الإرهاب بين القانون والسياسة

ربما لم يتعرض مصطلح سياسي وقانوني إلى خلط مقصود وتفسيرات متعارضة كما تعرض مصطلح "الإرهاب" ولم يكن ذلك عن عجز أو ضعف لدى من يتصدى لتفسير الظواهر السياسية الحاصلة في العالم، وإنما لأن من يريد أدارة شؤون العالم كما يرغب تعمد جعل الإرهاب مصطلحا ينطبق على أفعال أنس أو مجموعات سكانية أو قومية أو دينية، ويحجب عن الأفعال ذاتها إذا صدرت عن مجموعات قومية ودينية أخرى، فالإرهاب وصف جنائي يراد اقتصار تطبيقاته على أفعال وحجبها عن أفعال مماثلة له من حيث الدوافع والنتائج.

الولايات المتحدة تجيز لنفسها التنسيق والتعاون وتقديم كل أشكال الدعم لقوى إرهابية لا تقل سوءً عن "داعش" والأمثلة على هذا التعاون كثيرة ويمكن إجمالها بما يلي:

1 – دعم الحركة الكردية السورية المسلحة والمرتبطة بحزب العمال الكردي التركي وهو حركة إرهابية.

2 – التعاون والتنسيق الكامل مع المليشيات الشيعية العاملة في الساحة العراقية وهي مليشيات تعمل مع قوى تسميها واشنطن بالإرهابية مثل حزب الله اللبناني، أو بإمرة أشخاص سبق للولايات المتحدة أن صنفتهم كإرهابيين، مثل جمال جعفر "أبو مهدي المهندس" وكل هذه المليشيات تعمل تحت إدارة فيلق القدس وهو ذراع النشاط الخارجي للحرس الثوري الإيراني والذي يتولى قيادته الجنرال قاسم سليماني.

3 – السكوت على وصول متطوعين من أصول كردية من دول اسكندنافيا للقتال إلى جانب الحركة الكردية في سوريا لا يختلف بأي قدر من المقادير عن وصول آخرين من أوربا للقتال إلى جانب داعش، فكيف يمكن أن نفهم التمييز بين الأمرين؟ إذا القصد هو إدانة القتل، فكلا الصنفين من المتطوعين سيمارسون القتل! وربما ضحاياهم من المدنيين أكثر من حملة السلاح، فهل هناك قتل جائز شرعا وقانونا وآخر محرم شرعا ومعاقب عليه قانونا؟ 

لقد كنا على قناعة تامة بأن الاستراتيجية الأمريكية تريد توجيه ضربة للمكون العربي السني حصرا عن طريق المليشيات الشيعية الإيرانية ومن عمل تحت إمرتها "حزب الله اللبناني، مليشيا الحوثي، مليشيا بدر وعصائب أهل الحق، وسرايا الخراساني، ولواء أبي الفضل العباس، وحزب الله في العراق، وعشرات من العناوين الأخرى من المليشيات والتي قال حيدر العبادي إن هناك 100 فصيل من المليشيات تعمل خارج سلطة القانون"، ولهذا سكتت الإدارات الأمريكية ومنظمات الحقوق المدنية الأمريكية والأوربية عن كل ما تعرض له المكون العربي السني من قتل وتدمير وإحراق الأحياء أو تعليقهم وتقطيع أوصالهم إمعانا بالتعذيب.

كما أن المكون السني وخاصة في تركيا التي اختطت لنفسها نهجا بعيدا عن التأثيرات الأمريكية بدأ بالاستهداف الواضح وذلك من خلال تشجيع إقامة دولة كردية على حساب تركيا والعراق ومنح هذه الدولة كل مقومات القوة والاستمرار، وإلا ما معنى قبول أمريكا أن ترتدي عناصر قواتها الخاصة ملابس الحركة الكردية السورية المسلحة في وقت تعلن فيه هذه القوات أنها ستضم الرقة السورية إلى مكونات الإقليم الكردي في سوريا طالما أن الحركة ستدفع ثمنا في "تحريرها" من داعش، ألا يدل ذلك على أن عهد الفتوحات الاستعمارية أطل برأسه من جديد، وذلك لأن تلك الفتوحات هي التي كانت ترسم حدود الدول، ثم ما هو ثقل الأكراد في الحسكة أصلا حتى يطالبوا بضم الرقة؟ هل يظن أولئك أن الزمن الأمريكي باق إلى الأبد؟ أليس فيهم ومنهم رجل رشيد؟

إن الدول العظمى تعتبر كل ما يهدد أمنها واستقرارها إرهابا ولو سفك قطرة دم واحدة، أما ما يتعرض له العرب خاصة والمسلمون السنة عامة في كل مكان فهو في رأي راسمي استراتيجيات الدول الكبرى عمل مشروع ودفاع عن النفس، أما حان الوقت أن يضع المجتمع الدولي المتمدن تعريفا حضاريا إنسانيا لمفهوم الإرهاب يأخذ بنظر الاعتبار مصالح الدول والشعوب، صغيرها وكبيرها على قدم المساواة؟ ألم تحن اللحظة التي يحترم فيها الدم العربي كما يحترم فيه الدم الأمريكي والأوربي؟

لقد هانت علينا أنفسنا منذ أن تخلينا عن واجبنا الذي رسمه الله لنا وقال في محكم كتابه العزيز " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون" فأذلنا الله لأننا أردنا العز بغير ما أمرنا الله به.

د.نزار السامرائي                                         

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 670