غواصات الدولفين الإسرائيلية

غواصات الدولفين الإسرائيلية

د.مصطفى يوسف اللداوي

كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني

ليس هناك قيمة للقنبلة النووية مالم تكن هناك وسيلة لحملها وإطلاقها ، وقبل ذلك إمكانية كبيرة وآمنة لتخزينها وحفظها دون أخطار ، حيث يتطلب إطلاقها وجود آليات قادرة على حمل الرؤوس النووية ، ذات قدرة دقيقة على إصابة الأهداف المقصودة .

وقد أصبح هناك وسائل عدة لحمل الرؤوس النووية ، إذ يمكن للصواريخ البالستية أن تحمل رؤوساً نووية ، كما تستطيع الطائرات المقاتلة والقاذفات أن تحمل وتلقي القنابل النووية ، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات الفنية عليها ، كما أصبح هناك قذائف مدفعية نووية ، وقنابل نووية استراتيجية محدودة التأثير ، موضعية الهدف ، أو ما يسمى بقنابل الحقيبة النووية .

ولا تملك الكثير من دول العالم هذه الوسائل والآليات ، ولكن إسرائيل حرصت منذ السنوات الأولى لمشروعها النووي ، على أن تمتلك الوسائل الناجعة لحمل وإطلاق القنابل النووية ، حيث زودتها الدول الأوروبية وتحديداً فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية بعددٍ من الصواريخ القادرة على حمل رؤوسٍ نووية ، بالاضافة إلى غواصات الدولفين الاستراتيجية الألمانية ، ، كما قامت إسرائيل وحدها بتطوير عددٍ من الصواريخ البالستية الفعالة القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى ، التي يمكنها حمل رؤوسٍ نووية .

ولكن تبقى غواصات الدولفين الألمانية ، وهي التي تجوب المياه العربية عبر البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ، ويمكنها أن تصل عبر قناة السويس إلى بحر العرب ومياه الخليج العربي ، فتكون قريبة من الأهداف الإيرانية والباكستانية معاً ، تبقى الآلية الأهم لدى الدولة العبرية ، حيث حصلت إسرائيل من حكومة ألمانيا الاتحادية على ثلاثة غواصات من نوع دولفين ، وطالبت الحكومة الألمانية بتزويدها بغواصتين جديدتين ، بحجة حماية مياهها الإقليمية ، وحراسة سواحلها البحرية .

وتمتاز غواصات الدولفين الألمانية بقدرتها على حمل صواريخ ذات رؤوس نووية ، وتعمل هذه الغواصات كمنصات إطلاق صواريخ ، حيث أنها مزودة بصواريخ كروز ذات الرؤوس النووية ، ويعتقد بأن هذه الغواصات الإسرائيلية تجوب مياه المنطقة ، في مياه البحرين الأبيض المتوسط والأحمر ، لضمان توجيه ضربة نووية استباقية أو إنتقامية ضد أهدافٍ إيرانية ، أي قد تكون ضربةً أولى ، ومن الممكن أن تكون ضربةً ثانية انتقامية من إيران ، وتهدف إسرائيل من تسليح غواصات الدولفين بصواريخ تحمل رؤوساً نووية ، أن تكون قادرة على توجيه ضرباتٍ عسكرية موجعة في حال تعرضها للحرب ، وتدمير قدراتها النووية الأرضية داخل كيانها ، كما تستطيع غواصات الدولفين أن تكون قريبة من الأهداف المقصودة .

وتشكل هذه الغواصات النووية العائمة ، أسطولاً نووياً صغيراً ، قادراً على توجيه ضرباتٍ تدميرية ، لصالح إسرائيل أو لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ، وتكاد تكون غواصات الدولفين الإسرائيلية هي الأسطول النووي الأول في المنطقة ، خاصةً وأنها تمكن إسرائيل من توجيه ضرباتٍ عسكرية ، استباقية أو ثانية ضد أي هدفٍ بعيدٍ عن شواطئها ، وبعيدٍ عن حدودها ، فضلاً عن أي هدفٍ قريبٍ آخر ، وهذا من شأنه وفق المفهوم الأمني الاستراتيجي الإسرائيلي أن يجبر أي طرفٍ معادٍ لإسرائيل للتفكير ملياً قبل الإقدام على أي خطوة عسكرية ضد إسرائيل .

ويقول عصام مخول النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي " إن إسرائيل جهزت ثلاث غواصات تسلمتها من ألمانيا بأسلحة نووية ، لتوجه بواسطتها الضربة الثانية ، إذا كانت هي هدفاً لهجومٍ نووي " .

