الثورة السورية ومستقبل البشرية 10+11

الثورة السورية ومستقبل البشرية

أبو طلحة الحولي

الحلقة العاشرة

جهاد السياسة XE "جهاد السياسة"  :

" إن الأمم الأوروبية – برغم إفلاسها في الروح والأخلاق وبرغم عيوبها الكثيرة – قوية الوعي – المدني والسياسي – قد بلغت سن الرشد في السياسة ، وأصبحت تعرف نفعها من ضررها ، وتميز بين الناصح والخادع ، وبين المخلص والمنافق ، وبين الكفء والعاجز ، فلا تولي قيادها إلا الأكفاء الأقوياء الأمناء ، ثم لا توليهم أمورها إلا على حذر ، فإذا رأت منهم عجزاً أو خيانة أو رأت أنهم مثلوا دورهم وانتهوا من أمرهم استغنت عنهم وأبدلت بهم رجالاً أقوى منهم وأعظم كفاءة وأجدر بالموقف ، ولم يمنعها من إقالتهم أو إقصائهم من الحكم ماضيهم الرائع وأعمالهم الجليلة وانتصارهم في حرب ، أو نجاحهم في قضية ، وبذلك أمنت السياسيين  المحترفين ، والقيادة الضعيفة أو الخائنة ، وخوف ذلك الزعماء ورجال الحكم وكانوا حذرين ساهرين يخافون رقابة الأمة وعقابها وبطش الرأي العام ...وليعرف الزعماء السياسيون والقادة أن الأمة التي يعوزها الوعي غير جديرة بالثقة ولا تبعث حالتها على الارتياح وإن أطرت الزعامة والزعماء وقدستهم فإنها – ما دامت ضعيفة الوعي – عرضة لكل دعاية وتهريج وسخرية كريشة في فلاة تلعب بها الريح ولا تستقر في مكان "([1]).

إن السياسة الشرعية جزء من مبادئ الإسلام الحنيف ، ولذا يجب أن تكون مواقفنا السياسية في التعامل مع المجتمع الدولي منبثقة من الإسلام ، فلا وصاية لأي دولة غربية على الثورة ، ولا مجال للسماح لأي دولة في العالم التدخل في كيفية مسار الثورة .

ولذا على الغرب أن يكف عن حماقاته في دعمه للوحش الطاغية في سوريا ، وان يكف عن التذرع بالحيادية أو التفرج ، فالصامت والداعم سواء ، وخير له أن يكف يده ولسانه عن التدخل في سوريا .

ولكن ماذا نفعل والغرب يرتكب الحماقة تلو الحماقة في تدخله ودعمه للوحش ؟

إن السياسة ليس معناها الاستسلام أو التنازل وإنما القيادة  الحكيمة التي تقود الأمة إلى ما فيه خير في الدنيا والآخرة وفي السلم والحرب .. وحيث أن الأوراق تختلط تحت أروقة السياسة لذا يجب أن تكون مضبوطة بالإسلام ، فمن أنت أيها القائد إلا إنسان مسلم تعتز بإسلامك وتحافظ على جنودك ، وتنشر قيمك وأخلاقك ومناهجك الفطرية للبشرية .

وليس معناها الخداع والمراوغة والكذب والنفاق كما يفعل الغرب في سياسته فيتجرد من كل قيمة ومبدأ مطبقا نظرية ميكيافيلي" الغاية تبرر الوسيلة " .

إن السياسة في الإسلام " سياسة العقائدية نقيض سياسة المصالح ، ويسميها البعض سياسة المبادئ وهي سلوك إنساني لا ينفصل عن الدين والأخلاق ، ومن أهم أسسها أن الغاية لا تبرر الوسيلة. ففي منهج السياسة الإسلامية نساعد الضعيف لأنه ضعيف يستحق المساعدة حتى لو عادت علينا مساعدته بأضرار محتملة ، ونقاوم الظالم لأنه ظالم مهما نواجه من المصاعب المحتملة وحسب المبدأ ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾  ( البقرة : 285 )." ([2])

وهذا ما على قادة الائتلاف الوطني والمجلس الوطني والجيش الحر والكتائب تفهمه او يتجنبوا القيادة .

وتكمن أهداف السياسة الإسلامية في المجتمع المسلم في :

·                    حفظ الدين على أصوله .      

·                    تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين .

