الإرهاب .. استراتيجية لقمع الشعوب

عبد السلام السلامة

أصدقاء الشعب السوري مختلفون مع أصدقاء بشار الأسد، على أولوية الأهداف التي يجب عليهم أن يعملوا على تحقيقها: تحقيق الحل السياسي الذي يضمن عدم استمرار بشار الأسد على راس السلطة في سوريا، أم القضاء على (داعش) والمنظمات الإرهابية في سوريا والمنطقة !

بعيداً عن الحديث في مصداقية مفهوم (الصداقة) عند من سمّوا أنفسهم أصدقاء الشعب السوري، أو أصدقاء نظام بشار الأسد، وتطابقه مع الواقع ، فهذا كثُر فيه الحديث، إلاّ أن واقع الاختلاف العالمي حول الأولوية في جهود حل المسألة السورية أصبح بحاجة إلى شيء من التوضيح:

أولاً: قبل خمس وعشرين سنة، أجريت انتخابات تشريعية في الجزائر، وسقط مرشّحو الحزب الحاكم، حزب جبهة التحرير الوطني، وفاز مرشحو ا الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الذين اختارهم الناخب الجزائري لما أتيح له أن يختار ممثليه بحرّية. إلاّ أنه بعد الانتخابات تدخل الجيش لاعتقال ممثّلي الشعب، وتثبيت حكم جبهة التحرير، وكانت الذريعة هي قيام أعمال إرهابية ضد رجالات من الأمن والجيش في البداية ثم ضد شخصيات وطنية ودينية ثم جرائم وحشية استهدفت قرى كاملة وأحياء كاملة في المدن سكانها من أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ.  لقد تبيّن بعد استتباب الأمن وانتهاء الأعمال الإجرامية أن خالد نزار ، وزير الدفاع الجزائري آنذاك هو الذي كان وراء تشكيل هذه المجموعات الإرهابية لأجل تدمير الجبهة الإسلامية. كان يدير الحرب على الأعمال الإرهابية من مكتبه في النهار، فيما كان يصدر أوامره لتنفيذ الأعمال الإرهابية من بيته في الليل. لفد نجحت خطة خالد نزار في إفشال التغيير السياسي في الجزائر باستخدام استراتيجية المقاتلة بـ (المجموعات القذرة) من المجرمين الذين ألبسهم لحى تبيّن أنه تم استيرادها من فرنسا خصيّصاً لهذه الغاية. ولم يُكشُف حتى الآن إن كانت اشتريت بأموال الشعب الجزائري، أم تبرّعت بها الحكومة الجزائرية التي أعلنت آنذاك رعبها من وصول الإسلاميين إلى الحكم في الجزائر !

ثانياً: بعد أن دخل الجنود الأمريكان بغداد، بحجة إسقاط الدكتاتور صدام حسين، فنهبوها، وأنهبوا الباقي لمجموعات من اللصوص ونزلاء السجون السابقين، قامت ضدهم مقاومة وطنية تركّزت في المناطق السنّية في بغداد وفي المحافظات العراقية السنيّة. بعد أن أقلقت هذه المقاومة المحتلّ الأمريكي، وبدأت صور التوابيت تنتشر في وسائل الإعلام، وبعد أن فشل سجن (أبو غريب) بكل وحشية الإجرام الذي كان المعتقلون يعُذَّبون فيه، بعد أن فشل كلّ هذا ، بدأت استراتيجية الصراع الطائفي بين السنّة المقاوِمين للاحتلال ، وبين الشيعة الخاضعين لإرادة الملالي الإيرانيين. وبعد أن فشلت هذه الاستراتيجية أيضاً في حَرف أنظار المقاومة العراقية عن الوجود الأمريكي في العراق، عندها جاءت (الدولة الإسلامية في العراق) لتكسر ظهر هذه المقاومة عمليّا، مع رفع شعارات إقامة شرع الله في العراق !. لقد حقّق الأمريكيون مبتغاهم. وانتهى الحديث عن شيء اسمه جريمة الاحتلال الأمريكي للعراق.

ثالثاً: بعد أن دخلت القوات الأمريكية الصومال في عام 1992 بحجة (إطعام أهلها ثم الخروج منها) ، كما أعلن جورج بوش الأب، الرئيس الأمريكي آنذاك . بعد ذلك الدخول وظهور المقاومة الوطنية التي أظهرت القنوات التلفزيونية كيف قامت مجموعات منها بسحل الجنود الأمريكيين الذين كانت تأسرهم أو تقتلهم، عند ذلك لم يكن من مفرّ أمام الأمريكيين سوى الانسحاب من الصومال ، ولكن لم يلبث الأمر طويلاً حتى ظهرت المنظمات الإرهابية  التي وصلت من القوّة إلى حد الاستيلاء على بواخر تجارية ضخمة ، بل وبوارج عسكرية أمريكية وغير أمريكية بزوارق صيد السمك، الأمر الذي أعطى المبرر الدولي لإنقاذ العالم من هؤلاء القراصنة الإرهابيين.. وهكذا عادت الصومال لتقدّم مراسم الاحترام والتبجيل للعم سام!

قائمة التوظيف القذر للمجموعات القذرة من أجل إخماد نداءات الحرّية حول العالم طويلة طويلة. وما يجري في سوريا اليوم ليس سوى إضافات تكتيكية نوعيّة لتحقيق نجاح هذه الاستراتيجية. لقد نجحت داعش في إعاقة المقاومة السورية، ولكنّها فشلت في تحطيمها،  لان الثّوار في سوريا باتوا يدركون بعد أربع سنوات من المقاومة أنهم لا يقاتلون ضد بشار الأسد وضد داعش في وقت واحد وحسب،  وإنما هم يقاتلون من يريد تدمير سوريا بمخلبين قذرين هما بشار الأسد وداعش. أصدقاء الشعب السوري وأصدقاء بشّار الأسد في حيرة حقيقية، هي أن استراتيجية المنظمة الإرهابية أصبحت واضحة جليّة ، وليست لديهم حتى الآن استراتيجية بديلة لها.

وسوم: 640