وتملك إسرائيل رسمياً ثلاث غواصات من طراز دولفين 800 ، وقد تسلمتها من ألمانيا في الفترة الممتدة بين يوليو 1999 وأكتوبر 2000 ، وكان المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول وراء الموافقة على تزويد إسرائيل بهذه الغواصات ، بينما قام المستشار السابق غير هارد شرودر بتسليم إسرائيل الغواصات الثلاثة ، حيث شارك مع وزير خارجيته يوشكا فيشر ، في احتفالٍ رسمي أجري بميناء حيفا ، برفع العلم الإسرائيلي على الغواصات الثلاثة ، وهي أحدث غواصات تقليدية في العالم ، وبغض النظر عن قدرتها على حمل رؤوسٍ نووية ، فهي تضمن للبحرية الإسرائيلية تفوقاً في الحرب تحت سطح الماء ، وقد صرح أيهود باراك في 27 يوليو 1999 عندما تسلمت إسرائيل الغواصة الأولى ، وقد كان رئيساً لوزراء إسرائيل ، " إن هذه الغواصات سوف تغير وجه البحرية الإسرائيلية ، وقدرات الذراع الطويلة لإسرائيل " .

وتسعى إسرائيل لامتلاك المزيد من هذه الغواصات ، وقد تكون قد زودت سراً بأكثر مما هو معلن ، وتبلغ حمولة هذه الغواصات 1550 طناً ، وتعمل بمحرك ديزل – كهرباء ، ويبلغ مدى تطوافها 4500 ميل بحري ، مما يضاعف من مقدرة إسرائيل على توجيه ضرباتٍ انتقامية واستباقية موجعة وبعيدة عن حدودها .

ويعتقد أن غواصات " دولفين " التي تملكها إسرائيل مجهزة باسطوانات مدفعية بمعدل 650 ملم ، وتصنف إلى جانب غواصات Seewolf الأمريكية ، على أنها الأحدث في العالم ، بالإضافة إلى الغواصات الروسية ، التي تتميز بقدرتها على حمل صواريخ ذات رؤوس نووية ، وقدرتها على التصدي لصواريخ معادية ذات رؤوسٍ نووية .

وتبذل إسرائيل مساعيها لدى الحكومة الألمانية لتحديث غواصاتها الثلاثة ، وفي نفس الوقت تطالب ألمانيا بتزويدها بغواصتين إضافيتين ، بكلفة 1.2 مليار يورو ، على أن تقدمها الحكومة الألمانية إلى إسرائيل على شكل هبة أو هدية ، علماً أنها غطت 85 % من تكاليف الغواصات الثلاثة القديمة ، أي أنها غطت ما قيمته 560 مليون يورو من قيمة ثمن الغواصات الثلاثة ، ورغم أن الخزينة الألمانية مثقلة بمديونية عالية ، إلا أن وزير الدفاع الألماني في حينه بيتر شتروك صرح لصحيفة هانلزبلات الألمانية ، " بالطبع نحن جاهزون لمساعدة إسرائيل للحصول على الغواصتين " ، وتستخدم ألمانيا طرقاً ملتوية في تبرير تزويد الترسانة العسكرية الإسرائيلية بغواصاتٍ حديثة ، فتقول " أبلغنا الإسرائيليون أنه سيجري استخدام الغواصتين في حراسة المياه الإسرائيلية " ، وتغض ألمانيا الطرف عن تعاظم الترسانة العسكرية الإسرائيلية ، بفضل الجهود الألمانية ، إذ أن الغواصات الثلاثة التي تسلمتها إسرائيل ، جعلت منها أكبر قوة عسكرية في المنطقة ، بعد أن قامت بتحميل الغواصات بصواريخ ذات رؤوس نووية ، وتدرك الاستخبارات الألمانية أن إسرائيل قد نقلت جزءاً من مخزونها النووي من صحراء النقب إلى عمق البحر ، وحملتها في غواصات الدولفين الألمانية ، وتدرك ألمانيا أن إسرائيل تخطط لاستخدام هذه الغواصات في استهداف إيران بضربةٍ استباقية وقائية .

ويقول كريستوفر شتايمتز الخبير الألماني في شؤون التسلح والصناعات العسكرية الألمانية ، بأن ألمانيا منحت إسرائيل هذه الغواصات من حساب خزينتها عام 1991 ، لحمايتها من أي عدوان عراقي عليها ، وقد كان تبرير إسرائيل لألمانيا عندما طلبت منها تزويدها بغواصاتٍ ألمانية الصنع بسيطاً ، " نريد غواصات صغيرة وخفيفة تصلح للأعمال العسكرية على الشواطئ غير العميقة ، بحيث تكون مجهزة بتقنية جمع المعلومات وتخزينها ، ومراقبة الشواطئ والخطوط البحرية ، وتكون قادرة على حمل طوربيدات خفيفة وثقيلة ، وتتميز بقدراتٍ على الغوص للقتال " ، وبموجب هذا التبرير يقول الخبير الألماني كريستوفر شتايمتز أن المانيا وافقت على منح إسرائيل هذه الغواصات ، ولكن إسرائيل استفادت من القدرة الاستراتيجية لغواصات الدولفين ، وأجرت عليها عملية تطوير واسعة ، مكنتها من أن تكون قاعدة صواريخ متحركة ، ولكن إسرائيل مازالت تطالب ألمانيا بتزويدها بالمزيد من الغواصات ، مما دفع الحكومة الألمانية إلى الإيعاز لمصانعها في مرافئ الشمال ببناء غواصات جديدة قد تسلمها لإسرائيل .