·                    حماية البيضة والذب عن الحوزة ( وزارة الدفاع والداخلية)

·                    إقامة الحدود لتصان محارم اللـه ، وحقوق العباد عن الانتهاك .

·                    تحصين الثغور بالعدة والقوة والرجال .

·                    جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة .

·                    جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع .

·                    تقدير العطاء وما يستحق من بيت المال (التكافل الاجتماعي وبيت مال الزكاة)

ومما يلزم الإمام نشر العدالة بين الرعية ، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم والعمل لكل مواطن ، فتوفر الدولة المدارس والجامعات الكافية للمواطنين ، كما توفر فرص العمل لهم بما يناسـب إمكاناتهم ويخدم المجتمع . والعدالة في فرض الضرائب وجبايتها ، وضمان الحد الأدنى من العيش للفقراء  قال عمر رضي اللـه عنه: " إن سلمني اللـه لأدعن أرامل العراق وهن لا يحتجن إلى أحد بعدي" ([3]) ، وقد وضع عمر جميع إمكانات الدولة لحل الأزمة عام الرمادة .

 ويقول ابن تيمية رحمه اللـه : " جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة اللـه هي العليا ". ولذلك ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأحكام في جملتها وتفصيلها جاءت لتحقيق مصالح الناس ، والتي ترجع في النهاية إلى المحافظة على أحد الأمور الخمسة : الدين والنفس والعقل والعرض والمال .

أهداف السياسة الإسلامية في الأمة المسلمة:

تتكون الأمة المسلمة من عدة مجتمعات إسلامية ، ترتبط بالعقيدة لتكون الأمة المسلمة ، ولكل مجتمع أمير يتبع خليفة المسلمين ، وتهدف سياسة الخلافة وشورى الخلافة ومؤسساتها إلى:

1.    تجسيد الأخوة بين المجتمعات المسلمة ، والعمل على تقليل الفوارق بينها ، وتغذية العقيدة الإسلامية والأخوة الإسلامية تنفيذاً لقوله عز وجل ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ...﴾  (الحجرات: 10) وقوله عز وجل :﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾  (المؤمنون : 52) وقوله أيضاً :﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ... ﴾  (آل عمران:103) .

2.    إقامة التعاون بين المجتمعات المسلمة ، بحيث يتحقق التكامل الاقتصادي والعسكري والعلمي ... وسائر شؤون الحياة ، فتستغني الأمة المسلة عن غير المسلمين ولا تحتاجهم ، استجابة لأمره عز وجل : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ (المائدة :2) ، ولأمر رسوله r : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ، وشبك بين أصابعه " . ([4])

3.    الجهاد في سبيل الله والذود عن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، فالأمة المسلمة مسؤولة أمام الله عز وجل عن حماية المسلمين أيـاً كانوا ، يقول سبحانه وتعالى : ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ.. ﴾ ( الأنفال : 39)  ، والفتنة هي رد المسلم عن دينه كله أو بعضه ، بالقوة أو بالمكر والتخريب الخفي .

أهداف السياسة الإسلامية في البشرية

وللسياسة الإسلامية أهداف إنسانية تتحقق على مستوى البشرية كلها ومنها :

الدعوة إلى الله عز وجل ، وتبليغ الناس كافة رسالة الإسلام باستخدام الوسائل المكافئة لكل زمان ومكان .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول تعالى : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.. ﴾  ( آل عمران : 110 ) ، وهذه الأمة جعلها اللـه عز وجل شاهدة على الأمم قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ..﴾  (البقرة : 143). وبذلك تكون الأمة المسلمة جند اللـه في الأرض ، تأمر الناس كافة بالمعروف ، وتنهاهم عن المنكر ، كما علمها اللـه عز وجل . وعندما تقوم هذه الأمة المسلمة ؛ لا يبقى ظلم من الدول العظمى على الدول الضعيفة ، لأن الظلم منكر ، لا ترضى به الأمة المسلمة ، بل ستغيره بيدها لأنها أقوى أمة على سطح الأرض ، ولأنها جند اللـه عز وجل .

تعاون الأمم كلها من أجل الخير ، كالتعاون الصحي والعلمي ، وفي مجال الفضاء واستثمار البحار وغيره ، فالأمة المسلمة تتعاون مع غيرها من الأمم من أجل خير البشرية كلها . يقول محمد قطب : " إن الصلاة والنسك جزء من المفهوم الإسلامي للحضارة ، والحكم بما أنزل اللـه جزء منها كذلك ، وإقامة العدل الرباني في الأرض جزء من المفهوم الإسلامي للحضارة ، وإقامة الحياة كلها ، بكل ألوان النشاط على قاعدة أخلاقية مدارها تقوى اللـه عز وجل وخشيته في السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية ، والوفاء بالمواثيق جزء من المفهوم الإسلامي للحضارة " .

