سوريا.. القوقعة.. وثورة الإنسانية

سوريا.. القوقعة.. وثورة الإنسانية

محمود القاعود

[email protected]

" حلاقة الذقن عملية تشريح أو حراثة للوجه مصحوبة بالبصاق والشتائم، وكان بعضهم يتلذذ بافتعال السعال قبل البصق على وجه السجين كي يكون البصاق مصحوبا بالمخاط !!! وتلتصق بصقة البلديات بالوجه ! ويمنع السجين من مسحها.

حلاقة الرأس .. مع كل سحبة ماكينة على الرأس، وبعد أن ينفض البلديات الشعر المحلوق، ضربة قوية بالماكينة نفسها على المكان المحلوق وهو يصر على أسنانه ويشتم:

* يا عرص يا ابن العرص .. منين جايب كل هالقمل؟!

* ولك يا (....... ) شو عامل راسك مزرعة قمل؟!

ومع كل ضربة ماكينة، إما أن ينفر الدم، أو تظهر كرة صغيرة في الرأس مكان الضربة !!

الكثير من السجناء عرف الكثير من البلديات، هم من نفس قراهم وبلداتهم ومدنهم وأحيائهم، وتبقى نفس الأسئلة مطروحة: ولكن لماذا؟ .. لماذا هو لئيم بهذا القدر؟.. ما هي دوافعه النفسية؟.. هل القسوة و السادية المتأصلة أو العارضة يمكن أن تنتقل بالعدوى؟ أم هي روح القطيع؟!.

" وددت لو تتاح لي فرصة محادثة احدهم ".

بعد أن انتهى أحد البلديات من حلاقتي بضربة قوية على رأسي الحليق، قال:

ياكلب يا ابن الكلب .. كسرتلي ضهري!! .. عامل حالك ما بتحسن توقف " ( رواية القوقعة لـ مصطفى خليفة ص 21 )

هذا هو أهون نص استطعت أن استشهد به من رواية القوقعة التى حكت بعض فظائع وأهوال التعذيب فى سجون المجرم المقبور الملعونة روحه حافظ الأسد .. هذا هو أهون نص يفضح حكم عصابة القتل والتخريب والإجرام والترويع التى تحكم سوريا منذ أكثر من أربعين سنة سوداء ..

مؤلف رواية القوقعة مسيحي كتب روايته باسم " مصطفي خليفة" وكان يعمل مخرجا سينمائيا ، اعتقلته ميليشيات حافظ الأسد فى ثمانينيات القرن الماضي بزعم أنه أحد أعضاء الإخوان المسلمين !

سرد مصطفي خليفة ما يهز الإنسانية هزا .. حكي فظائعَ لا مثيل لها فى التاريخ القديم أو الحديث .. بل يتورع عنها النازيون والتتار .. ربما تتشابه جرائم نظام عائلة الأسد مع جرائم الأنجلو ساكسون بحق الهنود الحمر وإبادة أكثر من مائة مليون من السكان الأصليين لأمريكا الشمالية ..

مصطفي خليفة اعتقل ثلاثة عشر سنة .. وكان أقل المعتقلين عذابا .. فهناك من أُعدموا وعُلقوا ومن أجبروهم على أكل البُراز وشرب البول .. وهناك سيدات اعتقلن كانت عصابات الأسد تضع الفئران والجرذان فى أرحامهن ليقضين فى الحال ..

رواية القوقعة .. وثقت بعض ما حدث فى سجن واحد " السجن الصحراوي" .. فماذا عن باقى السجون ؟ ماذا عمن قتلوا غدرا وغيلة دون أن يتحدث عنهم مخلوق .. ماذا عما تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين فى ربوع سوريا ؟ ماذا عن وسائل التعذيب التى لم نسمع بها ؟

لم يتوقف الأمر عند حدود هلاك المقبور حافظ الأسد .. بل خلفه الطاغوت المجرم بشار ، ليستكمل مسيرة القتل والتخريب والترويع والتنكيل ومحاربة الإنسانية .. فزادت حدة الجرائم الأسدية عقب اندلاع الثورة السورية المباركة فى آذار 2011م .. أعمل بشار وزبانيته القتل والهدم فى مواجهة ثورة الكرامة .. واجهوا الصدور العارية بالدبابات والطائرات والمدافع وبراميل البارود والصواريخ الحرارية والأسلحة الكيمائية  .. أقاموا المجازر المريعة .. لاحقوا الثوار قتلا بالسكاكين والسواطير .. اعتقلوا عشرات الآلاف .. خلعوا عيونهم .. اغتصبوهم .. جوّعوهم .. ثقبوا أجسادهم بالشنيور .. قطعوا الأعضاء الذكورية للرجال .. وضعوهم فى الماء المغلي .. فعلوا ما تترفع عنه الوحوش والحيوانات الضارية ..

رغم كل التآمر على الثورة السورية .. ورغم سنوات الترويع والإجرام الذى لا مثيل له فى كوكب الأرض .. لا زال شعبها العظيم يهتف : يا الله ما لنا غيرك يا الله .. لم يعد لهم سوى الله .. الذى توعد – عز وجل - بنصر عباده وتأييدهم ..

إن  ثورة سوريا .. هى ثورة الإنسانية جمعاء .. ثورة  ضد أخطر عصابة إجرامية بالكون .. ثورة ضد أعداء الروح .. ضد أعداء الحياة .. ضد أعداء الإسلام .. ضد أمريكا وإسرائيل وروسيا والصين وإيران .. ثورة ضد الصليبية الصهيونية العالمية ..

إن سوريا تئن من الألم .. منذ أكثر من أربعين سنة .. سوريا تريد التحرر من القيود الوحشية الإجرامية .. التى قتلت الحياة .. وأحالت سوريا إلى دماء وأشلاء .. بل بحور من الدماء وجبال من الأشلاء ..

ثورة سوريا هى ثورة كل مسلم .. وثورة كل إنسان .. يحمل فى قلبه مثقال ذرة من إنسانية .. مثقال ذرة من كرامة ..

إن سوريا هى روحنا الأسيرة .. هى قلبنا النازف .. هى عقلنا المسلوب .. هى نبض العروبة والإسلام .. هى ياسمين الشام .. وأرض الحضارة والعلم ..

المؤامرة كبيرة .. لكن حسبنا ثقتنا فى وعد الله .. وكان وعد ربى حقا.