وقد أجرت إسرائيل تجارب بحرية على غواصات الدولفين ، وأطلقت منها بالقرب من شواطئ سيريلانكا في العام 2000 صواريخ مجهزة برؤوسٍ نووية ، وذكرت صحيفة لوس أنجلس الأمريكية في مقالٍ تحليلي لها ، بتاريخ 12/10/2003 ، حول فعالية سلاح البحرية الإسرائيلية ، أن إسرائيل أجرت عملية تطوير واسعة على الأسلحة التي تحملها على متن الغواصات الألمانية الصنع " دولفين " ، بحيث أصبحت هذه الغواصات قواعد متحركة لإطلاق صواريخ ذات رؤوس نووية .

وتكمن خطورة هذه الغواصات ، في عدم قدرة الخصم على اكتشافها أو تحديد مكانها ، وهذا ما أكده روفين بداتزر ، مدير مركز غاليلي الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية ، " إن إسرائيل في حاجة ماسة لقوة غواصات مزودة بالصواريخ ، لمواجهة احتمالات امتلاك إيران لمقدرات نووية بالستية خلال العقد القادم ، لضرب أهدافٍ إسرائيلية ، وتشكل هذه القوة من الغواصات رادعاً للخصوم ، لأنه لن يكون بمقدورهم اكتشافها ، وبالتالي يتعرضون لضربةٍ معاكسة قاتلة " .

وعلق الخبير العسكري جيفري أرونسون على امتلاك إسرائيل لغواصات الدولفين الألمانية " إن هذه الغواصات ستساعد إسرائيل بما لديها من صواريخ بالستية وطائرات إف 15 الأمريكية الجديدة طويلة المدى ، على استعراض قوتها من باكستان حتى المغرب ، وستضيف الغواصات الألمانية بصورة خاصة بعداً آخر إلى قوة الرد الإسرائيلية ، يتمثل في قدرتها على توجيه ضربة ثانية ، عند مواجهة خطر الأسلحة غير التقليدية ، التي يمكن أن تستخدمها الدول المعادية لإسرائيل في القرن الحادي والعشرين ، سواء كانت هذه الدول في العالم العربي أو جنوب آسيا ، أو في وسط آسيا " .

وزودت إسرائيل غواصات الدولفين بصواريخ كروز الفرنسية الصنع ، وهي من أهم الصواريخ البالستية التي صنعت في القرن العشرين ، إذ يتراوح مداها بين 900 – 1300 كلم ، وبذا فإن مداها يصل إلى مصر وباكستان وإيران ، وهي تجوب البحار على متن الغواصات ، التي تحمل كل منها أربعة صواريخ معدة للإطلاق ، وهي صواريخ ذكية موجهة بدقة نحو أهدافها ، وهي أكثر دقة بعشرة أضعاف من الصواريخ البالستية الأخرى ، وقد أجرت إسرائيل بعض التجارب على قدرة غواصاتها على إطلاق الصواريخ ، ففي يونيو / حزيران 2000 ، قامت غواصة إسرائيلية من طراز دولفين بإطلاق صاروخ كروز ، الذي أصاب هدفاً على بعد 950 ميلاً ، ليجعل ذلك من إسرائيل ثالث دولة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي ، التي تملك مثل هذه القدرة والدقة والصاروخية .

وقد ذكرت إسرائيل أن غواصةً إسرائيلية من نوع دولفين ، وهي محملة بصواريخ نووية ، قد عبرت قناة السويس ، ولم تنفِ الحكومة المصرية هذا الخبر ، بما يعني أن إسرائيل قد اختصرت آلاف الأميال أمام أي رحلةٍ لغواصاتها إلى مياه بحر العرب ، أو الخليج العربي ، بما يجعل أهدافها أكثر قرباً وأقل كلفة ، وقد تكون هذه الخطو نوعاً من استعراض القوة ، أو شكلاً من أشكال الإرهاب والترويع .

              

بيروت في 6/7/2009

·راجع كتابنا " القدرات النووية الإسرائيلية بين الغموض والإرهاب " ، دار الهادي – بيروت / لبنان