هذه لمحة موجزة عن أهداف السياسة الإسلامية ، والغرض من ذلك الإشارة إلى المسئولية العظيمة المناطة بالأمير المسلم ، والأهداف المرسومة له ، ليعمل جاهداً على تحقيقها في المجتمع المسلم والأمة المسلمة والبشرية كلها .

وعندما يسعى الأمير المسلم إلى تحقيق أياً من هذه الأهداف ، فإنه يسلك الوسيلة المشروعة ، ليصل إلى هدفه المشروع ، فالغاية لا تبرر الوسيلة ، والأهداف الإسلامية لا يمكن الوصول إليها بوسائل غير إسلامية . كما أن الأمير المسلم مسؤول أمام اللـه عز وجل ، و مسؤول أمام الأمة المسلمة كذلك ، وليست الدولة دولته يعمل على تثبيتها ، وإنما هو عضو في دولة مسلمة لا يختلف عن غيره من موظفي الدولة" ([5])

إن المؤتمرات " أصدقاء سوريا " و" جنيف" وغيرها كلها مؤتمرات المؤامرة على الشعب المسلم السوري وثورته ، وتشتيت الانتباه ، وتمييع القضية ، وإطالة عمر الوحش ، وإذا أراد قادة الائتلاف أو المجلس الوطني أو الجيش الحر  أن يحضروا مثل هذه المؤتمرات فلا بد أن يضعوا النقاط على الحروف من أول لحظة .. وأن يعلنوا للعالم بكل عزة وكرامة  سياستهم العادلة الصادقة ، وانه بسياسة الغرب الداعمة للوحش  أو الصامتة على جرائمه أو المتذبذبة في دعم الثورة والثوار ، فإنهم والوحش سواء فلا سلام ولا حوار.. وبيننا وبينكم الأيام .... وينتهي المؤتمر خلال دقائق معدودة !!

إن الغرب والشرق لو سمع هذا الوضوح وهذا الحسم من قادة الائتلاف والمجلس الوطني والجيش الحر وقادة الكتائب  لطأطأ رأسه وهرول يسترضى الثوار ..  لأنه يعلم مقدار قوة هذا الكلام وحقيقته ، ولأنه يعلم أن حياته وبقائه ليس مرتبطا بوحش يفطس اليوم أو غدا ، ولكنها مرتبطة بالشعوب ، وبأمة تعبد ربا واحدا ، وترفع راية واحدة ..﴿  وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  ﴾  (آل عمران:139)

فسوريا بعد الوحش مختلفة عن سوريا قبل الوحش ، مختلفة بعودتها إلى ربها ، وتمسكها بدينها ، واعتزازها بلغتها العربية ، ووحدتها ، وهذا ما يجب إبرازه تحت قبب السياسة .

فسوريا دولة كل من يعيش فيها من الناس ، فالعدل أساس البناء ، ولذا لا تطرد رعاياها الذين لا يعتنقون الإسلام ، كما أنهم لا تجبرهم على اعتناقه .

وسوريا دولة يحتكم فيها جميع الناس إلى شريعة الله ، التي تختلف عن القوانين الوضعية التي وضعها البشر ، وشتان شتان  بين حكم الله وحكم البشر  .

وسوريا دولة تكفل جميع الحريات لمواطنيها :حرية الذات ، وحرية المسكن ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ ( النور :27 و 28) وحرية العقيدة ﴿  لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾  ( البقرة : 256)  وحرية الرأي وحرية التعليم ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ   (الزمر: 9)

على قادة السياسة في الثورة أن يعلنوا ويوضحوا ويشرحوا في كافة مؤتمراتهم وندواتهم وحواراتهم ورحلاتهم المحاور التالية :

·                    طرح الثورة السورية من خلال بعدها الفطري للإنسان المتوازن روحا وجسدا وليس الإنسان المسخ مادة فقط .

·                    العمل على توضيح بعض المفاهيم الإسلامية ( الجهاد ، الحرية ، العدالة )

·                    التأكيد على طرح القضية من خلال بعدها الإسلامي ، وفضل بلاد الشام وأهميتها .

