كيف يمكن استعادة بهاء الثورة كي تبقى ممسكة بجوهر أهدافها ؟؟..

كيف يمكن استعادة بهاء الثورة

كي تبقى ممسكة بجوهر أهدافها ؟؟..

عقاب يحيى

سؤال، بل أسئلة كبيرة "تدوخ" منذ مدة في "كؤوس" الواقع ومفرداته حتى لتبدو تلك الأسئلة وكأنها نوع من الرومنس، أو التحليق في دنيا أخرى غير واقعية نتيجة شدة التعقيدات التي زجّت بها الثورة، والمآلات الناجمة عن مسارات متعددة قادت إلى شربكة عوّيصة يصعب الإمساك برأس الخيط الحقيقي وسط ذلك التشابك الاختلاطي ..

ـ كثيرون ينظّرون منذ مدة على أن الثورة خُطفت نهائياً ولم يبقَ منها سوى بعض الحلم والذكريات، والأشلاء، وتلك الشعارات المرمية في الرايات السوداء.. وأن ما جرى هو حقيقة . وهناك، في ذات  .السياق، من يعتبرها قد سرقت، أو انتهت إلى هذا النتاج الذي لا علاقة له البتّة بها، ولا بأيّ من اهدافها، وأسرار استمرارها، وأنها من يوم امتطت السلاح مُجّبرة، ثم تائهة تاهت الدروب وتعددت، وسيطر التطرف الذي راح يسحبها بعيداً عن روحها ليضفي عليها نمطية مختلفة.

ـ وهناك من ما زال يؤمن بأن الثورة فعل كبير، عميق كالنهر العظيم الدفاق أبداً، الذي يحمل الكثير من الأشكال والأحجام في جريانه، والذي قد لا يراه عديد المعشبقين، والقلقين، والمتسرعين، واللاهثين، وأنه يمكن أن تطفو فيه في فترة ما، ولمدة ما، أوزان وصور ونفايات شتى قد تغطي وجهه بالكامل، او جلّه، لكنها لن تبقى طويلاً حيث سيجرفها ويلقيها على جوانبه، وسيمضي مستمراً إلى مصبّاته.. وأن علينا رؤية هذا العمق والسيرورة في عشرات آلاف الشباب الثوار الذين يضحّون بحياتهم كل يوم، وفي خط الحياة الأقوى من كل عوارض الصدف، والطارئات، واللحظيات. في المنحى التاريخي الذي يحفر درب الحقيقة..

ـ وهناك من يدعو إلى إحياء هيئات المجتمع المدني والعودة للنضال السلمي، ورفض التسلح وما جاء به، ويعتبر أن سحق الطابع المدني، والسلمي للثورة بفعل تناغم مخططات النظام مع آليات التسلح قادت إلى غياب العمل السياسي ـ الثوري، وغلى فقدان القرار الوطني وتجييره لصالح القوى الممولة والمسلحة حتى باتت اللاعب القوى في المعادلة، ناهيك عن الرهانات الخطيرة على الدور الخارجي وما فعلت ..

ـ وتكثر الدعوات وسط التفاعلات.. دعوات لحلول سياسية، ومبادرات تغلب عليها الأمنيات، ومشاريع ومؤتمرات، وتجمعات صغيرة سرعان ما تنكمش، وأحزاب بالجملة والمفرّق تعبّر عن منسوب الأزمة في السوري ودأبه الباحث عن مخارج بطريقته، ووفق تركيبة تفجّر خزينها دفعة واحدة حتى باتت ماركة خاصة.. وفقدان بوصلة وسط هذه "المعمعة" من معطيات قاسية عناوينها الكبيرة : النظام وداعش وأولاد العم والأقرباء، وانحسار كبير لفعل وقوى الثورة ..وفوات جميع الأشكال والهيئات القائمة رغم بعض المحاولات للترقيع والتحسين أو إثبات الوجود عبر محاولات يعتقد أصحابها أنها الطريق الشامل لإثبات أنهم على قيد الحياة، وأنهم ما زالوا في البراويز التي وُضعوا فيها  فأدمنوها..

                                            ****  

يمكن الكلام طويلاً، وكثيراً في توصيف اللوحة، وفي المسارات التي شكّلتها، والعمل المسلح وما أنتج، وداعش وما تفعل، والنظام وما يخطط، ومشاريع التفتيت والتقسيم، والرجّات الطائفية وأصحابها وما تنتج، وإيران والشيعة والفرس، والعلويون ووضعهم وتفكيرهم، والسنة والصراعات العمودية ومن يقف خلفها، وخرائط التقسيم التي تعدّ، والاستنزاف الطويل حتى انتهاء الدم السوري الحي...

