العدالة الإجتماعية في رؤية وفكر الجماعة ( 2 )

العدالة الاجتماعية

عند الشهيد سيد قطب

يمثل الشهيد سيد قطب أحد رموز الفكر الإسلامي ورموز جماعة الإخوان المسلمين ويعد كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام أحد أهم الكتب التي تناولت هذا الموضوع ويعد كمرجع أساسي في تأصيل مفهوم العدالة الاجتماعية وآلية تطبيقها في الإسلام

وكان الشهيد سيد قطب بطرحه لرؤيته حول العدالة الاجتماعية في الإسلام في مواجهة الأفكار الاشتراكية التي انتشرت خلال القرن الماضي وخاصة في ظل سيطرة الفكر الاشتراكي على رؤوس قيادات ثورة يوليو،

وتكمن أهمية طرح الشهيد سيد قطب لمفهوم العدالة الاجتماعية في توقيت طرحه لهذا المفهوم الذي كان بمثابة بناء فكر اقتصادي إسلامي جديد مبنى على تحقيق المساواة والعدالة.

طبيعة العدالة الاجتماعية عند الشهيد سيد قطب

يقول الأستاذ سيد: أما عن طبيعة العدالة الاجتماعية في الإسلام، فلا يمكن إدراكها إلا ضمن التصور العام للإسلام حول الكون والألوهية والحياة والإنسان، وباعتبار أن الإسلام يمثل تصورا شاملا ومتكاملا يعالج مختلف مجالات الحياة.

وهذا التصور الأصيل لا نجده عند "فلاسفة الإسلام" (ابن سينا، الفارابي، ابن رشد...) الذين قلدوا الفلسفة اليونانية ولم يتجاوزوها، إنما الأصل هو القرآن والحديث والسيرة: حيث تتجلى الصورة كاملة متناسقة.. الكون كله قائم بالقسط، والعدل بين مطالب الجسد ومطالب الروح، الفرد والجماعة، الدنيا والآخرة....

الفرد والجماعة والطائفة والأمة والجيل والأجيال كلها يحكمها قانون واحد ذو هدف واحد:

أن ينطلق نشاط الفرد ونشاط الجماعة –غير متعارضين- لبناء الحياة وإنمائها، والتوجه بها إلى خالق الحياة ..

ويضيف: أي ليس للفرد طقوسه وللجماعة طقوسها، وليس للدنيا دين وللآخرة دين، وليست العبادة وحدها والشريعة وحدها، بل الإسلام وحدة متكاملة لا تقبل الفصل بين العبادة والمعاملة، أو بين العقيدة والشريعة أو بين الدنيا والآخرة....

وعن هذه الوحدة الكبرى تصدر التشريعات الاجتماعية والاقتصادية.

لهذا يرى الأستاذ سيد أن العدالة في الإسلام هي "عدالة إنسانية شاملة لكل جوانب الحياة الإنسانية".. وليست مجرد عدالة اقتصادية محدودة، لأن الحياة في الإسلام ليست علاقات مادية مقطوعة، وإنما هي " تراحم وتواد وتعاون وتكافل... بين المسلمين على وجه خاص، وبين جمع أفراد الإنسانية على وجه عام".

فللعدالة الاجتماعية ركيزتان أساسيتان:

1- ركيزة الوحدة المطلقة المتناسقة بين مقومات الإسلام.

2- ركيزة التكافل العام بين الأفراد والجماعات.

فالوحدة الإسلامية ضد التجزيء والانتقاء، والتكافل ضد الظلم والطغيان، فلا يقبل الإسلام طغيان الفرد على الجماعة ولا يبرر ظلم الجماعة لفطرة الفرد وطاقاته ومواهبه.

لذلك أوجب حفظ كرامة الفرد ليستطيع أن يبدع ويستثمر كامل طاقته مقررا مبدأ تكافؤ الفرص والعدل بين الجميع، ولكنه ترك مجالا للمنافسة والتفاضل بالجهد والعمل.

لهذا "لا يفرض الإسلام إذن المساواة الحرفية في المال، لأن تحصيل المال تابع لاستعدادات ليست متساوية، فالعدل المطلق يقتضي أن تتفاوت الأرزاق... مع تحقيق العدالة الإنسانية" ..

أسس العدالة الاجتماعية كما يراها الشهيد سيد قطب

حصر الاستاذ سيد رحمه الله هذه الأسس في ثلاثة عناصر هي:

1- الحرية: التحرر الوجداني المطلق.

2- المساواة: المساواة الإنسانية الكاملة.

3- التكافل: التكافل الاجتماعي الوثيق.

فالتحرر شعور نفسي باطن، قبل أن يكون تشريعا ملزما.... والتحرر عقيدة تجمع بين الوجدان والواقع، بين التشريع والتنفيذ، وقد بدأ الإسلام بتحرير الوجدان البشري من عبادة غير الله، فلا عبادة لسواه، ولا حاكمية لغيره، حتى لا يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله، فيشوه التحرر الوجداني بالضغط على الفرد وتخويفه وظلمه...

كما أنه يمتد ليشمل التحرر الوجداني من الجبن والخوف والشرك والطمع والكبر وعبادة المال والجاه والحسب والنسب " إن أكرمكم عند الله أتقاكم"

ويعرض علينا القرآن صورا كثيرة للتحرر الوجداني أو عدمه، كقارون مع فتنة المال والشراء حيث لم يتحرر.

