كلمة موجهة إلى المهتمين بالشأن السوري

أ.د. عبد العزيز الحاج مصطفى

في أعقاب مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد  في الرياض مؤخرا

     اليوم، و كما هو الحال في أعقاب المؤتمرات الدولية، التي كانت تعقد من أجل مناقشة القضية السورية، نشطت الأقلام، و كثرت التحليلات و غطت الأخبار الصحف اليومية –  الورقية و الالكترونية-حتى بدا و كأن المسألة السورية هي القضية الني تشغل المجتمع الدولي و أن تلك المؤتمرات التي كان آخرها مؤتمر الرياض قد تكون على درجة من الأهمية، و قد تؤدي فعلا إلى خلاص مرتقب للشعب السوري المبتلى بحاكمه.

   و الذي يستعرض المؤتمرات التي عقدت من أجل القضية السورية سابقا أو لاحقا يلاحظ أنها تتسم بسمات ثلاث هي على التسلسل:

     السمة الأولى: حماس كبير، يتبعه حجم أكبر من التصريحات و الإعداد المسبق، يكاد يشعر المواطن السوري من خلاله بقرب الخلاص من أزمته الراهنة.

     السمة الثانية: فعاليات كبيرة يتبعها لقاءات و ندوات و تصريحات  تجعل  المواطن السوري يستهلها و يباركها كونها تشكل بالنسبة له نافذة  خلاص من معاناته الطويلة و الممتدة لأكثر من نصف قرن و هي الفترة  التي حكم خلالها أسد الأب و الابن الدولة السورية.

     السمة الثالثة: الشعور بالخيبة و الانكفاء على الذات بعد العواقب غير المرضية لما يجري في سرٍ أو علن، و كله يحوك ضد المصلحة السورية التي بدت كفريسة بين مجموعة من المتوحشين.

   و نرمز بالمتوحشين إلى مجموعة  من أرباب المصالح المتشابكة و المتداخلة، وقد بدوا حريصين جدا على  وجودهم العسكري في المنطقة، و على دعمهم اللامحدود للقوى التي يعتقدون أنها  قد تكون رديفة أو مساعدة على الحفاظ على مصالحهم. و الضربات الروسية في سورية اليوم تعبر و بدقة عما نذهب إليه من تحليل.

   ففي أعقاب مؤتمر المعارضة السورية الذي عد  مسبقا  من قبل بعض الكتاب بداية النهاية للمشكلة السورية تطفو على السطح و بسرعة صورة العصي التي توضع في عجلات  ذلك المؤتمر و  صورة الأنياب الزرقاء التي تقطر حقدا و تآمرا على الشعب السوري بعامة. يتقدمها الصلف الروسي المزهو بآلته العسكرية و الذي يريد صراحة الشطب على فعاليات مؤتمر المعارضة من خلال طلبين رئيسين:

    الأول: يرفض الحديث عن حكومة انتقالية يقرر فيها الشعب السوري رغباته و طموحاته التي ثار من أجلها. و هي رغبات و طموحات تتمحور حول الحرية  و الديمقراطية و مكافحة الفساد و الحياة الكريمة في ظل حكومة عادلة.

    و الثاني يبقي العصا الغليظة التي تتمثل بالجيش و القوات المسلحة و منها الأمن في قبضة النظام ، و هي القبضة التي كانت ولاتزال ملطخة بالدماء منذ وجد ذلك النظام و إلى الآن. و ما قتل أكثر من أربعين ألفا في حماة وحدها سنة 1982 منه ببعيد.

   و الصلف الروسي لو توقف عن حدود دوره العسكري في سورية لكانت المسألة سهلة. فالشعب السوري وحده كفيل بأن يلوي ذراعه، و أن يخرجه من سورية صاغرا. لكن المسألة  تذهب إلى ما هو أبعد  من ذلك، إلى دبلسة التآمر و فبركته و إعداده و إخراجه بالطريقة التي يرونها أكثر فائدة لمخططاتهم الملتوية و غير الواضحة.

   فمؤتمر أصدقاء سورية يجتمع في باريس و ينفض،  و كيري بعد ذلك مع لافروف في موسكو، و لقاء نيويورك الجمعة المقبلة و كل ذلك ليس أكثر من حلقة من حلقات التآمر ضد سورية و شعبها وثورتها المقدسة بشكل خاص، بل و الوجود العربي بشكل عام.

   إن الحلف الروسي الإيراني لم يعد كما كان سابقا يعمل في خفاء بل في علن، و قد أصبحت تصرفاته كلها واضحة و مفهومة سواء أكان  ذلك  على الساحة  السورية، و هو يلقي حممه على المدنيين و الأطفال من الشعب السوري ، أم في أروقة التآمر و المؤتمرات. وقد دلت خائنة الأعين  على ما في تلك الأعين من خيانات، و الطروحات  و التصريحات و هي معلنة تؤكد ذلك، و تدل عليه.

   و الذي  يوضع على المحك اليوم (الصديق الأمريكي) الذي يزعم أن صداقته مع العرب استراتيجية، و أنه لايزال يساوم على السلام من منطق القوة،  و أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلنه الرئيس ولسن في أعقاب الحرب العالمية الثانية لازال حيا نابضا  بالحياة، و أن مصالحه في المنطقة العربية عزيزة  و غالية عليه و لا تقبل المقايضة مع أية مصالح أخرى في أية منطقة كانت من العالم، وبدون استثناء.

  فعلى ( الصديق الأمريكي) أن يفهم اليوم أن المطامع الإيرانية ذات الصبغة التوسعية و المذهبية تشكل خطرا على العرب و الغرب معا، و على السلام الدولي الذي يعد اليوم مهددا أكثر من أي وقت مضى، ليس من قبل الشعب السوري ا المتهم ظلما  و عدوانا بالإرهاب، و إنما من قبل الدول الحاضنة للإرهاب و الراعية له، و المهيئة لأسبابه  و بواعثه. و لا نظن أن السيد أوباما أو السيد كيري يحتاجان إلى التعريف بالدول الحاضنة  للإرهاب، أو بالإرهابيين حقيقة، و قد لُقِّنوا ذلك و حفظوه حتى قبل أن يولد الإرهابيون.

_______________

أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى                     

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 647