أخطر من الرسوم المسيئة في الدنمارك وشارلي إيبدو، وبعد منبج أين ستكون المحطة

كانت لعبة الرسوم المسيئة في الدنمارك وشارلي إيبدو لعبة أفراد ، ولكن اللعبة التي يلعبونها تحت اسم ( تنظيم الدولة الإسلامية ) هي لعبة دول عظمى وكبرى وصغرى ...

كانت لعبة الرسوم لعبة خطوط ، ولكن لعبة ما يسمى ( تنظيم الدولة الإسلامية ) هي لعبة خيوط . ورجال حقيقيين من لحم ودم ، تسفك فيها الدماء ، وتزهق الأنفس . أشار الكثيرون إلى الإخراج الهوليودي المتقن لبعض المشاهد ، ولكننا هنا لنؤكد أن الحكاية كلها هوليودية . وهوليود لم تعد تكتفي في هذا العصر بصورة كاريكاتيرية لعربي يلف على رأسه العقال ، يتصرف في استديوهاتها على النحو الذي تريد ن بل أرادته هذه المرة لا عبا على الأرض ، على أرضه هو ، بين أبناء كل البشر يشوه دينه ، ويثير الرعب من أهله ، ويعطي الذرائع لقتلهم واستئصالهم والإجلاب عليهم .

هوليود بالأمس اعترضت على مرشح الرئاسة ( ترامب ) لأن ترامب الذي أحسنت إخراجه مع المؤسسات الأم أقل كلفة ، وابعد في النكاية ..

ومن تمام الإدراك للعبة الهوليودية الدولية أن تدرك أن مما علمناه عن التنظيم الماسوني منذ عقود ، أنه لا يعتمد على كثرة الأتباع ، ولا يفكر في تجنيد وتوظيف الكم ، ومشروعها لا يمر عبر صندوق الاقتراع ، وإنما تعتمد في كل مجتمع على بضعة رجال ونساء ، يمسكون بالمفاصل ، ثم يقودون . الطريقة ذاتها اليوم في هذا التنظيم الذي تجاوز عداده عشرات الآلاف . لعبة الخيوط المؤثرة هي التي تقرر وتقود ...

وهكذا بعد مصاولة ومداورة وقتل وتدمير انسحبوا من منبج كما انسحبوا من الفولجة والأنبار وكما انسحبوا من عين العرب وتدمر ، ومن حق ان نتساءل ومن أين في الغد سينسحبون ؟

بل من حق أن نقول إن قرار استعادة ( منبج ) و ( تدمر ) و( الفلوجة ) و ( الرقة ) و ( الموصل ) هو قرار سياسي وليس استراتيجيا عملياتيا، ينتظرون أن تنضج ظروفه أو يحين حينه . إن زمن القصف الممتد كان ضروريا لجلب الذباب إلى المصيدة لإبادته في عمليات القصف المتمادية على مدى سنوات وبالمقدمات من الطنين التي ما يزال يقدمها الممسكون بالحبال . .

 كان يمكن أن تتم استعادة الموصل والرقة مباشرة وخلال 24 من احتلال ( تنظيم الدولة ) لهذه المدن وبطريقة أكثر بساطة ، وأقل كلفة ، من كثير مما يفعلون ...

ولكن القرار السياسي الذي قضى بإعطاء الفرصة ، والسماح بتطاول زمن الاحتلال اعتمد على معطيات منها :

أخذ الوقت الكافي للتذرع ( بالأشاوس ) هؤلاء ، لتكريس بعض القناعات عن الإسلام ومشروعه تشويها وتحطيما ، ثم لاستغلال وجودهم لإحداث تغييرات في الطبيعة الديمغرافية على الأرض في سورية والعراق . ، ثم في ادعاء البطولة بتحقيق الانتصار كل مرة على ( العدو القوي ) على طريقة ما كنا نقرأ في سيرة عنترة وأبي زيد الهلالي . يجب أن ينتصر بطلهم على بطلنا ( المزور المزيف) تذكروا في كل أفلام هوليود يكون الانطباع أن الهندي أو الأسود هو الأحمق الشرير وأن الآخر هو العاقل الحكيم الحليم القوي المنتصر

ومن المؤثرات العملية في اتخاذ القرار بتحرير هذه المواقع اختيار الوقت للتوظيف السياسي لعمليات الاستعادة في أوضاع داخلية في دول بعيدة منها الولايات المتحدة وروسية وطهران .يتساءلون : هل سيخوضون عملية استعادة الرقة أو الموصل قبيل الانتخابات الأمريكية ، يودع بها أوباما البيت الأبيض أو يدعم المرشح الديمقراطي القادم؟ .

تلاحظون في عالم الأحياء كم يحب القط أن يلاعب الفأر قبل أن ينقضّ عليه وينشب فيه . ومسلسل توم أند جيري ، سينتهي لو انتصر القط ، لكنه لا يقتله ولا يأكله لضرورات الاستثمار في تطاول الحلقات .

في كل مرة ، في لحظة ما ، يقولون لهم اخرجوا ، فيخرجون ، وينتقلون إلى مكان آخر ربما مراد فيما بعد تدميره ..

حتى لا يغضب مني بعضهم أوضح أن تقويمي : للمحاصِر والمحاصَر ، والمحتل والمحرر، أنهم فريق واحد ( بقيادتهم ) على الأقل . يتصارع الممثلان في الفيلم ، وتسيل دماؤهما ، وربما يقتل أحدهما الآخر ولكن علينا ألا ننسى أن كاتب النص والسنيارست والمخرج واحد ...

كنا إذا رأينا مسرحية أو فيلما مأسويا وسالت دموع أحدنا ، يتوجب على من بجانبه أن يهز كتفه ويقول له شفقة عليه : لا تبك ( كله تمثيل بتمثيل)

الحقيقة الوحيدة التي تهزنا في هذه المعارك الهزلية أن الضحايا في الغالب هم أناس أبرياء.

وأن الراية المهزومة في كل مرة هي الراية التي رفع عليها زورا وبهتانا لقب دولة الإسلام ...

استأجروا مأفونا قالوا له سنسميك محمدا وستتحدانا وسترتكب الفظائع والجرائم وسيشنع عليك بطلنا ويرذلك وفي النهاية سيدوسك ...

لذلك فإن ( محمدهم ) هذا هو في كل معركة ينكسر وينهزم حسب الدور المرسوم.

الرسمة اليوم في منطقتنا أكثر جدية وأبعد أثرا من رسوم شارلي ايبدو ورسامي الدنمارك .

كركوزات تزعم أنها تقاتل باسم الأمة لتحرض على الأمة ، كركوزات تحمل اسم الإسلام لتهين أهل الإسلام ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 681