شيء عن إشكالات الديمقراطيين... والعلمانيين

شيء عن إشكالات الديمقراطيين... والعلمانيين..

عقاب يحيى

يتخضّب معظم العلمانيين بالشعارات الكبيرة، يملأون أفواههم والمحيط بها، ويعلو صراخ المصطلحات، والتراشق بالاتهامات لآخر : عدو، وآخر يسلبهم حقوقهم .. وآخر يقضّ مضجع الرقاد في أسرة الماضوية التقليدية لخط ومسلك ذلك الاتجاه.. في حين لم يراجع الكثير مسارهم، ومنظومة الأفكار التي نامت قرونا في أحضان الأمنيات المتعالية، وحين استفاقت على وقع الثورة أرادت الركوب ولو تزاحماً، ولو بالهياج، واحتلال منصات الإعلام، والفضائيات.. في حين أن الآخر " المنافس"، او" العدو"، أو النقيض كان يفرش ويفترش الأرض ويمدّ فيها خيوطاً قوية تتصل بمستوى الوعي السائد، وبتحقيق أنواع مختلفة من العمل الجماعي، والبنيان القاعدي المتين.. وتنمية روحية التضامن والتكافل، والرحمة، والتوسع في شبكات اجتماعية هي الأقوى من كل تنظيرات الأحزاب السياسية، وابقى، وأكثر جذباً وفاعلية ..

ـ مراراً تحدثنا عن النخبوية والفوقية الطاغية فيها . عن الأنا المفترسة . عن الذات التي ترى نفسها أكبر من البلد والآخرين فتضع نفسها في موقع هي تختاره.. وليس واقعياً..ومن ذلك الموقع تلقي دروس التكرار وندب الندوب، ورشق الآخرين بالنعوت ..

ـ وكان الأولى بالاتجاهات الديمقراطية، العلمانية وما بينهما من تلاوين.. أن تلتفت إلى عوامل انحسارها واحتباسها، وإلى وعي الواقع وموقع الدين والإيمان فيه، وإلى بناء خطاب واقعي قريب من عقول ووعي ومصالح الناس.. وليس الاكتفاء بتجريم الآخر، واستعدائه لأنه يستقطب الشارع.. ثم التجوّل في قصص المؤامرات والدعم المحلي والخارجي.. فالمشاريع الكبرى والصغرى..

ـ كان الأولى أن يلم الديمقراطيون صفوفهم ويطرحوا خطاً وسطياً يستوعب الإسلاميين المتنورين.. بل يدعو إلى ولادة اتجاهات إسلامية متفتحة، حداثية تلتقي حول المشتركات العامة، ويبتعد الجميع عن لغة الاحتراب والتخوين، وتراشق الشتائم..

ـ اليوم.. والثورة تعرف تحولات خطيرة في بناها ومساراتها وأطروحاتها.. فإن وقفة مراجعة شجاعة وجدية مسؤولية الجميع من مختلف المشارب.. ليس لتوزيع المسؤوليات وتحميلها لهذه الجهة أو تلك، والاكتفاء بذلك "الواجب" ثم العودة للمألوف، بل لبحث عوامل الأزمة، ووضع خارطة طريق عريضة يلتقي فيها، ويلتفّ حولها جميع المؤمنين بالثورة، والتغيير.. انطلاقاً من اشتلاع نظام وإرث الاستبداد وبناء دولة الحق والعدل والقانون والمساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، وحريات الرأي والاعتقاد والتحزب وغيرها..

ـ المراجعة لا تعني الاكتفاء بخيمة جنيف، ولا بإعلان الانتصارات الدونكيشوتية، الهوائية، اللفظية على آخر، أو المزيد من التخندق، بل البحث عن المشتركات بين جميع تعبيرات الشعب السوري وتنميتها، وصياغتها في برنامج المرحلة والتغيير..

اليوم تكثر دعوات المنتسبين للاتجاهات الديمقراطية للتوحد ورصّ الصفوف.. لكن ألا نحتاج فعلاً إلى تعريف الديمقراطيين ومن يكونون، وهل هم قصراً وحصراً على الناطقين بالعلمانية، واليسار.. واشباههما أم أن المروحة أوسع، ومفهوم الديمقراطي ليست طابو لفئة دون غيرها، وان عديد المستقلين. عديد الإسلاميين الوسطيين. عديد المؤمنين العاديين يمكن أن يكونوا أكثر ديمقراطية، وإيماناً بالتعددية من اصحاب الصراخ، والصوت القوي، وان مصالح الوطن وما يهدد الثورة تستوجب توسيع الصدر والذهن.. لتحالفات عريضة.. تشمل جميع المؤمنين بالتغيير والدولة المدنية الديمقراطية ، واشتقاق صيغ عملية تنمي الإيجابي في، وبين الجميع بعيداً عن التصنيفات وتوزيع التهم، وشلح المسؤوليات على هذا وذاك، وتبرئة النفس، أو "شطفها" ببعض الجمل والمترادفات.