سحر الرسائل

معمر حبار

[email protected]

حين يعود المرء بعقارب الساعة إلى أربعة عقود خلت، يقف لامحالة على الرسائل التي كتبت بخط اليد، والتي مازالت الذاكرة تحتفظ ببريق حبرها، ولمعان خطوطها، حتّى لو كانت الأسطر سيّئة، صعبة القراءة.

في العاشرة من عمره، كان يكتب لجاره رسائل لابنه السجين. وكان يجد صعوبة كبيرة في نقل العامية التي لاتحسن الجارة غيرها إلى اللغة العربية الفصحى، لأنه كان حريصا على أن يكتب رسائله باللغة العربية.

وكان يقرأ للجارة الرسائل الوافدة من ابنها، فيشرحها ويعيد شرحها، لأنها كانت تطلب ذلك وتلح عليه.

وحين كانت للرسائل سحرها، طلب منه أحد العشاق يومها أن يخط له رسالة، وهو طفل صغير لايعي معنى دقات القلوب، فامتثل وكتب له ماأراد باللغة العربية الفصحى، إذ بالعاشق يترجاه أن تعاد كتابة الرسالة، لأن المعنية بالأسطر، تعرف مستوى عشيقها الضعيف، وتدرك بالتالي أنه ليس صاحب الرسالة، فكان مضطرا وهو الطفل البريء، أن ينزل بمستوى الرسالة إلى مستوى العاشق الضعيف.

كتب بعض الخطب لأحد الأئمة منذ 25 سنة، ودرّبه على السماع والإلقاء، وحين ألقى الإمام الخطبة من على المنبر، صعق كاتب الخطبة من هول ماسمع، بسبب ضعف الإمام الفضيع، وهو ينقل الكلمات.

وفي بداية مساره المهني، طلب منه مدراء الجامعة وبإلحاح منهم، كتابة رسائل  بالخط العريض والكبير، وكيفية التدرب على النطق والإلقاء، لتلقى أمام الوزراء الذين زاروا الجامعة، وكذا زيارة رئيس الجمهورية.

بقيت الإشارة إلى أن ضعف ملقي الرسالة من حيث الاستيعاب والإلقاء، يؤثر سلبا على الرسالة وصاحبها، ويفقدها الجمال الذي تحمله، والهدف السامي الذي ترمي إليه.

كانت أحسن الرسائل على الإطلاق، والتي مازالت راسخة في الأذهان، تلك الكلمة التي ألقاها شخصيا، بمناسبة تدشين جامعة حسيبة بن بوعلي بتاريخ 18 فيفري 1995، وقد حضرها عدّة وزراء، ووالي الولاية، وشخصيات من قطاعات متعددة. لكنه لم يحتفظ بنسخة منها، لأن المرافقين للوزير، أخذوا منه الرسالة بعنف، ودون أن يستأذنوه في ذلك، ولم يتركوا أيّة فرصة ليسأل عن السبب، وإن كانت طريقة الإلقاء، لها دور في الاستيلاء على الرسالة، وكذا محتواها المتضمن حياة الشهيدة حسيبة بن بوعلي.

إن للرسالة سحر، يعرف سحرها من أوتي بياض القلب في الصغر، وداوم على القراءة والسهر في الكبر، وأدرك أن الوسائل العصرية لاتعدو كونها وسيلة تقريب وتسهيل وسرعة.