المشهد السياسي المُوجَّه: سؤال التحكم

المشهد السياسي في كل الوطن العربي ,اصبح مرجعا لكل التحاليل والمقاربات التي تسعى الى لملمت ما يمكن, في اطار الحفاظ على التوازن الاجتماعي المطلوب, واستخلاص بناء نظري يمكن ان يؤسس لتحولات الدولة من خلال آلية الضغط وليس آلية القلب, وفي نفس الوقت تقعيد لمؤشرات الضبط والانفلات. كي لا تنزلق مرة اخرى الدولة  الى متاهات لا تحمد عقباها.

بعد موجة التحولات في الوطن العربي ,أصبح الكل يترقب خارطة المشاهد السياسية ,وكيف ستؤول اليه الأمور, وهل الفاعل المستفيد من الحراك ,مستفيد بقوة الواقع ام بشرعية النضال والتأطير, بين الحالتين وحين يتعمق النقاش والتحليل سيظهر جليا أمورا, كنا نعتقد من خلال المعاينة أنها أمور بسيطة جدا, حتى ولو اغفلناها في سياق التحليل,

الدولة ايضا تعتبر التحولات في كل الوطن العربي, مرجعا حاسما في سلوكها, سواء تعلق الامر بالاحتفاظ الشبه الكلي  بالمتابعة المباشرة لأداء الفاعل السياسي سواء كان اغلبية او معارضة, لأن تفويض المهام أتبث انه أمر غير سليم, ولا يمكن للدولة ان تغامر كليا في الموضوع, وهنا يطرح الاشكال العميق ,

من يطرح سؤال التحكم؟

صحيح لا يمكن ان ندقق في الامور لاعتبار ان مستوى التأطير  ضعيف جدا داخل الهيئات السياسية,  مما يخول للدولة مسؤولية الانخراط والاسهام في الاجوبة على الاسئلة الاجتماعية  المطروحة, لاعتبار ان السلم الاجتماعي رهان الدولة وأي تفريط في الموضوع يمكن ان يسوق المشهد كله الى أزمة الدولة.

ان الحضور الفعلي للدولة في صياغة وتوجيه المشهد السياسي ,له مبرراته النظرية  أولا, لان الفاعل السياسي لا يمكن ان يستوعب قواعد التعايش الدولي ولا يمكن ان يقدر بدقة الموقع الجيوسياسي الذي يسمح للدولة بالاشتغال من خلاله مع الفاعلين الدوليين, وهذا ما يلاحظ من خلال حقائب السيادة داخل الحكومات المنتخبة,

ان الفاعل المنتخب يحتاج الى تكوين والى تأطير ,كي ينسجم أداؤه مع النفس العام للدولة, وليس ضرب المكتسبات وجر الدولة الى أزمة قرارات غير محسوبة ولا منسجمة مع ما تسمح به الساحة الدولية.

الدولة وليس غيرها من عليها أن تقوم بتأهيل المشهد السياسي, إلى درجة يمكن ان يطمن الشعوب أن الامر يتعلق بمصير شعوب وليس لعبة سياسية غايتها تكريس سلوك سياسي لا علاقة له بالفعل التنموي.

بعد التحولات العربية يحق لنا ان نطرح السؤال عن المستفيد من التحولات؟ وهل التحكم سؤال المرحلة؟

ان اعتبرنا انه مستفيد بحكم قوة الواقع

يعني ان التحولات كانت لصالحه ولم يكن مشاركا  فيها ولا فاعلا , وان الأزمات الاجتماعية هي فقط من كانت المرجع الاساس للحراك وليس التحول الفكري والنظري للدولة, وأن .غايتها مطالب تتعلق بالتوزيع العادل للثروات او حتى لا نكون حالمين أكثر, لنقل ان غاية الحراك الاجتماعي هو التقليص من الفوارق الاجتماعية الصارخة واعطاء روح الأمل للشعوب في قادم ايامها والتدبير الجيد للمؤشرات التنموية ,لان الشعوب حين تفقد الامل في المستقبل, وأن  الانتعاش والانفراج الاقتصادي  أصبح غير مأمول. والدولة لم تنتبه للأمر او لم تعتبر ان الجواب على هاته الاسئلة امر ملح.

