بوتين بشار الفرزدق!

جمعتني يوم أمس في  خيمة عزاء  أقيمت لإحدى شهيدات ضحايا القصف الروسي في يومه الرابع لإحدى قرى محافظة إدلب ، مع عدد من الأصدقاء السوريين ، وقد كان محور حديثنا  بطبيعة الحال التدخل العسكري الروسي في بلدنا  سوريا  ، أهدافه القريبة والبعيدة ،  وهل إن أفغانستان ثانية تنتظربوتين في سورية ، حيث سيلقن  الشعب السوري والثورة السورية  هذه الجحافل الروسية المحتلّة درسا أفغانيا جديدا ؟ . لقد فاجأني أكثر من واحد من هؤلاء الأصدقاء بالقول : عن أي ثورة وعن أي شعب تتحدثون !! ، فالثورة السورية قد أصبحت في خبر كان  ، والشعب السوري صار " بدو سلتو بلا عنب " ، وها هو يهرب  من قنابل بشار وبوتن إلى أوروبا زرافات ووحدانا . نعم لقد انتصر بشار وروسيا وإيرانوإسرائيل على الثورة السورية ، وعلى الشعب السوري ، وسيبقى بشار الأسد ينيخ فوق رقابنا  إلى أن يشاء بوتين وإسرائيل له غير ذلك (!!) . نظرت إلى هؤلاء الأصدقاء بشيً من الاستغراب ، جادلتهم في أن الثورة السورية سوف تصمد وسوف تنتصر عاجلاً أم آجلاً ، وذكرتهم  بمقولة ( إذا كان للباطل  جولة فإن للحق جولات ) ، بيد أنني لم أستطع أن أزحزحهم عن قناعاتهم في أن الثورة السورية قد انتهت وأن بشار قد انتصر، رغم أنهم ـ وحسب معرفتي بهم ـ  كانوا يتمنون بأعماقهم عدم صحتها .

عدت إلى بيتي برأس تملؤه  الشكوك  والتساؤلات التي لاجواب واضح لها  ، وقلب يملؤه الحزن  على الحالة التي وصلنا إليها ، ثم وجدتني بعد أن اختلطت لدي الشكوك مع الأحزان  مع التساؤلات ، أحاول الإجابة على السؤال الذي طرحه علي موقف هؤلاً الأصدقاء من الثورة السورية : ترى هل إن بوتين سيكون قادراً فعلياً على أن  يفرض علينا ديكتاتوية أقلية طائفية حاقدة وفاسدة  لنصف قرن جديد من الزمن ، بعد أن بات من المستحيل تحمل استبدادها وفسادها وديكتاتوريتها أكثر من نصف القرن الذي  بدأ في ستينات القرن الماضي ، ولم ينته بعد ؟؟. .

لابد من الاعتراف بداية ، انه لايمكن لأحد أن ينكر أن كل ثورات الربيع العربي ومنها ثورتنتا السورية  ، قد واجهت وتواجه صعوبات وإشكالات مختلفة وكثيرة وكبيرة ، وخاصة في الدول العربية المجاورة للكيان الصهيوني و ذات العلاقة المباشرة و/ أو غير المباشرة بالقضية الفلسطينية ، كمصر وسورية والعراق واليمن . إن تمركز وتركز تلك الصعوبات والإشكالات في الدول المشار إليها ، إنما يشير عملياً الى دور "اسرائيل "وحلفائها من الدول البعيدة والقريبة ، في خلق تلك الصعوبات والإشكالات ، بل وفي وضع العصي في عجلة ثورات الربيع العربي ، في مصر  بالأمس ، وفي سورية  واليمن  اليوم ، وذلك  لمنعها أو لمنع اثارها من الوصول إلى دول الفساد والاستبداد الأخرى الحليفة للغرب والجاهزة للتطبيع مع  إسرائيل في المنطقة . إن  التعامي الغربي عامة  والأمريكي والروسي خاصة ، عن الهجوم الوحشي الذي تقوم به " إسرائيل " على الشعب الفلسطيني ، وعلى ثالث الحرمين الشريفين  في القدس هذه الأيام  ، وأيضاً عن الدور الإيراني في العراق وسوريا واليمن ، إنما يؤكد ما ذهبنا إليه من الترابط بين وجود تلك الصعوبات والانتكاسات التي واجهت وتواجه ثورات الربيع العربي في الأقطار العربية المشار إليها أعلاه ودور الكيان الصهيوني وحلفائه في الوطن العربي وفي المحيط الإقليمي بل وفي العالم في خلق هذه الجملة من الصعوبات والانتكاسات. 

