تابعونا في رمضان... المعاني في المزاد العلني..!!!

تابعونا في رمضان...

المعاني في المزاد العلني..!!!

سهير أومري

سلِّ صيامك… رمضان عنا غير…. رمضان يجمعنا… تابعونا حصرياً…. ( سبعون مسلسلاً ) لكل منها قناة تبثه حصــرياً…

اتصل واربح… شارك واربح…. أرسل رسالة قصيرة واربح….  سيارة… براد، غسالة، جوال، كمبيوتر… تذاكر على الفطور وعلى السحور… أشهى الوجبات على أجمل أنغام الطرب الشرقي والبرامج الفنية الرمضانية المميزة…

أقبل رمضان…

لعلكم تربحون… لعلكم تشبعون… لعلكم تسعدون… لعلكم تترفهون…

غايات وأهداف لرمضان… تتنافس القنوات الفضائية العربية على التوجه بها للمشاهد العربي لتحمله من واقعه إلى عالم آخر لا علاقة له بشيء من الدم الذي يملأ الأفق ، ولا بالنار التي تشتعل من حوله ، ولا بأنين الجرحى والمعذبين والمهجرين من إخوته السوريين وغير السوريين ...

فعندما يعلو موج المد العولمي لا قيمة أمامه لدم ولا أرض ولا وطن ، بل كل شيء أمامه يصير سلعة .... المبادئ سلعة…المواقف سلعة… وحتى المعاني تصير سلعة…

وبما أن رمضان شهر المعاني فمزاد البيع قد بدأ… والجمهور العربي قد احتشد ، بل تسمر أمام الشاشات وعلى الفضائيات فمرحبا بالبائعين، وطوبى لأرباح الفراعين… وتحية لتاج قارون العظيم ومفتاحه الثقيل… وأهلاً بقهقهة النمرود المتعالية مع حلقات المسلسلات وعلى أنغام المسابقات… ووقفة إكبار وإجلال لأضواء المتاجر المتلألئة بأسماء الماركات… وطوبى لشايلوك يبتسم كل مساء وهو يغلق حسابه عن أرباح تعجز حاسبات الدنيا عن إحصائها بعد أن أدخل السرور على قلوب الصائمين ومنحهم هدايا المسابقات، وفرّحهم بفُتات فُتات عائدات الاتصالات والرسائل والمشاركات…

واقع مؤلم يسود عالمنا ، ظاهرُه أننا نقاوم الموت بالإقبال على الحياة ، وباطنه التشاغل وتخدير للضمائر عن الالتفات لبطون خاوية ، وأجساد عارية ، وأقدام حافية ، وجراح نازفة ، وعيون تائهة ...

فبينما يعيش السوريون داخل سوريا في سجن كبير ، وتُغلق دونهم أبواب الدول والمدائن ، ويطوف جرحاهم يبحثون عن دواء ، ويتطلع أطفالهم لكتاب يشقون بعلمه حجب الظلماء ، في تلك الأثناء ينهمر طوفان التسليع في رمضان لينال كل المعاني  فإذا بالرحمة تصبح تعاطفاً مع أحداث المسلسلات ، والهمة والعزيمة تصبحان دأباً على المشاركة في المسابقات وحضور السهرات والحفلات، وإذا بالصبر يصبح إغراء للنفس بالإقبال بعد الإفطار على ما لذ وطاب دون حدود ودون نهاية، وبهذا لتصير الأوقات سلعة… والمشاعر سلعة…. والأفكار سلعة… والمواقف أيضاً سلعة يشتريها المدّ العولمي بإعلاناته البراقة في الإذاعات والفضائيات ، ونبيعها نحن على مذبح التفريط والإهمال ، ليغدو حالنا بعد الإفطار وكأننا ننتقم من كل ساعة مرت علينا ونحن صائمون ، ننكبُّ على المباحات ونتفنن في الاستزادة منها ، ولو كان ذلك فوق الحاجة ومجسداً كل معاني الترف، وعلى نحو لا نفكر فيه بعذابات غيرنا وأوجاعهم ، فعلى سبيل المثال أشارت إحدى الدراسات الاقتصادية[1] إلى أن الاستهلاك في شهر رمضان في الدول العربية يزيد بنسبة 40% عن باقي شهور السنة… على الرغم من أن كمية كبيرة من الأطعمة التي يتم استهلاكها لا يستفاد منها، وإنما توضع للعرض فقط، وأحياناً للتفاخر، ولكي تكون الموائد عامرة ليس أكثر.

كما تشير هذه الدراسات إلى ارتفاع معدل استهلاك المواطنين في العالم العربي للمواد الغذائية واللحوم والدواجن خلال هذا الشهر.. فعلى سبيل المثال يزيد معدل استهلاك الدواجن بنسبة 100%، واللحوم الحمراء بنسبة 50% رغم ارتفاع الأسعار.. كما تزيد نسبة معدلات الاستهلاك على منتجات السكر والدقيق والزيوت والسمن بنسبة تتراوح ما بين 40%-30%.

وتشير بعض الدراسات أيضاً أن 45% من الوجبات التي يتم إعدادها في رمضان في بعض الدول الإسلامية الغنية تذهب إلى صناديق القمامة.

هكذا يكون استهلاك أمة العرب للطعام في رمضان ، مع أن البديهي أن تكون نسبة الاستهلاك قد انخفض ثلثها على الأقل نظراً لكون وجبات الطعام قد أصبحت اثنتين لا ثلاثة... فكيف بحالنا ونحن نستهلك كل هذا الطعام وصرخات الجوع والعطش تملأ الآفاق!!!

رمضان يقرع الأبواب يستنهض فينا الهمم لا لنجعله سوقاً نبيع فيه معاني الصيام على أنها سلعة ووسيلة لكسب أساطين المال متجاهلين كل العذابات والآلام ، بل لنشتري فيه حال من استحقوا النصر في رمضان يوم بدر ، ويوم فتح مكة ، ويوم حطين ، ويوم عين جالوت ، ويوم فتح القسطنطينية.

               

[1] مجلة الوقت العدد 219- الأربعاء 5 رمضان 1427 هـ – 27 سبتمبر 2006