آداب المناسبات

يمتاز كل مجتمع بمناسبات وطنية ودينية وشخصية، يعبّر عنها بما تعلّمه عبر الزمن، وعايش ممارسات ممن كان قبله. ولا تخلو ممارسة عبر العالم أجمع من حسنات وسيّئات، التي تزول عبر الزمن وتظهر عادات أخرى.

لم تعد هناك عادات مغلقة لايطّلع عليها إلا أهلها، بل أصبحت مفتوحة للعالم أجمع عبر وسائل الإعلام وتعدد الفضائيات. فالمرء يتابع عبر المباشر تفاصيل المناسبات الوطنية والدينية لأي مجتمع وفي نفس اللحظة، وربما بنفس الحماس الذي يعيشه صاحبها فوق الميدان.

وبما أن ممارسة العادات لا تخلو من حسنات ولا سيئات، فكذلك يظل نقدها من حيث نثر الحسنات وكشف السلبيات قائما، على أن يكون النقد نابع من حب الخير والسعي له، وإصلاح مما لا يليق بالمناسبة.

والمطلوب أن تحترم عادات المجتمعات، حتّى يحترم المجتمع الآخر مناسباتك والتي يرى فيها من السلبيات مالا يراها صاحبها.

وللحد من المظاهر المشينة، فإن  التعاون مطلوب داخلي وخارجي، لمعالجة المظاهر السيّئة التي إجتاحت مناسباتنا الوطنية والشخصية والدينية. فالمرء المنغمس في عاداته لايرى منها مايراه الخارج عنها الذي يراقبها بهدوء وروية. وصاحب المناسبة أدرى من غيره بمقاصد المناسبة وجوهرها، والذي لايظهر للبعيد عنها.

من أسوء مايتعرّض له المتتبع وهو يبدي رأيه بشأن المناسبات بصدق وإخلاص، التهم التي تلاحقه والشتائم التي يتعرّض لها، بحجة أنه تدخل فيما لايعنيه، وأنه أساء الأدب مع أصحاب المناسبة وأهل البلد، وأنه لايفقه شيئا.

إني كجزائري أنتقد باستمرار، كيفية ممارسة المناسبات الشخصية والوطنية والدينية في الجزائر، وأعلن ذلك عبر مقالات ومنشورات وتعاليق عبر صفحتي، ولم أستثني يوما أحدا من النقد ولا مناسبة، ولا القائمين عليها ولا المدافعين عنها أو المحاربين لها. وأخذنا عهدا على أنفسنا أن نظهر الحسنات وننتقد حين يتطلب المقام ذلك، غير مبالين بعاشق أو حاقد، ومراعين في نفس الوقت شعور كل منهما.

أصبحت المناسبات اليوم، ذات صبغة عالمية أكثر مما هي محلية وطنية، فليفتح النقاش حول المناسبات بين المجتمعات، ولا يحتكر لأصحاب البلد وحدهم دون غيرهم، ولا يمنع من يقدّم ملاحظاته حول مناسبة لمجتمع آخر، أو يتّهم بمحاباة مجتمع آخر أو بالعداوة والبغضاء والجهل وسوء التقدير.

وصاحب الأسطر يتعمّد في هذا المقام، عدم التطرق لمناسبات بعينها أو مجتمعات بالإسم، لأنه يعلم جيدا، أن مجرد ذكر المناسبة سيعرّضه لما لم يكن يقصده ويرمي إليه.

القهر الذي تعيشه المجتمعات العربية والإسلامية، هو الذي دفع بالأفراد إلى التعصب للمناسبات مهما كانت طبيعتها وأهدافها، ويرفضون بشدة تقبّل الرأي الآخر ولو كان صادقا ونصوحا، ويرمي إلى التقليل من حدّة المصائب التي تعتري المناسبات.

وسوم: 639