خصائص الاقتصاد الإسلامي وميزاته

من أجل ثقافة إسلامية واعية

هناك خصائص للاقتصاد الإسلامي يتميز بها عن غيره من الأنظمة الاقتصادية , وهذا ليس غريباً عنه, لأنه نظام إلهي رباني, ليست أصوله من وضع البشر، بل هي مستقاة من الكتاب والسنة، يقول الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) الآية 3 من سورة النجم .

 ويمكن بيان هذه الخصائص على النحو التالي :

 أولاً: إن الاقتصاد الإسلامي جزء من الإسلام الشامل، لا يمكن فصله عن بقية الأجزاء الأخرى التي تتعلق بأحكام العبادات، وأحكام الأسرة، وأحكام العقوبات، والأقضية، والعلاقات الدولية وغيرها.

 وكل هذه الأجزاء ومنها المعاملات المالية والاقتصاد الإسلامي, يقصد بها طاعة الله تعالى والتقرب إليه من خلال تنفيذ تعاليمه وتطبيقاته في الحياة العملية, يقول الله تعالى: ( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) الآية 89 من سورة النحل .

 ثانياً: يتصف الاقتصاد الإسلامي بأنه عقدي, يرتبط بالعقيدة الإسلامية, ويستمد قوته منها, وهو يستند إلى ضمير المسلم الذي يعمر بالإيمان, لا إلى سلطة البشر وقوانينهم. بحيث إن المسلم يقوم بواجباته ويؤدي التزاماته المالية, ويمتنع عن النشاطات الاقتصادية المحرمة, بدافع من مراقبته لله تعالى وقوة إيمانه الذي ينبض في الحياة في داخل ذاته وسريرته, ولو لم يكن عليه رقيب من البشر, لأنه يعلم أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

 ثالثاً: من خصائص الاقتصاد الإسلامي أنه اقتصادُ مبادئَ أخلاقية وقيمٍ إنسانية, وليس اقتصاد مصالح مادية فردية أنانية بحتة, ومعنى هذا أن المسلم يراعي ويلاحظ ميزان الحلال و الحرام في نشاطاته الاقتصادية ومعاملاته مع الآخرين, فما كان من حلال فعله, وما كان من حرام اجتنبه, وإن فوَّت عليه ربحاً مادياً, فهذا الربح ليست له قيمة في ميزان الإسلام, ولذلك يمتنع المسلم عن الرشوة وعن الغش وعن تقديم خدمات محرَّمة, لأنها تهدم المبادئ الأخلاقية التي جاء بها الإسلام, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا ) رواه مسلم . وفي حديث آخر: ( إن الله إذا حرَّم شيئاً حرم ثمنه ) رواه ابن حبان في صحيحه ورواه غيره أيضاً.

 رابعاً: من خصائص الاقتصاد الإسلامي التوازن الذي يحرص عليه ويحرص على حفظه، إذ إن فيه توازناً بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع, يقول الله تعالى: ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم ) الآية 5 من سورة النساء. فقد أوضحت هذه الآية وجوب المحافظة على مصلحة الجماعة وصيانة عامة الأموال من الإهدار، كما أوضحت على وجوب المحافظة على مصلحة الفرد, وعدم حرمانه من حقه الإنساني المشروع.

 أما في الحالات التي لا يمكن الجمع فيها بين المصلحتين, فإن الإسلام يرجح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة واللجوء إلى أخف الضررين وأهون المفسدتين, وقد عبر الفقهاء عن هذا ببعض القواعد الفقهية, التي منها: " يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام " و " الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف " .

 هذا, في حين أن الأنظمة الاقتصادية الأخرى ، كالنظام الاشتراكي ـ إما أن تجمح إلى ترجيح مصلحة الجماعة وإهدار حقوق الفرد, أو جعلها تبعاً في آخر درجات السلم, وإما أن تذهب ـ كالنظام الرأسمالي ـ إلى النقيض من هذا, فتعطي الفرد مطلق التصرف وتتيح له أن يفعل ما يشاء من أجل تحصيل المنفعة، ولو أفضى هذا إلى الإضرار بالآخرين.

 خامساً: من ميزات الاقتصاد الإسلامي وخصائصه أن المال فيه ليس مغنماً ولا مكسباً, كما هو الحال في النظرية الرأسمالية, التي تبيح للإنسان أن ينطلق كما يهوى في جمع المال والاستبداد به وتكديسه, بل إن المال في الإسلام أمانة عند مالكه, وهو ليس سيداً لما يملك , ولكنه مؤتمن عليه, يديره فيما فيه مصلحته ومصلحة أخوانه في المجتمع. قال تعالى: ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) الآية 7 من سورة الحديد. وروى الترمذي والبزَّار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فبما أبلاه, وعن عمره فيما أفناه, وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن علمه ماذا عمل به ). 

 وقد جمعت الآيات التي فيها قصة قارون هذه المعاني، وبينت أنه ينبغي توجيه المال إلى وظيفته الحقيقة في الإعمار والبناء الاجتماعي الدنيوي والأخروي, قال الله تعالى: ( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وأتيناه من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه إن الله لا يحب الفرحين . وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغِ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ) الآية 77 من سورة القصص.

 سادساً: يعتبر الإسلام النشاط الاقتصادي والمعيشي نوعا من أنواع العبادة التي يثاب عليها صاحبها, لأنه يسعى في رزقه ورزق عياله, ويستغني مد يده إلى الآخرين, روى الطبراني عن كعب بن عُجْرة رضي الله عنه قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلَده ونشاطه, فقالوا: يا رسول الله, لو كان هذا في سبيل الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) إن كان خرج يسعى على وُلْده صغاراً فهو في سبيل الله, وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله, وأن كان خرج يسعى على نفسه يعفها – أن يحفظها من ذل السؤال – فهو في سبيل الله ... ).

 يضاف إلى هذا: أن النشاط الاقتصادي المعيشي نوع من العبادة؛ لأن فيه نفع عباد الله, وتيسير أمورهم، وتحقيق مصالحهم والسعي في إسعادهم, وتوفير السلع والخدمات لهم, فالتاجر إذا قصد بتجارته سد حاجة الناس فهو في عمل صالح يؤجر عليه, وكذلك المزارع في مزرعته والصانع في مصنعه, والموظف في إدارته, وكل ذي مهنة تنفع الناس فهو في طاعة الله وعبادته, وهذا هو مفهوم العبادة العام الذي ينبغي ملاحظته في ضوء قول الله تعالى: ( قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) الآية 162 من سورة الأنعام. 

 ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان لهبه صدقة ) رواه الشيخان. وفي الحديث الذي رواه الطبراني وأبو نعيم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الخلق كلهم عيال الله ـ أي عبيد الله ـ فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله ).

 هذه بعض خصائص وميزات النشاط الاقتصادي والمعيشي في الإسلام, وهي في مجملها تربط الإنسان بخالق هذا الكون, وتعرفه على الأسلوب الأمثل الذي ينبغي تكون عليه حياته, ليسهم في تحقيق السعادة المادية والمعنوية له وللآخرين.

وسوم: العدد 693