الدمارُ الشاملُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

 

يقول الحي القيوم سبحانه:"مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً "وَيُوصي رَسُولُ اللهِ الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم المسلمينَ في ساحاتِ القتالِ فَيَقُولُ :"لا تَقتُلوا صَبياً ولا امرأةً ولا شيخاً كبيراً..ولا مريضاً ولا راهباً..ولا تَقطعُوا مُثمِراً..ولا تُخْرِّبوا عَامِراً..ولا تَذّبَحُوا بَعيراً ولا بقرةً إلاَّ لِمأكَلٍ..ولا تُغرِقُوا نَحلاً ولا تُحرِقُوه).هذه قوانينُ الحَربِ في الإسلامِ مِنْ وراءِ أربعةَ عشرَ قرناً ونَيِّف..مِمَّا لا تزالُ البشريِّةُ تَفتَقِرُ إليها اليومَ..بل هي آخذةٌ بالتَّسابُقِ والتَفَنُّنِ بِصِنَاعةِ أدواتِ الموتِ والدمارِ..تَسْحَقُ بها البشرَ والحَجرَ والشجرَ والبقرَ بعبثيِّة وَوحشيِّة مَجنونةٍ دون تمييز..السلاحُ النَوَويُّ والكيماويُّ والبيولُوجِيُّ وَكُلُّ أسلِحةِ الدمَارِ الشَامِلِ..مُحرَّمَةٌ أشدُّ التَّحْريمِ في الإسْلامِ ..لأنَّها أسلِحةٌ انتحَاريِّةٌ جَماعيِّةٌ مُبيدةٌ..لا تُفرِّقُ بينَ المُحاربِ والمُسالمِ..ولا تَصونُ كرَامةَ الإنسانِ وَمُمتَلَكاتِهِ..ولا تحفظُ للبيئةِ سلامتَها وَحَيويِّتَها..وتُفسدُ البّرَ والبحَرَ..والإسلامُ يَدعو إلى السلامِ والحياةِ والتنميِّةِ لقوله تعالى:"وَاَللَّه يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام"ألحربُ في الإسلامِ مَمْقُوتَةٌ مَكْرُوهَةٌ..إلاَّ لِضَرُورَةِ دفْعِ الاعتِدَاءِ وَالبَغيِّ..فإذا زَالَت الأسبَابُ وَجَبَ وَقفُ الحَربِ فوراً..لِيكونَ من بعدُ الصفحُ والتسامحُ لقوله تعالى:"فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "ولقوله تعالى:"فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ"وَمِنْ تَعَاليمِ الحَربِ في الإسلامِ:عَدمُ مُلاحَقَةِ الهاربِ مِنَ القِتالِ..فالقتْلُ ليسَ غايةً في قانون الحرب في الإسلام ..بل الغاية رد العدوان وردع المعتدي..وتحرِّم قوانين الحرب في الإسلام التَمّثيلِ بالقتلى بل يَجِبُ دَفْنُهم وعدم إهانة جثثهم..فَالنْفسُ البَشَريِّةُ مُكَرَّمةٌ لِذاتِها..وتحرِّم تعاليم الإسلام الإساءةِ لِلأسرى بل يَنبَغي إكْرَامُهم والمحافظة على أمنهم وسلامتهم..أما قوانين السلم وتعاليمها في الإسلام فحدث ولا حرج ومنها ما يؤكده قول الله تعالى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"علماً أن البرَّ في الإسلام اختص الله تعالى به الوالدين ومن بحكمهم وَبعدُ..فَهْلاَّ تَأمَّلت النُظُمُ العالميِّةُ قِيمَ الإسلامِ وتعاليمه في السلم والحرب..؟ وَهْلاَّ أعَادت النظرَ في قِيمِها العوراء إنْ لمْ تَكن العمياء..؟نَأملُ ذلِكَ.