·                    البناء الحضاري في أخلاق ومبادئ الثوار والجيش الحر ، وحاجة العالم إلى هذا البناء الحضاري .

·                    فضح المخططات الإقليمية للاتجار بدماء الشعب السوري ، ووجوده .

·                    لا خطر على العالم الحر من انتصار الثورة ، ولا خطر على الحضارة ، وعلى الإنسان ، وعلى الأقليات ، من انتصار الثورة .

·                    كشف زيف حقوق الإنسان والمواثيق الدولية وأنها كلمات حق أريد بها باطل ، وأنها غطاء لتدمير العالم والإنسان والحضارات من الدول التي يقال عنها دول كبرى ، وغطاء للحفاظ على مصالحهم ومراكز قوتهم .

·                    الثورة منتصرة سواء وقف العالم معها أو ضدها .. لأنها ثورة فطرية ، ربانية ثابتة شمولية ايجابية ومن الأجدر بالعالم إعادة حساباته والوقوف معها لا ضدها ..

·                    أثر الثورة انتصار على السلام العالمي ، فليس هناك احتلال ، وليس هناك استبداد ، وليس هناك قانون الغاب ..

إن الثورة السورية خير للعالم بغربه وشرقه ولمصالحهم ولسياساتهم في المنطقة من الوحش ، وعليهم أن يكفوا أيديهم ، فلا يدعموا الوحش ، ولا يتدخلوا في مسار الثورة ، فالشعب السوري بإيمانه وجهاده وصبره قادر على أن يزيل الوحش ، وأن يقضي عليه ، وهذه أفضل سياسة ينفذها الغرب لو يعقلون !!.

الحلقة الحادية عشر

جهاد المعركة XE "جهاد المعركة"  :

" لم يحمل الإسلام السيف إذن ليكره الناس على اعتناقه عقيدة ولم ينتشر بالسيف على هذا المعنى كما يريد بعض أعدائه أن يتهموه! إنما جاهد ليقيم نظاما آمنا يأمن في ظله أصحاب العقائد جميعا ، ويعيشون في إطاره خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته.وكانت قوة الإسلام ضرورية لوجوده وانتشاره واطمئنان أهله على عقيدتهم،واطمئنان من يريدون اعتناقه على أنفسهم . وإقامة هذا النظام الصالح وحمايته.ولم يكن الجهاد أداة قليلة الأهمية،ولا معدومة الضرورة في حاضره ومستقبله كما يريد أخبث أعدائه أن يوحوا للمسلمين!..

لا بد للإسلام من نظام ولا بد للإسلام من قوة،ولا بد للإسلام من جهاد.فهذه طبيعته التي لا يقوم بدونها إسلام يعيش ويقود. ﴿ لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ﴾ ..نعم ولكن: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ.وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾  .. وهذا هو قوام الأمر في نظر الإسلام..وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم،وحقيقة تاريخهم فلا يقفوا بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع إنما يقفون به دائما موقف المطمئن الواثق المستعلي على تصورات الأرض جميعا ، وعلى نظم الأرض جميعا،وعلى مذاهب الأرض جميعا..ولا ينخدعوا بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد لتأمين أهله والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي والجهاد لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه،ويحول بينها وبينه.فهذا هو أعدى أعداء البشرية،الذي ينبغي أن تطارده البشرية لو رشدت وعقلت. 

وإلى أن ترشد البشرية وتعقل ، يجب أن يطارده المؤمنون ، الذين اختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان ، فذلك واجبهم لأنفسهم وللبشرية كلها ، وهم مطالبون بهذا الواجب أمام الله..([6])

قامت الثورة السورية بقدر من الله سبحانه سلمية ، ثم حولها الوحش والغرب من خلفه بحماقتهم إلى ثورة قتال ، وهذا أمر لم يكن في حساب أو بال أحد من الثوار ، بل ولم يكن أحد يحبذ حمل السلاح .. فالشعور الفطري تجاه القتال هو الكره كما قال تعالى ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ( البقرة : 216)

" إن إدراك الإسلام للطبيعة البشرية ، وصراحته التامة في الاعتراف بها ، جعله يقول : إن القتال (كره) للمقاتلين .