أما المساواة فنابعة من الضمير ومصونة بالتشريع، انطلاقا من قاعدة: "وحدة الجنس البشري وفي المنشأ والمصير، في المحيا والممات، في الحقوق والواجبات: أمام الله وأمام القانون.

لهذا برئ الإسلام من العصبية الجاهلية والاستعباد والاستعلاء على الناس بالنسب والحسب والجنس، "كلكم من آدم، وآدم من تراب"... رجالا ونساء........... لكل الناس نفس الكرامة.

أما التكافل الاجتماعي فلا يتأتى بالتحرر المطلق من كل التزام أو بالمساواة المطلقة التي لا شرط لها لأن هذا يحطم الفرد مثلما يحطم الجماعة.

لذلك فالواجب اعتبار مصلحة الجماعة/المجتمع "القبعة الجماعية" عبر: التكافل: "بين الفرد وذاته، وبين الفرد وأسرته، وبين الفرد والجماعة وبين الأمة والأمم، وبين الجيل والأجيال المتعاقبة ..

وسائل العدالة الاجتماعية كما حددها الشهيد سيد قطب

حدد الأستاذ سيد وسائل تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال:

الوسيلة الأولى: سياسة الحكم

لما كانت العدالة في الإسلام تقوم على ركيزتين:

1- التكليف القانوني داخل المجتمع.

2- والضمير البشري داخل الفرد فهي عدالة شاملة، وتتطلب وسائل من نفس الطبيعة (شاملة)، أي:

وازع فردي: الرحمة، الصدقة، التسامح، العطف، الإيثار... (الضمير)

ووازع السلطة التشريعية: الأحكام القانونية والتنفيذ الحكومي... (الشريعة)

وبهذين الوازعين حرَّم الإسلام الاحتكار والادخار والبخل والشح والربا وأكل أموال الناس بالباطل والرشوة والاكتناز.

وبالتالي فلا عدالة شاملة إلا في إطار الحكم الإسلامي.

وينتقد الأستاذ سيد قطب تلك المحاولة المنهزمة التي تبحث فقط عن التشابه بين الإسلام والنظم البشرية، لتجد سندا تقول من خلاله: حتى الإسلام قال كذا وجاء بكذا.

والحقيقة أن الإسلام لا يقارن بنظام من تلك الأنظمة، فهو نظام مستقل متكامل... "إنه يقوم على أساس أن الحاكمية لله وحده... فهو الذي يشرع وحده، وسائر الأنظمة تقوم على أسس الحاكمية للإنسان، فهو الذي يشرع لنفسه" ...

وكما أن الإسلام ليس نظاما من الأنظمة البشرية فكذلك ليس هو خليطا منها "وليس مستمدا من مجموعها".

وإن كان قد "يحدث في تطور النظم البشرية أن تلتقي بالإسلام تارة، وأن تفترق عنه تارة".

إلا أنه يختلف عنها في الأصل والصميم.

وبالتالي لا يجوز الحديث عن "اشتراكية الإسلام" و"ديمقراطية الإسلام"...

يقوم نظام الإسلام -حسب الأستاذ سيد قطب- على فكرتين أساسيتين هما:

1- وحدة الإنسانية: في الجنس والطبيعة والنشأة، والمساواة المطلقة بين جميع بني الإسلام.

2- عالمية الإسلام: هو النظام العالمي العام "الذي لا يقبل الله من أحد نظاما غيره"، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أُرسل إلى الناس كافة...

لكن ذلك لا يعني إكراههم على الدخول في الإسلام بل هم أحرار، والحكم الإسلامي "يضمن للجميع المساواة المطلقة والتكافل التام" مسلمين وغير مسلمين .."

وذلك لأنه ينطلق من قاعدتين أساسيتين هما:

أ‌- قاعدة الحاكمية: الحاكمية لله وحده في الخلق والمشيئة والمنهج والتشريع، وإلا وقع الناس في الشرك أو الكفر.

"وبناء على هذه القاعدة لا يمكن أن يقوم البشر بوضع أنظمة الحكم وشرائعه وقوانينه من عند أنفسهم".

ومنه على الحاكم والمحكوم استحضار الرقابة الإلهية في كل تصرف.

ب‌- قاعدة العدل: أي على الحكام أن يحكموا بعدل الإسلام {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}

وعلى أساس ذلك تجب طاعة المحكومين لهم، ولا طاعة في غياب الحكم بالعدل "لأن ولي الأمر في الإسلام لا يطاع لذاته، وإنما يطاع لإذعانه هو لسلطان الله واعترافه له بالحاكمية، ثم لقيامه على شريعة الله ورسوله...

ثم تنفيذه لهذه الشريعة" وإلا لما استحق السمع والطاعة.

الوسيلة الثانية: سياسة المال

تقوم سياسة المال في الإسلام على تحقيق العبودية لله وحده، وذلك بالخضوع لشرعه حتى تتحقق مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وذلك باعتماد وسيلتين اثنتين يقوم عليهما الإسلام "في تحقيق أهدافه جميعا" هما:

التشريع: أي التشريع المالي الذي يرمي إلى تحقيق المجتمع الصالح.

التوجيه: أي توجيه التداول المالي لتطوير الحياة البشرية إلى الأحسن.