إن تبشير وترويج البعض ، بنهاية أو بقرب نهاية الثورة السورية ، اعتمادا على هذا السبب أو ذاك ، إنما هو  ــ برأينا ــ خروج عن جادة الصواب ، ذلك أن ثورات الربيع العربي ، التي انطلقت 2011 ، لم تكن حدثاً عابراً ولا طارئا ولا سطحياً ولا فيسبوكياً ( كما يحلو للبعض وصفه ) . لقد مثلت هذه الثورات الرد الوطني والقومي والإسلامي والإنساني على ما يناهز دزينة من عقود الاستبداد والفساد، والاستعمار والاستغلال ، ومن تغييب الديموقراطية ، ومن المنع المتعمد من التنمية والتطورالحر ، ومن الطبيعي إذن ألّا يكون طريق هذه الثورات مفروشاً بالورود ، بل ان الصعوبات والاشكالات والنكسات هي مايمكن أن تنتظره  هذه الثورات في مسيرتها  نحو الحرية والديموقراطية والكرامة التي ( المسيرة ) يمكن أن تطول ، ولكنها لابد وأن تنتصر في نهاية المطاف ، ذلك أن الشعب هو الحق والديكتاتورية هي الباطل ، " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا "  ( الإسراء 81 ) .      

 لقد كسر ثوار الربيع العربي بدمائهم وبعزيمتهم حاجز الخوف الذي ضربته الأنظمة الدكتاتورية العميلة من حولهم عشرات السنين ، بل إن الأمر في الحالة السورية - وبعد وصول أعداد الشهداء والجرحى والمصابين والمعتقلين والمهجرين إلى أكثر من عشرة ملايين من أبناء الشعب السوري - قد أدى إلى اتساع الخرق على الراقع ، وما عاد بإمكان أية قوة في الأرض إعادة عجلة الثورة إلى الوراء ، أو الحيلولة دون انتصارها وتحقيق شعارها الأبرز " الشعب يريد إسقاط النظام " . إن سقوط أوراق الأشجار في فصل الخريف ، لا يلغي ولا ينهي - ياأيها المتشائمون - فصل الربيع ،  ولا يمنع من عودة الأوراق ثانية إلى أحضان أمها الشجرة مع عودة هذا الفصل ، فالشجرة ومن ورائها وأمامها الغابة ، لا يميتها ولا ينهيها تساقط الأوراق طالما أن جذورها ضاربة في أعماق الأرض ، وطالما أنها ، ولهذا السبب ، ظلت قادرة على أن تعيد وتعيد ثم تعيد فصل الربيع وتعود هي معه من جديد.

إن جحافل بوتين المعسكرة في قاعدة طرطوس وما حولها ، وإن طائراته  المتطورة التي بدأت في الأسبوع المنصرم باستهداف مواقع الجيش الحر ، وإن إعلامه الكاذب

وتهديده الثورة السورية وكل خصوم بشارالأسد ، بحرب مقدسة ( !! )لاتبقي ولاتذر  إن هم لم يتوقفوا عن " الثورة " ، ولم يعطوا القوس باريها ، والذي هو بشاربن حافظ الأسد . لق ذكرني تهديد بوتين  للثورة السورية  بقول  جرير في الفرزدق

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً      إبشر بطول سلامة يامربع .

الثورة باقية ومستمرة ومنتصرة ( إنشاء الله ) يابوتن ويابشار وياخامنئي وياحسن نصر الله ، وإن موعد شعبنا  السوري معكم غداً ، وإن غداً لناظره قريب . 

وسوم: 636