ذكرياتي الجميلة مع مسجد نيوجيه في بكين

ذكرياتي الجميلة مع مسجد نيوجيه في بكين

رضا سالم الصامت

من أقدم المساجد في بكين العاصمة، نجد مسجدي "نيوجيه" بالعاصمة بكين في شارع البقر و اسمه بالصينية " 牛街礼拜寺 " نيوجيه لي باي تسه ، و قد زرت هذا المسجد شخصيا و صليت في داخله  ركعتين  تحية المسجد و كان مرافقي أخي الأستاذ الصيني سليم ليو يوان بي ، و حيث حصل لنا شرف مقابلة السيد نائب رئيس الجمعية الإسلامية الصينية في بكين الذي أفادنا مشكورا أن أوضاع مسلمي الصين تتحسن كثيرا و أنهم يمارسون طقوسهم الدينية  بكل حرية حسب ما يخوله لهم القانون ، و الجمعية ساعية  لمساعدة هؤلاء المسلمين لأداء الخمس صلوات  كل يوم باعتبارها من الواجبات الدينية الأساسية اليومية للمسلمين، و صلاة الجمعة  بالخصوص ، و أن أي مسلم جاء من الدول العربية أو من الدول الإسلامية الأخرى يولي أكبر اهتمام بأمرين فور وصوله إلى الصين ، وأولهما يتعلق بأداء الصلاة، والآخر يتعلق بشراء الأطعمة الإسلامية الحلال في هذه البيئة الجديدة. و أن الأكل والسكن والعيش في الصين وكذلك القيام بالشعائر الإسلامية سهلة وبسيطة ومريحة جدا بالنسبة للمسلمين.

هذا و قدم لنا السيد قوانغ نائب رئيس الجمعية الاسلامية الصينية لمحة موجزة عن تاريخ الجمعية حيث قال : تأسست الجمعية الإسلامية الصينية عام 1952، و مقرها بكين وهي تمثل الحقوق والمصالح الشرعية لمسلمي مختلف القوميات  في الصين ، وتعمل منذ إنشائها على نشر سياسات الحكومة الصينية الخاصة بحرية الإيمان الديني وإجراء مختلف الأنشطة الإسلامية في أنحاء البلاد ، بالإضافة إلى تطوير التعليم الإسلامي وكشف التراث الثقافي الإسلامي وكذلك تنظيم أعمال بحوث الثقافة الإسلامية وترجمة وتحرير ونشر الكتب الإسلامية. وفي هذا الصدد، قال الشيخ  قوانغ. لقد استكملت الجمعية الإسلامية الصينية عدة أعمال بما فيها تربية الكوادر المسلمين وطبع القرآن الكريم وبناء المساجد وتنظيم المسلمين لأداء فريضة الحج وتحسين الأطعمة الإسلامية وغيرها من الأعمال المختلفة. فمثلا، ايفاد المسلمين الصينين كل عام لأداء فريضة الحج إلى مكة المكرمة في الأراضي المقدسة ، كما تساهم الجمعية في تعزيز الصداقة بين الشعوب العربية و الاسلامية مع مسلمي الصين . و عن مسجد نيوجيه فقد أفادنا الشيخ قوانغ ما يلي : بُني مسجد "نيوجيه" منذ ما يقرب عن الألف  سنة و تبلغ مساحته حوالي 6000 متر مربع. ومع أن مبانيه لا تختلف عن القصور الكلاسيكية الصينية شكلا وتوزيعا إلا أنها مميزة بالزخارف الإسلامية الطراز. أما قاعة الصلاة في المسجد فتواجه الشرق، وهي تشكل مع القاعة المقابلة لها وجناحي المسجد الجنوبي والشمالي دارا مربعة مثالية (أي دار تحيط بها المباني من الجهات الأربع وتتوسطها ساحة رحبة). وأما بوابة المسجد، فهي مفتوحة إلى الغرب، وأمامها حاجز من الطوب كبير، ووراءها برج لمشاهدة الهلال، سداسي الأضلاع مزدوج الأفاريز. وأمام قاعة الصلاة اثنتان من المقصورات الصخرية، تنتصب إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال. وتبدو مباني المسجد منسجمة متناسقة ومحكمة. فهي مجموعة كاملة من المباني الرائعة.

تتكون قاعة الصلاة من ثلاثة مبان متراصة طولاً، وخمسة فسح عرضا. وهي تغطي مساحة قدرها أكثر من ستمئة متر مربع، وتتسع لقرابة ألف مصلي في آن واحد. ولو ألقيت نظرة على القاعة من الخارج، لوجدتها مبنى كلاسيكيا صينيا نموذجيا بما تتميز به من الأفاريز المرفوعة والتركيبات الخشبية الزاهية الألوان، غير أن زخارفها الداخلية إسلامية الطراز تماما. ومحارب قاعة الصلاة مسقوف بمقصورة مسدسة الأضلاع مخروطية الشكل مميزة بالسقف الدائري الملون من عهد أسرة سونغ الملكية 960 - 1279 م   وعلى جدرانها الجنوبية والشمالية نوافذ منقوشة بالكتابات العربية. وفي قاعة الصلاة ثماني عشرة دعامة و واحد وعشرون عقدا. وتظهر على عتبات العقود العليا نقوش من الآيات القرآنية والتسابيح الإلهية والمدائح النبوية. وعلى جنبات الدعامات القرمزية اللون نقوش لزهور مموهة بالذهب، مما يشكل مع الثريات المعلقة في القاعة منظرا فريدا من نوعه. وكان لهذه القاعة عيب متمثل في الحرارة الخانقة التي يعاني منها المصلون صيفا والبرد القارص شتاء لشدة قدمها، ولكن هذا العيب قد تم تفاديه بعد تزويدها بأجهزة التهوية منذ سنوات. ولو ذهبت إلى الركن الجنوبي الشرقي من المسجد لألفيت نفسك أما مرقدين للشيخ  أحمد البرتاني  المتوفي سنة 1280 م والشيخ عماد الدين المتوفى سنة 1283م  ، وهما من علماء الإسلام العرب الذين جاءوا إلى الصين لنشر الإسلام. وتنتصب بجوار هذين الضريحين شاهدتان منقوشتان بكتابات عربية واضحة الخطوط حتى يومنا هذا. وهما في نظر المسلمين المحليين من روائع الآثار الإسلامية.