لهذا يحفظ الإسلام المِلكية الفردية ويعاقب الاعتداء عليها بأشد العقوبات، لكنها ليست حرية مطلقة على حساب مصلحة الجماعة، بل هي حرية تصرف وانتفاع تصب في بناء المجتمع التكافلي التكاملي الذي يحارب الترف والحرمان في نفس الوقت (الزكاة، الصدقة...)، وتخضع لمقومات الشرع سواء في تملك المال أو صرفه (التوسط بلا إسراف ولا تقتير)، أو تنميته (تحريم الربا والاحتكار..).

ويخلص الأستاذ سيد قطب رحمه الله إلى أن سياسة المال في الإسلام تقوم على قاعدتين هما:

أ- قاعدة الاستخلاف: المال مال الله، والناس مستخلفون فيه بشرط حفظ شريعة الله فيه، وكل تجاوز للشرط نقض للاستخلاف.

ب- قاعدة التملك المشروط: للفرد حق التملك والاستثمار بشرط الخضوع للشرع وبشرط التكافل الجماعي.

الشهيد سيد قطب ومعركته مع الإقطاع

كان للشهيد سيد قطب بعض الكتابات الأخرى التي تناولت قضايا متعلقة بتطبيق العدالة الاجتماعية وإنهاء الإقطاع وخاصة في ظل تأخر مجلس قيادة ثورة 1952 في مصر في إنهاء الإقطاع فكان للشهيد قطب جولة لدعم الثورة لمحاربة وإنهاء الإقطاع، فكتب مشيداً بقرار مجلس قيادة الثورة بإنهاء الإقطاع فكتب تحت عنوان (تصحيح للأوضاع):

أن ما تم صبيحة يوم الأحد الماضي كان تصحيحا للأوضاع - تصحيحا لا مفر منه - فقد كان عجيبا أن تقوم الثورة لإزالة عهد الإقطاع، ثم يبقى أمراء الإقطاع طلقاء يحاربون الثورة مطلقي اليد، وفى أيديهم المال والنفوذ المأجورون.

وكان عجيبا أن تقوم الملوثون والمفسدون والمرتشون طلقاء، يشترون الصحافة ويبثون الفتن والدسائس، ويطلقون الإشاعات والأراجيف.

وكان عجيبا أن تقوم الثورة لإصلاح أداة الحكم، ثم يبقى الرجال القدامى الذين فسد على أيديهم الحكم، يصرفون الأمور بعقلية الروتين، يفتحون أبوابهم وصدورهم لكل من يريد تعويق حركات الإصلاح ..

كما نشرت مجلة الدعوة تحت عنوان (أموال تحديد الملكية):

من أهم أغراض تحديد الملكية الزراعية تقريب مستويات المعيشة بين الطبقتين الكادحة والمترفة وذلك برفع مستوى الأولى وتخفيض مستوى الثانية بحيث يهبط الفارق المادي الذي هو عنوان التفاوت بين الطبقات، وهذا يحقق عدة نتائج طيبة أبرزها:

أ- تخفيف وطأة الحرمان الذي يدفع الطبقة الكادحة إلى التبرم والسخط وكراهية النظم القائمة .

ب- انعدام الجرائم التي تدفع إليها المسغبة كالسرقة والزنا والاتجار بالمحرمات.

جـ- صيانة فائض الدخل الذي يبدده الأغنياء لا في الكماليات فحسب بل فيما يقوض المجتمع ويتلف أفراده كالخمر والميسر والحفلات الماجنة والسهرات الخليعة.

د- القضاء على طغيان رجال الإقطاع.

فماذا يكون الحد المناسب للملكية الذي يتحقق به تقريب مستويات المعيشة؟ ..

كما نشرت أيضاً بعنوان (أين قانون تخفيض إيجارات المساكن؟)

في مطلع العهد الجديد أذيع بين الناس أن الوزارة ستصدر قانونا ستخفض به إيجارات المساكن، باعتبار هذه الإيجارات العبء الأكبر على مالية الموظف والتاجر ومتوسط الحال، وأنه لا معنى لبذل الجهود لتوفير 20 قرشا في الشهر في السكر، أو قرشين في البترول أو ملاليم، وعلى المستهلك عبئ عدة جنيهات تدفعها مرة واحدة. تقضم ماليته قصما يذهب بها ويربكها إلى آخر الشهر.. وقد سبقت إحدى الجرائد الحوادث فحددت النسب... ثم قيل بعد ذلك أن القانون سيدرس وحتى الآن لم يدرس القانون ولم نسمع عنه شيئا.. إننا لا نريد لهذا العهد الكريم الذي اتسم بالسرعة والجراءة والنشاط ألا يذكرنا بالعهد القديم البائد... نريد هذا القانون الذي لن تصلح الأمور إلا به فأصدره ..(

العدالة الاجتماعية

عند د. مصطفى السباعي – رحمه الله -

يعتبر العالم السوري د مصطفى السباعي أحد رموز الفكر الإسلامي الحديث ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين بسوريا، وكان كتابه اشتراكية الإسلام أحد الأسس الراسخة في تأسيس فكر الاقتصاد الإسلامي المبنى على تحقيق العدالة الاجتماعية، فقد دعا د. السباعي إلى التَّكافل الاجتماعي لسدِّ حاجات الفقراء واليتامى والمسنين والغارمين وأبناء السبيل،

وكان يرى أن تنهض الدَّولة بكفالة هؤلاء، وإن لم تكفِ مواردها، فلها أن تصادر ما هو ضروري ولازم للحياة الكريمة، في المجتمع الإسلامي المتَّصف بالتَّكافل والعدل، وعلى الدَّولة أن تقضي على كل الأسباب التي تحول دون ذلك.

