حصاد العدوان المر

قبل ثلاث عشرة سنة سقط أول صاروخ أمريكي على بغداد ليؤذن ببداية عدوان واسع النطاق على العراق تضافرت فيه خناجر الغدر من دول غربية كبرى بقيادة الولايات المتحدة وتابِعَتِها المملكة المتحدة وسط غياب دولي مؤثر لأية قوة معارضة في العالم للغة العدوان، ووجد العدوان له أرضية إقليمية مناسبة من الرضا بدور مباشر أو بالصمت كان بعضها للأسف كان عربيا قدم الأرض وآخر قدم القواعد الجوية وثالث قدم الأموال أو حق استخدام الأجواء أو المياه الإقليمية مع الموانئ، والأسوأ منه أن بعض المولودين في العراق ممن تخلوا عن جنسيتهم بعد أن تخلوا عن أي ولاء للعراق، كانوا من بين أكثر المتحمسين لهذا العدوان والحاضين عليه والذي انتهى باحتلال بغداد في التاسع من نيسان 2003، وطالب أكثرهم صفاقة وهو معمم باعتبار يوم الاحتلال عيدا وطنيا للعراق، وبدأت كرة العراق تتدحرج نحو الهاوية بسرعة قياسية، لأن ذلك كان هو الهدف الرئيس للعدوان الذي بدأ في كانون الثاني 1991 وتواصل عبر الحصار الظالم الذي فرضه مجلس الأمن الدولي بموجب قرارات في زمن تفرد الولايات المتحدة بالتحكم بالملفات الدولية من دون وجود إرادة سياسية لدى أي طرف آخر يمكن أن يلجم الثور الأمريكي الهائج وخاصة بعد جرح 11 أيلول 2001، كما أن مسلسل القرارات الجائرة والتي تم فرضها على المنظمة العالمية خلت من أية لمسة إنسانية، وهذا ما يمكن اعتباره أكثر الصفحات سوادا في تاريخ الأمم المتحدة من يوم تأسيسها حتى وقوع الكارثة العربية الكبرى أي يوم احتلال بغداد.

العدوان الذي استند على أكاذيب اخترعتها أجهزة استخبارات عدة دول أوربية مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يؤكد أن الأحاديث التي صدرت وما تزال تصدر عن كبار المسؤولين السابقين في الحكومتين الأمريكية والبريطانية بما فيهم جورج بوش وتوني بلير عن استناد الحرب إلى معلومات استخبارية خاطئة، هو محاولة لتضليل الرأي العام العالمي ولغسل الأيدي من الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالولايات المتحدة وبريطانيا وبقية دول العدوان، وما لحق بالعراق من دمار شامل وقتل أعمى وما حصل من تداعيات دراماتيكية على أوضاع المنطقة الأمنية بعد خروج العراق من معادلة الأمن القومي العربي والإقليمي، والإخفاق التام في أي من الأهداف المعلنة لتسويغ العدوان وخاصة شعار تصدير الديمقراطية وإقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.

إن الأزمة التي يعيشها العراق منذ ثلاث عشرة سنة هي نتاج الاحتلال وتسليم الحكم في العراق لطبقة فاسدة جاء بها بول بريمر "من الشارع" كما قال بنفسه، بقيادات جاهلة وغبية تنسب نفسها إلى الإسلام السياسي مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، أو الحركات التي تم إنجابها عبر زواج غير شرعي بين الشيطان الأكبر ودولة الولي الفقيه، فتناسلت بصورة انشطارية حتى بلغت أرقاما تثير تساؤلات مريرة عن هذا التباين في تفسير الإسلام وخاصة داخل المذهب الجعفري الاثني عشري الذي يعيش حالة من الصراع بين الأجنحة المسلحة للكتل السياسية التي كل منها يزعم احتكاره للدين والمذهب.

ويعد حزب الدعوة الذي وصفه أحد قادته السابقين بأنه "قبيلة فاسدة ومتخلفة" لا تصلح لقيادة نفسها، مثلا لفساد الجهات التي جاء بها المحتلون وذلك بحكم تجربة ترؤس بعض قياداته للحكومة والتي أنتجت فسادا ليس له مثيل في أي حقبة زمنية وفي بلد واحد على مر التاريخ، لأن هذه العينات الفاسدة وجدت نفسها على حين غفلة من الزمن تخرج من السراديب المعتمة لتتحول إلى متحكم بمصير العراق وثرواته.

حصاد ثلاث عشرة سنة من العدوان كان تلالا من الجماجم وأنهارا من الدماء بعضها على أيدي المحتلين ومعظمها على أيدى المليشيات الإرهابية ومن تواطأ معها من جهات إرهابية أخرى، فمتى ترتوي هذه النفوس المتعطشة للانتقام نيابة عن إيران لأسباب ليست خافية على أحد؟ ومتى تمتلئ الكروش التي عانت من ذل وجوع مزمنين من السحت من المال العام؟

لا توجد مؤشرات على أن الفاسدين يفرط بعضهم ببعض فالكل في مركب واحد وإن لم يغرق بهم جميعا فلا منجاة للعراق.

وسوم: العدد 660