لكن السؤال الكبير الذي يحاصر الجميع : كيف يمكن الحفاظ على الثورة وجوهرها؟.. وهل يمكن القيام بفعل التنقية الكبير عبر جميع المحاولات المتقطعة؟، أم أنها ـ الثورة ـ هي من سيقوم ـ بفعل ذاتي بهذا العمل التاريخي بوسائلها وأدواتها، وبعيداً عن تدخّل هؤلاء جميعاً؟؟.. وأن الأغلبية لا ترى ذلك الفعل المتجدد الذي يخترق الصعوبات، وحالات الانسداد.. لأنهم بموقع الغرباء، والمتطفلين والدخلاء ؟؟...

وأن مبادرات الحلول السياسية ستقف عمياء لا تعطي غير الهباء، ولا تثير سوى مزيد الغبار الذي يمكن أن يقذف نثاره في عيون البعض كي يجرّحها، ويصعّب عليهم رؤية الوقائع .. وقد يصابون بالعمى الشامل.. وحينها سيكونون بحاجة لعكازات خاصة غالباً ما ستكون من صنع النظام واجهزة أمنه، أو من قبل الأخبث من الذين يدعمونه، ويخططون له..؟؟؟...

                                                     **

ـ لقد حاول كثير توليفة مجموعة اقتراحات وبثها حيث يقدر.. علها تكون المرجعية.. فتناثرت ..

ـ وتداعى، وكتب كثير، وحاول كثير ـ أيضاً ـ الدعوة لعقد مؤتمر وطني جامع..دون الوصول لنتيجة مرضية، ولاصطدام تلك الدعوات بحالة التشرذم، والبعثرة، وبضعف وجود الغطاء، والتمويل، والمرجعية حيث تتناثر تلك الدعوات رغم وجود أعداد كبيرة من السياسيين والتشكيلات المؤيدة لذلك، والتي ترى في المؤتمر الوطني الجامع سبيلاً وحيداً لمناقشة الأوضاع ووضع سبل المخارج    ..

ـ الإئتلاف الذي سقط معظم الرهان عليه، والذي فقد جلّ مصداقيته بين الناس، والذي رفض ـ حتى الآن على الأقل ـ القيام بمراجعة حقيقية لأوضاعه، وأوضاع الثورة، والأركان، بما فيها الحكومة التي بدت ككبش فداء.. مازال القائمون عليه يراهنون على مجموعة إجراءات يعتقدون أنها كفيلة بوضعه في المكان الصحيح، وفي تمكينه من تجسيد الشعار الكبير على أنه الممثل السياسي، وربما ـ الوحيد ـ للشعب والثورة..وأنه يمكن علاج الأوضاع المهزومة بجملة من الإصلاحات التي يطرحون، كما يمكن استعادة القرار الوطني من مخلب الواقع الموصوف...بينما يحاول البعض العمل على إقامة بدائل ما ما زالت تتعثر، وينفرط عقدها..

ـ على السوريين جميعاً، المنتمين للثورة، والمحسوبين عليها، باختلاف أوصافهم، ومواقعهم أن يقتنعوا أنه لا يمكن حلّ أوضاع بلادهم إلا بأيديهم، وباستلهام روح ومقومات قرارهم الوطني، وتكريس العقل الجماعي الذي لا يستأصل، ولا يستبعد أحداً.. كمنطلق لإقرار حقيقة أن الثورة ملك الجميع، وان الجميع معني بها، وأن اجتماعاً وطنياً عاماً للجميع ـ بلا استثناء ـ يشكل اليوم ضرورة الضرورات لبحث الواقع، ووضع الرؤية الصحيحة والبرنامج السياسي المطلوب، وتصويب مسيرة، وخط، وواقع الثورة بالعودة إلى جوهر مبادئها، وخطابها، وأهدافها في التغيير الشامل وإقامة دولة الحق والعدل والمساواة ..

ـ إن الوحدة الوطنية بين جميع المنتمين للثورة مطلب حيوي لتجاوز الخندقات وسياسة التمزق والفرقة . الوحدة التي تضمّ جميع التلاوين السورية دون إلغاء، أو تمييز بينها، وتتيح المجال لكل لون أن يسهم بما يقدر في المعركة المصيرية، الطويلة لانتزاع الحق، وإنهاء نظام الفئوية والاستبداد، وإقامة البديل الديمقراطي ـ التعددي، وإخضاع البنادق لقرار وطني موحد، يرفض الانجرار خلف أجندات إقليمية تتعارض ومصلحة الثورة والبلاد ..