كما كان له دور بارز في إنشاء لجان لجمع التَّبرعات والإعانات وتوزيعها على المحتاجين، وكوّن (اللَّجنة التَّعاونية) لجنة دائمة تسعى لتحقيق هذا الغرض.

وتبنَّى د. السباعي مفهوم الاشتراكية الإسلامية عندما كان عضواً في الجمعية التَّأسيسية، ثم كوّن (الجبهة الاشتراكية الإسلامية) في البرلمان، منطلقاً من أن الإصلاح والعدل الاجتماعيين يمثلان ركيزتين أساسيتين للفكر الإسلامي الذي يدعو إليه الإخوان المسلمون ويتبنونه.

وكان له في البرلمان، وفي أثناء وضع الدُّستور السُّوري مناقشاتٌ فعالةٌ لقانون العمل، وكان تأثيره كبيراً في النَّص على حقوق العمَّال، وضمان مصالحهم، وتحسين ظروف عملهم،

كما خاض معارك ضاريةً ضد الإقطاع والإقطاعيين الذين كانوا يمثِّلون نسبةً كبيرةً في البرلمان، واستطاع هو زملاؤه في الجبهة تحقيق مكاسب مهمةٍ للفلاحين، من حماية مصالحهم، ورفع مستواهم، وتوزيع أراضي الدَّولة عليهم، كلُّ ذلك لتحقيق استثمار أرض الوطن استثماراً صالحاً، ولإقامة علاقات اجتماعية سويَّة بين أفراد المجتمع.

اشتراكية الإسلام كما يراها د. السباعي

يعبر الشيخ مصطفى السباعي عن الدلالة العامة المشتركة لمصطلح الاشتراكية بقوله (لقد سميت القوانين والأحكام التي جاءت في الإسلام لتنظيم التملك وتحقيق التكافل الاجتماعي باشتراكية الإسلام).

ثم يحدد خصائص اشتراكية الإسلام في النقاط التالية :

إن اشتراكية الإسلام ليست اشتراكية الدراويش والزهاد، كبعض الصوفية وفقراء الهنود، الذين ينفرون من المال والتملك، جبنًا منهم عن تحمل أعباء الحياة ومسؤولياتها، وإنما هي اشتراكية حضارية إيجابية بناءة، تقيم أكمل مجتمع حضاري متمدن. وان اشتراكية الإسلام تحارب الفقر والجهل والمرض والخوف والمهانة.

وان مستوى المعيشة في اشتراكية الإسلام مستوى مرتفع.

وان اشتراكية الإسلام تشرك الشعب مع الدولة في تحقيق التكافل الاجتماعي، كما في نظام نفقات الأقارب.

وان اشتراكية الإسلام تحارب الترف والبذخ واللهو الماجن في السلم والحرب.

وان اشتراكية الإسلام تُخضع الحكومة لإرادة الشعب، لا العكس.

وان اشتراكية الإسلام توسّع دائرة التكافل الاجتماعي، ومن ثم فهي أكثر ضمانًا لكرامة الإنسان وسعادته.

وان اشتراكية الإسلام ليست نظرية ولا عاطفية، بل هي عملية.

كما يحدد د. السباعي – رحمه الله- الفرق بين اشتراكية الإسلام وبين الرأسمالية في أنهما يتفقان في إعطاء الفرد حق التملك، والتنافس في الإنتاج.

ويختلفان في أن حق التملك في اشتراكية الإسلام يخضع لمصلحة الجماعة، وفي الرأسمالية تخضع الجماعة لمصلحة رأس المال.

كما يختلفان في أن التنافس في الاشتراكية الإسلامية يشيع الحب والتعاون في المجتمع، وفي الرأسمالية يشيع العداء والخلاف والاضطراب. وان الرأسمالية ملطخة بدماء الشعوب، والاستعمار، والاستعباد، واللصوصية، والاستغلال.

ولاشيء من هذا في اشتراكية الإسلام.

أما موقفه من الدلالة الخاصة المتفردة للاشتراكية فيتمثل فى تحديده الفرق بين اشتراكية الإسلام وبين الشيوعية والتي حددها في النقاط التالية:

إن اشتراكية الإسلام تنسجم مع الفطرة الإنسانية في إباحة الملكية الشخصية.

وان اشتراكية الإسلام تبيح التنافس، أما الشيوعية فترى أنه يجرّ البلاء على المجتمع.

وان اشتراكية الإسلام تقوم على التعاون، والشيوعية تقوم على الصراع وحرب الطبقات، مما يؤدي إلى الحقد.

وان اشتراكية الإسلام تقوم على الأخلاق، بخلاف الماركسية.

وان اشتراكية الإسلام تقوم على الشورى، والشيوعية تقوم على الاستبداد والدكتاتورية والإرهاب.