 تكون قد خالفت موعدها مع الاستقرار الاجتماعي دون ان تنتبه الدولة لذلك,

ومع وجود فاعلين يستثمرون الوضع بشكل دقيق, ويمنون الشعوب بناءا على ما يقدمونه ,بمستقبل واعد ..يصبح مستقبل الدولة في خطر.

-الفاعل المستفيد استفاد من الوضع وكان فاعلا فيه.

ان حللنا على ضوء هاته الرؤية سيكون الموضوع خطيرا, لأننا حينها سنحمل المسؤولية الكاملة للفاعل الاسلامي, وأنه كان سببا مباشرا للحراك, رصدا تأطيرا و نتيجة.

نكون حينها امام تنظيم له قوة الدولة و له قدرة كاملة ليهيمن على كل المؤسسات دون الحاجة الى غيره, بصيغة جد مبسطة نكون امام حالة انقلاب شعبي على الدولة.

تقريبا في كل الوطن العربي هاته الصيغة تكاد تكون منعدمة, على الاقل على المستوى الواقعي, لان فشل هيمنة التوجه الوحيد على الدول التي عرفت تغيرا في قيادتها, دليل على ذلك

وفي الدول التي عرفت استقرارا سياسيا مع بعض التحولات في المشهد السياسي, هي ايضا لم ترحب بهيمنة التوجه الوحيد على المشهد .

ان وتر العمل الاجتماعي واستثماره في الرهانات الاحتجاجية, امر تم التطبيع معه من زمن العمل النقابي, الذي يتأسس على جدلية المنفعة أو الاحتجاج.

كلما كان الاحتجاج قويا كلما كانت المطالب المنتزعة مهمة جدا, وهذا يرسى ثقافة خطيرة في المجتمعات, كون ان الالتفاف حول مطلب معين وتصديره بقوة جماهيرية كبيرة جدا, يعطي قوة ضغط يمكنها أن تربك حسابات الجهة المصرة على عدم التنازل.

اننا في الوطن العربي لم نصل بعد الى منطق الحق بالقانون, وليس الحق من منطق الغلبة,

صحيح يمكن أن نعتبر ان المستفيد الحالي لم يكن بالمطلق فاعلا محوريا في الحراك, قد أسمه بنوع من المسؤولية ,كونه فاعلا انتهازيا, بدليل أنه لم يتمكن من استثمار طموح الشعوب في العملية التنموية ولا حتى في تسيير الدولة,

وهنا يطرح السؤال الخطير: هل الشعوب العربية مزاجية في حراكها؟.

ان ما حدث في كل الوطن العربي, لا يمكن قراءته الا في بعدها اليومي والتدبيري للدولة ومقدراتها, ولا علاقة له بالمطلق بالأبعاد الفكرية والنظرية للدولة.

أخلاق كثيرة حين تنتشر في ادارات الدولة, يمكن أن تخلق نفسا متوترا وفكرا هشا يمكن أن يكون أرضية خصبة لكل الافكار المعادية للدولة, فنصبح أمام ردود فعل مبنية بالأساس على الأوضاع الاجتماعية و الازمات الاقتصادية, وانسداد الافق.

لان الشعوب حينها لا تملك ما يستحق الحفاظ عليه والاهتمام بتنميته والخوف عليه.

هي حالة واقع يفرض التغيير و يوحد الكثل الضاغطة بمختلف مشاربها على برنامج حد أدنى حتى لو لم يكن توافق مبدئي عليه, وهنا طبعا يتدخل الفاعل الانتهازي كي يحول النتائج لمصلحته, حتى لو لم يكن فاعلا فيه

لحد الآن لم يثبت الفاعل الاسلامي عبر الوطن العربي, أنه فاعل محوري في التحولات, بل هو فاعل سيق بإلزامية الواقع, وهذا الأمر وحده كاف كي نتوقع فشله, لأنه حالة غير طبيعية في سياق غير عادي.

