أزمة القيادة و فن صناعة المحن عند الإسلاميين

كلام يحتاج إلى تأمل و تدبر

ابتليت الحركات الإسلامية بقيادات تجيد صناعة المحن والتغنى بالصمود فى السجون والمعتقلات ، وكأن قدر الإسلاميين أن يقضوا حياتهم إما معتقلين فى السجون أو مشردين فى المنافى ، بينما قدر الفاسدين وشذاذ الآفاق أن يتولوا السلطة ويقودوا الأمم ، وهذا فساد فى الفقه و الفهم ، وسوء فى التقدير وا لإدراك ، لأن الله خلق الإنسان ليعلى راية الحق ويمكن لدين الله فى الأرض ، لا ليقضى حياته سجينا أو مشردا بفعل أخطائه ، ونتاج خطاياه ، وعجز قيادته ، فالمحن والإبتلاءات ليست قدرا محتوما ولا بلاء لازما ، ولكنها فى جانب كبير منها نتاج للأخطاء والخطايا التى وقع فيها الإسلاميون وقيادتهم بشكل خاص ، ومن أسبابها توسد المسؤلية أصحاب الأهواء والمطامع أو ذوى العجز والضعف فى الفكر والفهم والقدرة للقيادة ، فقادوا الحركات الإسلامية وأبنائها المخلصين بعجزهم وضعفهم وأهوائهم وعدم إنصاتهم إلى نصح الناصحين واستفادتهم من خبرة السابقين إلى المنافى والسجون بدلا من سيادة الدنيا وقيادة الأمم ، وبناء المجتمعات ، ثم يقومون بعد ذلك بالتغنى بفقه المحن وترويج ثقافة الإبتلاءات ،لأنهم عاجزون عن صناعة فقه النصر والتمكين ، فالإخلاص والصلاح والزهد والعبادة صفات تخص أصحابها و لا تكفى لتولى القيادة وتوسد الأمور .

ولهذا ابتليت الحركات الإسلامية بقيادات قد تكون مخلصة ولكنها عاجزة ، تعيش فى صناديق الجماعة ولا تمتد أبصارها أبعد من التنظيم ، لا تحمل أى صفة من صفات القادة ، أو ملامح الزعماء ، ولا تعرف أن مصلحة الإنسان وهداية البشرية مقدمة على مصلحة الجماعة وحدود التنظيم ، قيادات لا تجتهد فى فهم الدنيا ومعرفة الناس وفى نفس الوقت تتشبث بمواقعها فى القيادة رغم عجزها وأخطائها وخطاياها أكثر من تشبث الحكام الفاسدين بمواقعهم فيصبحون بلاء على حركاتهم وعائقا أمام نصر الله وتمكينه لأمتهم ، فعلى مدار التاريخ تنهض الأمم والجماعات والدول بقياداتها الملهمة وتنتكس بقياداتها الفاشلة المتكلسة ، ومشكلة الحركات الإسلامية هو غياب تلك القيادة الملهمة التى تعرف كيف تنهض بهذا الجسد الكبير ، وتقود هذه الكفاءات المتميزة فى صفوفها .

إذا لم تراجع الحركات الإسلامية الأفكار الخاطئة التى تزرعها فى عقول أبنائها وعلى رأسها الترويج لفقه المحنة والإبتلاء على حساب فقه النصر وأسباب التمكين لدين الله الذى هو غاية المسلم وهدفه فى الحياة ، فإن الأمة لن تقوم لها قائمة ، ولن يرجى من وراء هذه الحركات نصر أو تمكين ، فالله لا يمكن إلا لمن يأخذ بالأسباب حتى لو كان كافرا، والحق دون قوة تحميه والدين دون رجال يحققون وجوده فى الحياة يظل مجرد حكم ومواعظ لا تغير من واقع الناس شيئا ، فلتكن هذه المحنة التى تعيشها الحركة الإسلامية الآن محنة المحاسبة والمواجهة ، والشفافية والتصحيح والتصويب فى المناهج والوسائل واللوائح والتفكير، ولينصرف هؤلاء الذين صنعوا تلك المحنة يطلبوا العفو من ربهم على ما سببوه لوطنهم وأمتهم و دعوتهم ودينهم وإخوانهم من نكسة ومحنة و بلاء لعل الله يغفر لهم ، وليتركوا لغيرهم قيادة السفينة التى أغرقوها لعل الله يجعل للقيادة الجديدة من أمرها رشدا ويرزقها البصر والبصيرة ، ولا يتصدر لأى عمل بعد ذلك إلا من هو أهل له قدرة ووعيا ودراية وخبرة وعلما ، وليسع الجميع لتأصيل وصناعة فقه النصر والتمكين فالذى يصبر على محنة يصبر لنفسه أما الذى يصنع نصرا إنما يصنعه لأمته وسنة الله فى الكون أنه ينصر من ينصره ونصر الله بحاجة إلى رجال يحملون صفات القوة والعزيمة والرؤية والفكر والقيادة التى تزيل عوج الصفوف وتخاذل الضعفاء وفلسفة المنهزمين ” ولينصرن الله من ينصره ” .

وسوم: العدد 664