ومن أقوال د. السباعي:

" الجهل بالدين مرتع خصيب لضلالات الشياطين، والفقر في الدنيا مرتع خصيب لمؤامرات المتربصين، وفقدان العدالة الاجتماعية مرتع خصيب للثورات والبراكين، ومخالفة دين الله مرتع خصب للهلاك المبين"

ويقول د. السباعي: إن الذين ينكرون أن يكون الإسلام عدالة اجتماعية، قوم لا يريدون أن يبهر نور الإسلام أبصار الناس ويستولي على قلوبهم، أو قوم جامدون يكرهون كل لفظ جديد ولو أحبه الناس وكان في الإسلام مدلوله، وإلا فكيف تنكر العدالة الاجتماعية في الإسلام وفي تاريخه هذه المؤاخاة الفذة في التاريخ، وهي التي عقدها صاحب الشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه، وطبقها بإشرافه، وأقام على أساسها أول مجتمع ينشؤه، وأول دولة يبنيها؟ ..

مظاهر العدالة الاجتماعية والإنسانية عند د. السباعي

يعرض د. السباعي بعض مظاهر البعد الإنساني في الحضارة الإسلامية ومن أهمها المساواة وهى أحد أسس العدالة الاجتماعية فيقول د السباعي:

وأما النزعة الإنْسَانيَّة في تشريعنا الحضاري، فإنَّك لتلمس ذلك واضحًا في كل باب من أبواب التَّشريع:

في الصَّلاة: يقف الناسُ جميعًا بين يدي الله، لا يُخصَّص مكانٌ لملك أو عظيم أو عالم.

وفي الصَّوم: يجوع الناسُ جوعًا واحدًا، لا يفرد من بينهم أمير، أو غني، أو شريف.

وفي الحجِّ: يلبس النَّاس لباسًا واحدًا، ويقفون موقفًا واحدًا، ويُؤدُّون منسكًا واحدًا، لا تَمييز بين قاصٍ ودانٍ، وقوي وضعيف، وأشراف وعامة.

فإذا انتقلت من ذلك إلى أحكام القانون المدني، وجدت الحقَّ هو الشِّرعة السائدة في العلاقة بين النَّاس، والعدل هو الغَرَض المقصود من التشريع، ودفع الظُّلم هو اللِّواء الذي يحمله القانون؛ ليَفِيء إليه مضطهدٌ ومظلومٌ.

فإذا انتقلت من ذلك إلى القانون الجزائي، وجدت العُقُوبة واحدة لكل من يرتكبُها من الناس، فمَن قَتَل قُتل، ومن سَرَق عُوقِب، ومن اعتدى أُدِّب، لا فرق بين أن يكون القاتل عالمًا أو جاهلاً، والمقتول أميرًا أو فلاحًا، ولا فرق بين أن يكون المعتدي أمير المؤمنين، أو صانع النسيج، والمعتدى عليه أعجميًّا أو عربيًّا، شرقيًّا أو غربيًّا؛ فالكلُّ سواءٌ في نظر القانون؛ {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178].

ويسْمُو التَّشريع إلى أرفعَ من هذا، حين يُثبت الكرامة الإنْسَانية للنَّاس جميعًا، بقطع النَّظر عن أديانهم وأعراقهم وألوانهم؛ فيقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70]،

هذه الكرامة هي التي تضمن للنَّاس جميعًا حقهم في الحَيَاة والعقيدة والعلم والعيش، هي للناس جميعًا، ومن واجب الدَّولة أن تكفلها لهم على قدم المُساواة بلا استثناء ...

            العدالة الاجتماعية

عند الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله -

كتب الشيخ الغزالي أقدم وأحد أشهر ثلاثة كتب ظهرت بالعربية عن فلسفة النظام الاقتصادي الإسلامي؛

كتاب االشيخ الغزالي فهو (الإسلام والمناهج الاشتراكية)، والكتابان الآخران هما (العدالة الاجتماعية في الإسلام) للشهيد سيد قطب، و(اشتراكية الإسلام) للدكتور مصطفى السباعي.

وقد جاءت الكتب الثلاثة إبان صعود المد الفكري الاشتراكي في العالم العربي في الأربعينيات وما بعدها، وتميزت ثلاثتها بالأصالة الفكرية والإضافة إلى الفكر الإسلامي، وذلك على الرغم من أن مصطلح (الاشتراكية) ظهر في عنوانيْ كتابين منها، بينما آثر الأستاذ سيد قطب نَحْتَ مصطلح (العدالة الاجتماعية) الذي شاع استخدامه بعد ذلك.

ومع أن آراء الشيخ الغزالي الاقتصادية قد تشعبت لتشمل قضايا المساواة، والحرية، والكرامة الإنسانية، إلا أننا سنقتصر هنا على ما يهم الناس عادة عند التطرق لقضايا الاقتصاد وتنظيم الحياة الاقتصادية، وفي هذا المقام فإن أهم ما يهم هو:

حق العمل:

الذي يكتسب في ظل النظام الإسلامي أهمية خاصة، إذ إنه الحق الذي تترتب عليه حقوق الملكية، وهو كذلك هدف مقصود من غايات الخلق، وتكليف من تكاليف الرسالة .

ولحكمة عليا جعل الإنسان يكدح لابتغاء الرزق: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ (الأنبياء:8). ويقرر الإسلام لكل أفراد المجتمع حق اختيار نوع العمل الذي يوافق مواهبهم، ونوع التدريب الذي من حقهم أن يحصلوا عليه، بيد أن العمل قد قيد بأطر تشريعية تمنع الغش فيه والسرقة والاحتكار والاستغلال وسائر أنواع الكسب الحرام.