اننا حين نركز بعمق, في مآلات المشاهد السياسية في الوطن العربي برمته ,لا يمكن ان نغفل بالمطلق تطور الدولة وقدرتها على الحفاظ على مراكز الارتكاز, كي لا ينجر البلد الى حالة فوضى شعبية, نموذج الدول التي فقدت قياداتها السياسية وهي الآن امام مصير مجهول ومفتوح على كل الاحتمالات, من الانقسام المبني على الطائفية الى الانضباط المبني على التجاوز غير المرتكز على قانون.

أما الانظمة التي تمكنت من تجاوز المرحلة ,من خلال تغيير المواقع وترتيب الاولويات, نكون حينها امام اجتهادات متباينة, وترتكز بالأساس على المصالح واحتلال المواقع, مع ان الامر ببساطة لا يمكن اخضاعه لهاته المعادلة بالمطلق, لان حنكة الانظمة وقدرتها على تجاوز مراحل الشد والازمة يظهر جليا قوتها, وعلى ان العمل من خلال خلق توليفات غايتها الجواب عن الاسئلة الحقيقية التي تطرحها الشعوب, ينم عن حس ذكي و فقه للواقع بشكل جيد وفي نفس الوقت بظهر بوضوح دور الفاعل السياسي في المشهد .

هنا يمكن ان نطرح السؤال: هل قدرة الدولة على رصد نبض شعوبها, يدخل في اطار التحكم,؟

هل التحكم حالة مزعجة ؟,ان كان الجواب نعم, فمن هي الجهة المنزعجة؟

أم أن خاصية الضبط المبنية على عقيدة الاستقرار, هي ما يحلو للبعض ان ينعتها بالتحكم؟.

ان الحزم والضبط والصرامة. خاصية الدولة الحديثة, والإصرار على استعمال المصطلح كي يكون منسجما مع مفهوم الدولة العميقة, الذي استعمل كي يبرر كل حالة التحامل على الدولة, المبني على خلفيات فكرية ونظرية, هو فعلا ما جعل الشعوب تتراجع عن كثير من النظريات الجدلية والمهيمنة  ,التي تعد نفسها نظريا كبديل للأنظمة القائمة, نعم الشعوب تراجعت الى حد ان عقيدة ,التنمية والفرص المتاحة ,هيمنت على البنيات النظرية والفكرية.....

ان تغيير مواقع و اولويات الفاعلين في المشهد السياسي, أمر يدخل في اطار السياق العام, وليس حالة من حالات التحول غير المتوقع داخل الدولة, حتى لو اعتقد الفاعلون ان الامر يدخل في اطار ما يمكن ان تقدمه الظروف من خلال موجة التحولات العالمية.

التحكم .هو حالة الضبط والصرامة المبنية على عقيدة الاستقرار السياسي, وهو خاصية الدولة التي تعلم يقينا أن هويتها الامنية مهددة مع أي تساهل في الموضوع. وحالة التحول العربي يعتبر مرجعا مؤسسا لنظرية الدولة المخرطة في عملية التنمية,

في حين من يعتبر التحكم حالة غير طبيعية في علاقة الدولة مع الفاعل السياسي, يعتبر ان التحولات العربية والدروس المستخلصة يمكن أن تؤسس الى تعاقد جديد بين النخب والشعوب, وأن الوثيقة الدستورية هي صك التعاقد  وصمام الأمان .

ان المشهد السياسي الموجه الى حالة النضج والتوازن, كي ينخرط بشكل جيد في عملية بناء الدولة والحفاظ على استقرار البلد, لا يمكن بالمطلق أن نسمه بحالة التحكم, لان الامر لا يعدو ان يكون واجب من واجبات الدولة التي لا يمكن ان تسلمه لغيرها, لان الازمات الاجتماعية المبنية على سوء تدبير المشهد السياسي ,لا يمكن ان تترك مجالا للتساهل في الموضوع, أو اعتماد حالة الترف في التدبير. وان الفاعل السياسي الذي يستوعب المعادلة جيدا, سيجد نفسه أحد العناصر الاساسية في بناء الدولة عبر المشهد السياسي , اننا نحتاج الى تجفيف كل منابع التوتر بين النخبة السياسية والدولة, أو كما اصطلحنا عليه, بين النخبة المنشأ و النخبة الملحقة. مأمر تم التطبيع معه من زمن العمل النقابي تت

وسوم: العدد 685