اليوم هو الثالث عشر من تشرين الثاني : ذكرى انقلاب حركة التفحيح

ـ صحيح أن بيان " حركة التصحيح" صدر في السادس عشر، لكن الانقلاب تمّ كاملاً في الثالث عشر منه.. حين انقضّ الأسد وتكتله العسكري على قرارات المؤتمر القومي الاستثنائي وداسها أرضاً، واعتقل جزءاً هاماً من القيادة السياسية.. مدشّناً بذلك عهداً جديداً في تاريخ سورية والوطن العربي والمنطقة ..نحصد نتائجه الوخيمة الآن بتدمير البلد، وقتل وإبادة السكان .

*******

قيل وسيقال الكثير في خلفيات ذلك الانقلاب، وما فعله بالبلاد والعباد، وكتبت الكثير في تركيبة الانقلاب وأهدافه، وشخصية الطاغية وخبثه، وجوهر أفكاره وسياساته.. ومع هذه الذكرى التي تعيش فيها سورية مأساتها الشاملة، نتاجاً رئيساً لذلك الانقلاب وتداعياته، يجدر التذكير بأهم الأعمدة والأفعال والنتائج..

1 ـ يحلو للكثيرين الربط بين نظام الأسد وبين البعث.. بكل التلاوين، والفترات، وسحب ما يجري وكأنه فترة واحدة لا تختلف، وتحميل البعث مسؤولية الخراب، والطائفية، والمصائب التي حلّت بنا، وهذا ظلم يجافي الحقيقة والموضوعية .

     بغض النظر عن كل السلبيات والأخطاء . عن ترسيخ النظام الأحادي الشمولي، ومصادرة الحريات الفردية والعامة، ونفي الآخر السياسي، وكثير مما يمكن أن يُحكى الآن عن فلسفة حرق المراحل، ومركزية الدولة، والقرار، والحزب الواحد.. إلا أن تلك الفترات التي سبقت انقلاب الأسد اتسمت بالوطنية، وبنظافة خلفيات ويد قياداتها، وبنيتهم الصادقة في بناء قاعدة مادية صناعية واقتصادية قوية تكون أساس استقلال القرار السياسي، وفي رفض الاعتراف بإسرائيل، والقرار المفروض بعد الهزمية/242/، أو باللوثة الطائفية، وشرخ الوحدة الوطنية، وبالقيادة الجماعية ورفض عبادة الأشخاص وتقديسهم .

ويجب التذكير أن البعث ـ بمفهوم حركة وطنية ـ كان الضحية الأولى لنظام الطاغية، وأن العديد من قياداته، وإطاراته دفعت أغلى الأثمان : حياتها، ومعظم عمرها : استشهاداً، أو في السجون والمنافي والعمل السري .

2 ـ حمل الانقلاب في جوهره صفات قائده :

ـ  نسف مفهوم وواقع القيادة الجماعية وابتداع مقولة القائد. والقائد الخالد، والأبدي.. بكل الصلاحيات المطلقة .

ـ تحويل البلد إلى مملكة خاصة، والخلط المريع، والمقصود بين الحكم والنظام، والنظام والدولة، واختصار ذلك بشخص القائد، ونسف أسس الدولة واستقلالية بناها ومؤسساتها عن الحاكم .

ـ إشادة نظام يقوم على ركيزتين متناغمتين : المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن، وتصفية وغربلة الجيش من الوطنيين المعارضين، وتنصيب المؤيدين، والتابعين في مواقع مفصلية، وتموضع وتركيز البنية الطائفية في الجيش وأجهزة الأمن، ثم في عموم الميادين، وأثرها القوي على النسيج الاجتماعي

ـ انتهاج سياسة الإخضاع والترويع والترهيب، وشراء الولاءات..على قاعدة إعدام الحياة السياسية وملاحقة المعارضين بكل الوسائل : تصفيات، واعتقالات، واختطاف، وحصار، وتجويع .

ـ وعبر القبض على البلد، وإمساك الأجهزة الأمنية الكثيرة بمصائر البشر.. برزت سياسة المقايضة جزءاً صميماً من نهج متكامل، والتي تعني القابليثة على البيع والشراء في جميع القضايا الوطنية والقومية، ومسك الأوراق، والتلاعب بها على طاولات الصفقات المريبة، او تحتها، ونخصّ هنا القضية الفلسطينية وما اصابها من ضرر نتيجة سياسات ذلك النظام، والعراق، وعموم القضايا العربية ، وكل ذلك تحت رايات الشعارات القومية والوطنية، والعمل على تفريغها وقتلها .

3 ـ ولعل من أهم مواصفات الطاغية ذلك الحقد الدفين ضد الآخر : الشعب والمعارضة، والحرص المعمّد بكل أنواع القمع على تحويل المواطن إلى تابع خانع..ومنافق، وانتهازي . واللعب الخبيث بالنية الاجتماعية واختراقها في مجالات كثيرة عبر جيوش المخبرين، وتخريب النفوس، وضرب الأخلاق والقيم التي اشتهر بها شعبنا .

4 ـ ولعل ثالثة الأثافي الكاشف عن جوهر عقلية الطاغية المنافية لأبسط مقولات البعث ومبادئه، واركان الجمهورية : الحرص على فرض التوريث حقيقة ممتدة على سنوات حكمه.. وصولاً إلى تكريسها ظاهرة شاذة، وخطيرة.. للمجيء بالوريث المشبع بالحقد، والضعف، والعقد، وبالاستعلاء، وروح الثأر والانتقام، والاستهانة بالحياة، وبالوطن خدمة للبقاء، وتزييفاً للحقائق، والوطنية .

                                                  ***

اكيد أن كيل بلادنا طافح بالممارسات الفاقعة عن طبيعة ذلك النظام الإجرامي، الإرهابي الذي أسسه الطاغية الأكبر، وواصله ـ بطريقة كاريكاتورية، بذيئة ـ  وريثه.. والذي قاد البلاد إلى هذا الواقع الخطير، لتصبح المأساة السورية المأساة الأكبر في تاريخ البشرية بعد الحرب العالمية الثانية، وقد كشف عن جوهره الطائفي الحاقد، وعن توجهاته لبيع البلاد للمحتلين الأجانب، واستعداده ليكون بيدقاً صغيراً في مشروع إيراني خطير يقسم البلدان العربية على أسس مذهبية، وينسف أسس الوحدات الوطنية، وبما يوفر عوامل الحروب العمودية الأهلية طويلة الأمد..

ـ الحقيقة الثابتة : أن هذا النظام العاهة الذي أرسى أسسه الطاغية الأكبر هو مرض خبيث يتجاوز أثره بلدنا على عموم الوطن العربي، وبما يؤكد حقيقة اشتلاعه وآثاره : اساساً للتحرر والحرية وبناء وطن لجميع أبنائه.. وطن الحريات الديمقراطية والعدل والكرامة والإنتاج والإبداع ..

وسوم: 642