 إن تاريخ الإسلام في الصين يعود إلى الرحلات التجارية التي كانت ترد من إيران والجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي، ويبلغ عدد مسلمي الصين أزيد من عشرين مليون مسلم، يتركزون في مقاطعتي " شنينجيانغ " و"نينغشيا"، وهي مناطق مستقلة تقع جنوب غرب الصين وفي وسط الصين.

 في مقاطعة "هينان" وحدها يوجد أكثر من 700.000 مسلم. يتمكن الجميع من أداء الصلوات الخمس ومختلف شعائرهم الدينية، حيث يوجد أكثر من 34000 مسجد تنتشر في أرجاء البلاد و عدد المسلمين في الصين لايقل عن مائة وعشرين مليون مسلم حسب إحصاء المهتمين في الشأن الإسلامي. و المعروف تاريخيا أن الإسلام دخل إلى الصين في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما أرسل وفدا برئاسة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى الصين.

ومن ضمن محفوظات مسجد نيوجيه  لوح منقوش عليه أمر أعلنه الإمبراطور قانغ شي  سنة 1694  م  بخصوص المسلمين. إذ قيل أنه لما وجد الحاقدين على الإسلام المسجد مضاء بالأنوار المتألقة في ليالي رمضان، وشى أحد الحاقدين  بالمسلمين إلى الإمبراطور بدافع التقرب اليه، وزعم قائلا: " أن المسلمين يجتمعون ليلا، ويتفرقون نهارا، فيبدو أنهم يستعدون للتمرد ". فتوجه الإمبراطور في بزة مدنية إلى المسجد خفية للتحقق من الأمر، ولكن تبين له أن كل ما ورد في وعظ الإمام هو من التعليمات الإسلامية الداعية إلى الخير والناهية عن الشر، فما لبث أن أصدر أمرا جاء فيه: " ليكن في علم جميع المقاطعات أنه إذا افترى أحد الموظفين أو الرعايا على المسلمين بالتمرد، متذرعا بذريعة تافهة، فلا بد من معاقبته معاقبة شديدة قبل استشارة القيادة العليا. وليتمسك المسلمون بالإسلام دون السماح لهم بمخالفة أمري هذا.

وبعد تأسيس  جمهورية الصين الشعبية  في أول اكتوبر 1949 م ،خصصت الحكومة مبلغا لترميم مسجد نيوجيه ترميماً شاملاً. ولكنه عاني من التخريبات الخطيرة في هوس " الثورة الثقافية "، كما أغلقت أبوابه أكثر من عشر سنوات. وفي سنة 1979 م   أعيد ترميمه على نطاق واسع  وعبر أكثر من سنة من الإصلاحات الدقيقة تجددت ملامح هذا المسجد العريق كما كان عليه سابقا.ومسجد "دونغ سي" الذي يعود تاريخ بنائه إلى 500 عام، وقد تم تجديدهما عدة مرات خلال 50 عامًا. عام، 

وبحلول شهر رمضان هذا العام 1435 هجري – 2014 ميلادي ، يبدأ الدعاة وأئمة المساجد في إلقاء دروس للمسلمين حول تعاليم القرآن وآداب السنة النبوية، خاصة تلك التي ترتبط بالصيام وأخلاق الصائمين.

 وكعادتهم في رمضان يصلي الصينيون التراويح ليرفعوا أصواتهم بالدعاء بعد انتهاء كل ركعتين: "يا مقلب القلوب والأبصار، يا خالق الليل والنهار، اللهم قوِّي ايماننا وكغيرها من الدول الإسلامية أو التي يتواجد بها عدد من المسلمين، فإن شهر رمضان يتميز عن غيره من سائر شهور السنة بالعديد من الأنشطة الدينية التي يمارسها الصينيون مثل تلاوة القرآن قبل صلاة التراويح والاحتفال بليلة القدر.

أما عن المسلمين أنفسهم فهم يتعايشون مع  قومية "الهان" و هي أكبر قومية في الصين، وفي المناسبات الدينية وخصوصًا في هذا الشهر الكريم يقدِّم هؤلاء المسلمون لجيرانهم من قومية  "الهان" أطعمتهم التقليدية، وفي نفس الوقت يعطي "الهان" بدورهم الهدايا لجيرانهم من المسلمين.ويوجد في الصين أكثر من 988 مطعم ومتجر للأطعمة الإسلامية. ومن أشهر الأطعمة التي تنتشر في رمضان بين المسلمين في رمضان لحم الضأن المشوي، ويحرص المسلمون أيضًا على تبادل الحلوى والبلح والشاي .. و نحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك ، تذكرت أياما جميلة قضيتها في بكين قبل  أكثر من27 سنة مضت  و ظل يسكنني الحنين لهذا المسجد المعمور الذي يعد تحفة فنية صينية إسلامية ، و صرح عريق تخطاه الزمن باعتباره رمز الحضارة الإسلامية الصينية  الرائدة.