ومن خلال هذا الاعتراف الصريح يصل إلى نتيجتين في آن واحد :

الأولى : أنه لا يدع مجالاً للكبت الذي يمكن أن ينشأ في نفوس بعض المقاتلين – بل كثير منهم – حين يصادر حقهم في استشعار كراهية القتال مما يؤدي بهم إلى التخاذل في ساحات الوغى .

الثانية: أن هذا الاعتراف من جانب الله – سبحانه – بأنه لا يستنكر من عباده أن يكرهوا هذا التكليف الثقيل ، يجعل هؤلاء العباد يندفعون إلى القتال بحماسة عجيبة مسطِّرين البطولات "([7]).

ومع هذا الشعور الفطري الذي لا ينكره الإسلام ، " يعالج الأمر من جانب آخر , ويسلط عليه نورا جديدا إنه يقرر أن من الفرائض ما هو شاق مرير كريه المذاق ; ولكن وراءه حكمة تهون مشقته , وتسيغ مرارته , وتحقق به خيرا مخبوءا قد لا يراه النظر الإنساني القصير . . عندئذ يفتح للنفس البشرية نافذة جديدة تطل منها على الأمر ; ويكشف لها عن زاوية أخرى غير التي تراه منها . نافذة تهب منها ريح رخية عندما تحيط الكروب بالنفس وتشق عليها الأمور ، ([8]) قال تعالى ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة : 216)

وتصحيح النظرة النفسية إلى القتال يرتكز على مدى إيمان العبد بهذه القاعدة الإيمانية " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " تلك القاعدة التي يفوح منها " الترغيب العظيم في الجهاد ، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد قصور علم نفسه وكمال علم الله تعالى ، ثم علم أنه – سبحانه – لا يأمر العبد إلا بما فيه خيرته ومصلحته ، علم قطعاً أن الذي أمره الله – تعالى – به وجب عليه امتثاله ، سواء كان مكروهاً للطبع أم لم يكن "([9]) .

وفي ظل هذه القاعدة الإيمانية يأتي تصحيح النظرة النفسية إلى القتال ، ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة :216) ، "فلعل وراء المكروه خيرا . ووراء المحبوب شرا . إن العليم بالغايات البعيدة , المطلع على العواقب المستورة , هو الذي يعلم وحده . حيث لا يعلم الناس شيئا من الحقيقة"([10])

" ربما كان الشيء شاقاً عليكم في الحال ، وهو سببٌ للمنافع الجليلة في المستقبل وبالضد، ولأجله حسُن شرب الدواء المر في الحال لتوقع حصول الصحة في المستقبل .

 إن ترك الجهاد وإن كان يفيد في الحال صون النفس عن خطر القتل ، وصون المال عن الإنفاق ، ولكن فيه أنواع من المضار ، منها :  أن العدو إذا علم ميلكم إلى الدعة والسكون قصد بلادكم ، وحاول قتلكم ، فإما أن يأخذكم ويستبيح دماءكم وأموالكم ، وإما أن تحتاجوا إلى قتالهم من غير إعداد آلة وسلاح ، وهذا يكون كترك مداواة المرض في أول ظهوره بسبب نفرة النفس عن تحمل مرارة الدواء ، ثم في آخر الأمر يصبر المرء مضطراً إلى تحمل أضعاف تلك النفرة والمشقة "([11])

إن الجهاد في سوريا ليس مجرد أمنية ، أو فكرة جنونية ، وإنما هي بيعة لله ، وتقوى لله ، وتوكل على الله ، وصبر وبذل وتضحية ولنتأمل كلمات أسعد بن زرارة في بيعة العقبة الثانية التي تدل على عمق فهمه مع حداثة سنه يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فقمنا نبايعه - أي رسول الله r_20-   فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين، فقال: رويدًا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله , إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف , فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة , فخذوه وأجركم على الله  وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند الله , قالوا: يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك , فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها , فقمنا إليه رجلاً رجلاً يأخذ علينا بشرطة العباس ويعطينا على ذلك الجنة.([12])

إن الجهاد في الثورة السورية ليس بالأمر الهين ، ولا رحلة استجمام ، فهو ما يخافه أعداء الأمة الإسلامية ، ولذا لن يسمحوا لهذا الجهاد بإحراز النصر أو الاقتراب منه ، وهذه خططهم علنا للقضاء على الجهاد في سوريا بكافة الوسائل ولنا في كيفية القضاء على الجهاد الأفغاني درس ، والقضاء على الجهاد البوسنوي درس !!

