عتاب للسوريين

عتاب أخوي للإخوة السوريين: عندما تنزف الأوطان، تصبح الابتسامة رفاهية محرمة.

ترددت طويلاً في كتابة ونشر هذه الكلمات، لعلمي أنها ربما تزعج الكثيرين من الأصدقاء والإخوة السوريين، الذين عرفتهم وعشت معهم خلال السنوات الماضية.

لكن العتاب الأخوي لا يكون إلا من مشفق محب، ولا يصل إلا لمحب متفهم.

أزعم أن المأساة التي ضربت الشعب السوري هي من أكبر المآسي في تاريخ البشرية وأنها تجري بتواطؤ دولي غير مسبوق. 

وليست مأساة اللجوء أقل فداحة من مأساة الوطن.

وعندما تكون المأساة بهذا الحجم المفجع، لا بد من ردة فعل خاصة تجاهها. 

لا بد من ردة فعل جماعية ترسل رسالة لمن بقي داخل سوريا أن الذين خرجوا منها وأمنوا على حياتهم لم ينسوها ولم ينسوا مصابها. 

ومن المؤسف القول إن معظم ما نراه بعيد كل البعد عن المطلوب...

 وهو ما لا يصح أبداً.. 

لا يصح أن يكون آلاف السوريين محاصرين وجوعى في حمص وريف دمشق، فيما إخوانهم في أوروبا لا يهمهم إلا البحث عن أكثر الدول رفاهية لطلب اللجوء فيها، دون أدنى اكتراث بمصاب الوطن. 

لا يصح أن تسوى مدن كاملة بالأرض في سوريا، بينما الآلاف من أبنائها في أوروبا مشغولون بصيد السمك في البحار والأنهار وشوي اللحم وإعداد المأكولات الشهية. 

لا يصح أن يكون آلاف الأطفال والقاصرين السوريين موزعين على ملاجئ في بلاد أوروبا بعيداً عن  أسرهم، وألا تكون هناك هيئة إنقاذ سورية على مستوى أوروبا تبحث عنهم واحداً واحداً. 

لا يصح أن تخرج آلاف صور الأطفال القتلى والجرحى في سوريا، بينما صفحات السوريين في أوروبا تهتم بصور السيلفي والعطلات الصيفية في بلاد أوروبا الجميلة.

لا أدري لماذا نكون نحن العرب بهذا السلبية القاتلة في مثل هذه الظروف التي تهدد بتغيير حدود وتهجير شعوب وإنشاء دول معادية في قلب أوطاننا ..

وأزعم دون تردد أن أي شعب من الشعوب الأوروبية المرفهة التي لم ترَ الحرب إلا في الشاشات، لو أصيب بنصف مصاب الشعب السوري، لكان تصرفه مختلفاً تماماً، ولكان تحول إلى حالة طوارئ لا هوادة فيها، حتى يعيد الاستقرار إلى بلده. 

أوروبا اليوم فيها مئات آلاف السوريين من اللاجئين والمقيمين سابقاً.

لو أن نصف السوريين المقيمين في أوروبا كانوا ينشرون ما يحدث في بلدهم على صفحات التواصل الاجتماعي مع الإشارة بصراحة إلى القاتل، لكانوا فرضوا على الإعلام الدولي تغيير نهجه.

.

فما بالك لو افتتحوا موقعاً إعلامياً محترفاً ينقل الأمور بدقة وجرأة ؟

.

لو أنهم شكلوا هيئات إغاثية بحجم وجودهم وقدراتهم لكانوا خففوا كثيراً مأساة وطنهم ومأساة اللاجئين من أبناء بلدهم، ولما بقي طفل سوري واحد داخل الملاجئ ولدى الجمعيات الخيرية.

.

.

هذا لا يعني أنه ليست هناك جمعيات إغاثية وناشطون يعملون في كل ما ذكر.. لكنها تبقى أقل من المطلوب بكثير.

.

تبقى جهود ناشطين قليلين، فيما الأغلبية تنظر من بعيد بسلبية غير مفهومة.

.

ويبقى المطلوب أكبر منها بكثير.

.

المطلوب، باختصار، هو حراك بحجم وجع هذا الوطن.

وسوم: العدد 682