حق الأجر:

يقرر الشيخ الغزالي أن العمل سلعة مثله مثل أية سلعة أخرى.

والسلع جميعاً تترك في ميدان السوق لقانون العرض والطلب، وقلَّما تتدخل الدولة لتحديدها: " ونحن نرى أن الموظفين والعمال أصحاب خبرة ودراية ومهارة، وأن الخدمات التي يؤدونها للمجتمع لا تعدو أن تكون هي الأخرى سلعاً يرتفق الناس بها، ولا يستغنون عنها.

فهل تترك هذه المواهب والمنافع المقرونة بها، في مهب الريح ترتفع وتنخفض دون ضابط عدل؟ ... لا!!

إن الجهد البشري الذي يبذله موظف أو عامل في إنجاز أمر من الأمور، أو إتقان سلعة من السلع، له عوض مالي يمكن جعله ثمناً مقبولاً له، فإذا تدخلت ظروف مصطنعة لبخس هذا الثمن أو المغالاة فيه، فإن العدالة التي قررتها الشريعة فمنعت المتبايعين في الأسواق عن التغرير والخداع والاحتكار، تنتقل هنا لتمنع كذلك الغلو والحيف، أو الجشع والانكسار.

والواقع أن الخدمات العلمية والفنية واليدوية يجب أن تلقى مقابلاً مجزئاً، لا يشعر معه الموظف أو العامل أن جهده أُهدِر، وأن مواهبه بيعت بثمن بخس".

فالدولة الإسلامية ملزمة – إذن- بحماية العمال ضد تغول الرأسماليين الذين أثبت لهم التاريخ طبيعة الجشع والاستغلال. حق الملكية:

والملكية تثبت عادة اكتساباً عن العمل، ولكن الإسلام لا يمنع وسائل التملك الأخرى كالميراث والهبة، ولكن يبقى العمل هو وسيلة التملك الأساسية، ومن هنا تنتفي وسائل السخرة والاستغلال والاحتكار والربا.

وقد احترم الإسلام حق الملكية ووضع الضوابط الكثيرة لحمايته وتعزيزه، إذ :

" أنه أثقل هذا المبدأ بالواجبات الاجتماعية النبيلة حتى يكون المال في يد صاحبه مصدر خير له وللناس".

ففيه حق للفقراء المحرومين من الزكاة، وفيه حقوق أخرى للمجتمع غير الزكاة، وهو مجرد استخلاف على المال، المحتاج إليه أحق من التلوي عليه في بعض الأحيان، كما عبر سيدنا عمر بن الخطاب عند استنكاره لسلوك بعض الناس عند حرمانهم ابن السبيل من الماء، فقال: " إن ابن السبيل أحق بالماء من الثاوي عليه ".

والضمان الاجتماعي مبدأ قديم قدم الدولة الإسلامية، قرره رسول الله عندما كفل الفقراء والمعدمين، وقرر لهم حق (العطاء) الثابت في بيت المال، بما يكفي حاجاتهم، يدفع عوزهم،

وإذا كانت الدول جميعاً، بما فيها أشدها تطرفاً وغلواً في الرأسمالية، قد رأت أهمية مستوى حياتهم، فإن هذا المبدأ قد تقرر من قديم الزمان في الإسلام، وما كان سوى اشتقاق طبيعي من مبدأ العدل الإسلامي العام؛

وما كان الإسلام ليحتاج إلى أن يكتشف، اكتشافاً متأخراً، أن مبدأ فائض القيمة بما يؤدي إليه من إفقار متزايد للفقراء، وتوسيع لهوة التباين الطبقي في المجتمع، يمكن أن يولد شرارات الثورة والاحتراب الاجتماعي؛ فقد كفى الإسلام المسلمين شر بلايا تلك التجربة الوبيلة، وبالتالي عصم مجتمعاتهم من أن تنشأ فيها صور الإقطاع والظلم الطبقي الفادح كما اعترف بذلك بعض المنظرين الماركسيين.

وبما أن الدولة الإسلامية مكلفة بإرساء قواعد المساواة والعدل، فإنه لا ينتظر منها أن تقف تلقائياً في صف أصحاب الملكيات وأرباب العمل، كما تفعل الدولة الليبرالية، وإنما عليها أن تصغي إلى العمال والمستخدمين وتمكنهم من الضغط على مستخدميهم لاستيفاء حقوقهم.

وهنا لا يمانع الشيخ الغزالي من أن تنشأ نقابات مهنية قوية في المجتمع المسلم، تكون بمنـزلة جماعاتِ مصالح ومراكز ضغطٍ، تعمل في سبيل انتزاع حقوق منسوبيها.

وإن كان الشيخ الغزالي لم يفصل كثيراً في موضوع النقابات – وهو تفصيل ليس مطلوباً منه بالطبع- فإنه يمكن القول إن فكرة إعطاء النقابات حظاً من القوة التي تستطيع بها التأثير في عملية اتخاذ القرار، إنما هو فرع من عملية الشورى في المجتمع المسلم، وهي العملية التي تتوخى توزيع القوة توزيعاً عادلاً في المجتمع، وبداية ذلك إنما تكون بتخفيض قوة الدولة والرأسماليين، وتزويد الطبقات المسحوقة بشيء من أدوات الضغط لتمكينها من الإسهام في صياغة القرار ..

