ] .  سورة  الأنفال آية  37)   .    

وخلاف الجهاد وضده   ( يتبع )