يموت اللاجئ قهرا

أدركت مؤخرا كيف يموت اللاجئ ألف مرّة في اليوم خارج حدود وطنه، البيوت هنا لا تتنكر لأصحابها الأصليين، فالطابع العربي لم يتغير مطلقا، بل بقي على حاله، فلو وضعت سائحا صينيا هنا لن تخفى عليه الملامح العربية الجميلة، هذه البيوت بقيت صامتة مستسلمة للأمر الواقع، أنصت لصوت الطبيعة هناك، فالارض تعرفك من لغتك وملامحك الشرقية، ومن تتالي الخيبات التي لحقت بك حتى باتت واضحة على محيّاك .

 الأشجار تقتل الصمت وتوقظ النحيب، وهذه الشبابيك المغلقة تعزل نفسها كي لا تشاركها الحنين، الأطفال في هذا الحي لا يشبهون قاسم الذي سكنه قبل أكثر من ستين عاما، لا أحد منهم كقاسم الذي يفهم لغة الأرض حين تشرق شمس الصباح؛ ليخرج اليها بشوق العاشق ويشارك أطفال الحي لعبة الاختباء، فلطالما اختبأ خلف أسوار الحيّ وأحجاره وبيوته القديمة، أما أطفالهم فلا يستجيبون للغة الأرض اطلاقا، فقوانين التربية تحظر عفوية الطفولة، والأرض تأبى أن تترجم لهم بلغتهم نداءاتها، ولو أنصتّ جيدًا لصوتها؛ لسمعت حكايات كثيرة عن أبناء الحي الأصليين هنا، وقاسم الذي كان يعود قبل مغيب الشّمس ملطخا ثيابه بالتراب وآثار كدمات تملأ جسده الصغير، لم يعد يستطيع أن يختبئ خلف أسوار الحيّ مجددا، وبقي يجلس في المخيم منتظرا عودته، يضع يده على قلبه الذي خبأ موطنه داخله، منذ ذلك الوقت ..ونتساءل كيف يموت اللاجئ؟ اللاجئ لا يموت إلا قهرا .

عن حيّ الخرّوبة في القدس أحدثكم

وسوم: العدد 669