ويعرض د. محمد عمارة في مقاله (الشيخ الغزالي‏..‏ أم كارل ماركس؟‏!‏) مقارنة فكرية بين الشيخ محمد الغزالي وبين كارل ماركس مؤسس الفكر الاشتراكي الشيوعي حول مفهوم العدالة الاجتماعية وتبنى الشيخ الغزالي لها فطرح د. عمارة بعض رؤى الغزالى فى العدالة الاجتماعية من منظور إسلامي فكتب:

كانت العدالة الاجتماعية هي أولي الفرائض الغائبة في بلاد الإسلام.. ولقد احتلت هذه القضية مكان الصدارة لدي عدد كبير من رموز الحركة الإصلاحية الإسلامية من جمال الدين الأفغاني.. ومحمد عبده.. وحسن البنا.. وحتى الشيخ محمد الغزالي.. ومن بعده سيد قطب،

لقد جعل الشيخ الغزالي رحمه الله ـ من قضية العدل الاجتماعي أولي معاركه الفكرية، التي أفرد لها أول مؤلفاته: الإسلام والأوضاع الاقتصادية 1947، وكان سيد قطب أول من لفت الأنظار إلي هذا الكتاب.

ولأن هذه القضية قد غابت ـ أو كادت ـ عن برامج الأحزاب الإسلامية المعاصرة، كان من الواجب تذكيرهم ببعض ما كتب الغزالي في هذا الموضوع.. لقد قال:

لقد رأيت - بعد تجارب عدة - أنني لا أستطيع أن أجد بين الطبقات البائسة الجو الملائم لغرس العقائد العظيمة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة!!..

انه من العسير جدا أن تملأ قلب إنسان بالهدي اذا كانت معدته خالية، أو أن تكسوه بلباس التقوي اذا كان جسده عاريا!.. انه يجب أن يؤمن علي ضروراته التي تقيم أوده كإنسان، ثم ينتظر بعدئذ أن تستمسك في نفسه مبادئ الإيمان..

لذلك، لابد من التمهيد الاقتصادي الواسع، والاصلاح العمراني الشامل، اذا كنا مخلصين حقا في محاربة الرذائل والمعاصي والجرائم باسم الدين، أو راغبين حقا في هداية الناس لرب العالمين..

إن بعض ذوي الآفاق المغلقة يتوهمون أن إدخال العوامل الاقتصادية في الرذائل والفضائل جنوح إلي التفكير الشيوعي القائم علي النظرة المادية المحضة للحياة، واستهانة بالقوي الروحية السمية..

وهذا التوهم خاطئ، فلسنا نغض من قيمة الجانب الروحي..

بيد أن ذلك لا يعني إغفال المشاهد المحسوسة، من تولد الرذائل الخطيرة في المجتمعات المصابة بالعوز والاحتياج، بل إن الاضطراب الاقتصادي في أحوال كثيرة جدا قد يكون السبب الأوحد في نشوء الرذيلة وشيوعها، والحديث النبوي الذي يلمح فيه نبي الإسلام ـ صلي الله عليه وسلم ـ إلي أن المعاصي توقع فيها الضوائق المادية ـ

حديث: إن المدين قد تلجئه قلة الوفاء إلي الكذب.. يضع أيدينا علي طرف الحقيقة التي بدأ الناس يفهمونها الآن كاملة!

إن بقاء كثير من الناس صرعي الفقر والمسكنة، هو هدف أكثر الحكومات المتتابعة، في العصور السابقة واللاحقة، إذ إن تجويع الجماهير هو بعض الدعائم التي تقوم عليها سياسة الظلم والظلام، ومن هنا انتشر الفقر في الشرق، وسخر الدين ورجاله لحمل الناس علي قبوله واستساغته، وفسرت نصوص الدين المتصلة بهذا المعني تفسيرا مستقيما، نسي الناس معه حقوقهم وحياتهم، وجهلوا دنياهم وأخراهم، وحسبوا الفقر في الدنيا سبيلا إلي الغني في الآخرة!!

إن هدف الديانات والرسالات هو قيام التوازن بين الناس بإقامة العدل الاجتماعي والسياسي فيهم.. وقيام الناس بالقسط ـ العدل ـ هو محور الارتكاز الذي لا يتغير أبدا، وقد قال بعض علماء الأصول: إن مصالح الناس المرسلة، لو وقف دون تحقيقها نص تم تأويل النص، وأمضيت المصالح التي لابد منها وللحكومة - من وجهة النظر الدينية - أن تقترح ما تشاء من الحلول، وأن تبتدع ما تشاء من الأنظمة لضمان هذه المصلحة، وهي مطمئنة إلي أن الدين معها لا عليها ما دامت تتحري الحق، وتبتغي العدل، وتنضبط بشرع الله فيما تصدره من اقتراحات وقوانين.

إن المال الذي يكفي لإذهاب الغيلة، واستئصال الحرمان، وإشاعة فضل الله علي عباده، يجب إخراجه، مما عظم من ثروات الأغنياء، ولو تجاوز بعيدا مقادير الزكاة المفروضة، لأن حفظ الحياة حق إسلامي أصيل، ومقادير الزكاة ليست إلا الحد الأدنى لما يجب إنفاقه، وقد ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم " إن في المال حقا غير الزكاة " رواه الترمذي.

وبعد هذا التحليل الاجتماعي الإسلامي للقضية الاجتماعية..