وهذه تصنيفاتهم فالكتائب عليها علامات استفهام ، ووصم لها بالإرهاب بينما حزب الشيطان الذي يقتل ويدمر ويخرب لا تراه عيونهم ، ولا تبحث عنه أقلامهم ، ولا تعرفه سياساتهم ، لأنه منهم وفيهم ...

إنهم يحاولون القضاء على الجهاد باسم الجهاد ، فيدعمون بعض الكتائب ويطلقون عليها معتدلة ، وفي المقابل يصفون الآخرين بالكتائب المتشددة ، فيشقون الصفوف ، والأنكى من ذلك اختراقهم للصفوف .. وقد يتبادر للذهن الاختراق الإستخباراتي ، بمعنى التجسس على حركات وأحوال المجاهدين ، ولكن الاختراق اشمل من ذلك ولا تقل خطورة عنه فيشمل : الاختراق العقدي والفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي .

فتجد مجاهدين متحمسين جدا يزعمون حب الجهاد والذود عنه وهم يسيئون للجهاد ويحرفون مسار الجهاد ، فنجدهم عن جهل أو علم يستهدفون إخوانهم المجاهدين أو الناس العزل ويتركون عدوهم الحقيقي ولا يستهدفونه ، ويمارسون ممارسات منحرفة فيتم تشويه الجهاد والمجاهدين .. فيعطون للعدو الداخلي والخارجي صورة قاتمة علن الجهاد والمجاهدين فيطيلون بذلك عمر الطاغية الوحش بالإضافة إلى أنهم ارض خصبة للاختراق فأسلوب التكفير وسب واحتقار الآخرين والحماس الزائف والاستعلاء في الكلام يتقنه كل من يريد الاختراق والتجسس والعمالة .

" إن أشدّ الناس حماسة واندفاعًا وتهورًا، قد يكونون هم أشدّ الناس جزعًا، وانهيارًا وهزيمة، عندما يجدّ الجدّ، وتقع الواقعة، بل إن هذه قد تكون القاعدة، ذلك أن الاندفاع والتهوّر والحماسة الفائقة - غالبًا ما تكون منبعثة من عدم التقدير لحقيقة التّكاليف، لا عن شجاعة واحتمال وإصرار، كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال، قلة احتمال الأذى، والضيّق والهزيمة، فتدفعهم قلة الاحتمال إلى طلب الحركة، والدفع والانتصار بأي شكل دون تقدير لتكاليف الحركة، والدفع والانتصار، حتى إذا ووجهوا بهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا، وأشقّ مما تصوّروا، فكانوا أول الصف جزعًا ونكولا وانهيارًا، على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم، ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت، ويعدّون للأمر عدته، والمتهورون المندفعون المتحمسون يحسبونهم إذ ذاك ضعافًا، ولا يعجبهم تمهلهم، ووزنهم للأمور، وفي المعركة يتبين أي الفريقين أكثر احتمالا، وأي الفريقين - كان - أبعد نظرًا كذلك  ([13]).

إنها الحقيقة التي عبّر عنها سيد - رحمه الله -، تلك الحقيقة التي لا يدركها إلا من عاشها، وذاق مرارة هذا اللون من الاندفاع والحماس، مما نراه ماثلا أمام أعيننا في صنف من الناس، لا يقدرون عواقب الأمور، ويثورون لأقل الأسباب، غافلين عن السنن الربانية، والأحكام الشرعية، والقدرات البشرية، متصورين أن طيبتهم وحسن نيتهم، ومقصدهم تكفي سببًا لانتصارهم. ([14])

               

([1]انظر : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين , صـ 415 , 416 بتصرف .

[2] ) التربية السياسية في المجتمع خالد الشنتوت ص 38

[3] ) مصنف عبد الرزاق ، 6/103

[4] ) متفق عليه

[5] ) التربية السياسية في المجتمع خالد الشنتوت ص 39-42

[6] ) في ظلال القرآن  1/273

[7])  انظر : الإنسان بين المادية والإسلام , محمد قطب صـ 77 بتصرف ؛ في ظلال القرآن 1 / 223 بتصرف .

[8] ) في ظلال القرآن ص  202

[9])  تفسير الفخر الرازي 3/31.

[10] ) في ظلال القرآن ص 202

[11] ) تفسير الفخر الرازي 3/30.

[13] ) في ظلال القرآن ص 712

[14] ) الوسطية في القرآن الكريم ناصر العمر ص 165