وبعد عرض فلسفة الإسلام في الثروات والأموال.. وضع الشيخ الغزالي برنامجا اجتماعيا واقتصاديا، سبق به الحزب الشيوعي المصري وطالب الحكومة بتنفيذه، لإقامة العدل بين الناس.. وفي هذا البرنامج طالب ودعا إلي:

1- تأميم المرافق العامة، وجعل الأمة هي الحاكمة الأولي لموارد الاستغلال، وإقصاء الشركات المحتكرة لخيرات الوطن، أجنبية أو غير أجنبية، وعدم إعطاء أي امتياز فردي من هذا القبيل.

2- تحديد الملكيات الزراعية الكبري، وتكوين طبقة من صغار الملاك تؤخذ نواتها من العمال الزراعيين.

3- فرض ضرائب علي رؤوس الأموال الكبري، يقصد بها تحديد الملكية غير الزراعية.

4- استرداد الأملاك التي أخذها الأجانب وإعادتها إلي أبناء البلاد، وتحريم تملك الأرض المصرية علي الأجانب تحريما مجرما.

5- ربط أجور العمال بأرباح المؤسسات الاقتصادية التي يعملون بها، بحيث تكون لهم أسهم معينة مع أصحابها في الأرباح.

6- فرض ضرائب تصاعدية علي التركات تنفق في أوجه الخير علي النحو الذي أشار إليه القرآن، إذ يقول: (وإذا حضر القسمة أولو القربي واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) [النساء 8]

ثم ختم الشيخ الغزالي بنود هذا البرنامج الاجتماعي الاقتصادي بقوله: إنه لو لم يبق لكل فرد من أفراد الشعب إلا قوته الضروري لما جاز أن تتراجع الدولة في تحقيق هذا البرنامج الذي تعلن به الحرب علي الظلم والجهالة والاستعمار.

هكذا تحدث الشيخ الغزالي حديث الفيلسوف الاجتماعي والخبير الاقتصادي، الذي تربي في مدرسة القرآن والذي أعلن أن مالك المال هو الله، وأن الناس - كل الناس - مستخلفون في هذا المال (وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) [الحديد 7]،

لقد ثار الشيخ الغزالي ضد ترك الأمة أموالها - وأموال الله للسفهاء - مع أن القرآن ينهي عن ذلك، ويقول: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل لكم قياما) [النساء 5]

لقد كان الشيخ الغزالي واحدا من فلاسفة العدل الاجتماعي في القرن العشرين..

ولقد قال قبل وفاته: إن عندنا في الإسلام نظريات اقتصادية لو عرفها الأوروبيون لطلقوا كارل ماركس وداسو عليه بالنعال، كما فعلوا الآن، وأن النظام الرأسمالي المنتعش الآن ستهلكه جراثيمه وتلحقه بالنظام الشيوعي! ...

العدالة الاجتماعية

غاية الدولة الإسلامية في فكر الإخوان

كان للمرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني -رحمه الله- رؤية خاصة في مفهوم العدالة الاجتماعية، فيرى يرحمه الله أن تحقيق وتطبيق العدالة الاجتماعية كان هدف رئيسي وراء الفتوحات الإسلامية، حيث يقول:

كما أنه في شرع الله مقاومة الاستعمار والاستغلال، وما دخل المسلمون بلدًا، فأرغموا أهلها على ترك عقيدتهم أو أموالهم، بل أبقَوْا كل فرد على ما كان عليه من دين أو دنيا، وكل ما فعله المسلمون في البلاد التي دخلوها هو إقامة العدالة الاجتماعية الصحيحة الكاملة بين الجميع - وغير المسلمين لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين- حتى الجزية منعوا أخذها من الضعفاء والفقراء والمساكين، وجعلوها على القادرين في رفق وهوادة. وهذا مما جعل أهل كل بلد دخلها المسلمون يدخلون في دين الله أفواجًا من تلقاء أنفسهم، بلا ضغط أو إكراه ...

كما يبين د عبد المنعم أبو الفتوح في أحد النشرات الجامعية (نشرة صوت الحق) التي تم توزيعها على طلاب الجامعات في السبعينات أن غاية الرسل هي إقامة نظام اجتماعي عادل وتحقيق عدالة الاجتماعية منبعها الإيمان بالله ورسله:

للدولة الإسلامية القائمة إلى أساس هذا الدستور غاية ذكرها الله تعالى في كتابه في مواضع عديدة منها قوله:-" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس" [الحديد 25]

والآية قد بينت ما تبعث الرسل لأجله، وهو أن الله قد أراد ببعثهم أن يقيم في العالم نظام العدالة الاجتماعية على أساس ما أنزل عليهم من البيانات وما أنعم عليهم في كتابه من الميزان أي نظام الحياة الإنسانية العادل.

وقال في موضع آخر:" الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" [الحج 41]

وقال: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" آل عمران (110)

فمن تدبر هذه الآيات اتضح له أن الدولة التي يريدها القرآن ليس لها غاية سلبية فقط بل لها غاية ايجابية أيضا أي ليس من مقاصدها المنع من عدوان الناس بعضهم على بعض وحفظ حرية الناس والدفاع عن الدولة فحسب، بل الحق أن هدفها الأسمى هو نظام العدالة الاجتماعية الصالح الذي جاء به كتاب الله ...

ألهمنا الله وإياك الرشد وهدانا سواء السبيل ... آمين

والله أكبر ولله الحمد

وسوم: العدد 694