أهل الحل والعقد

تفريغ نصي من برنامج #جدل_سياسي 

الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه: 

الجدل السياسي 

من هم أهل الحلّ والعقد؟: 

المشكلة: عندما نتحدّث عن المشروع السياسيّ عن طريق الانتخابات يقولون، لم تكن الانتخابات على زمن السلف الصالح، ولذلك لايجوز إسناد السلطة عن طريقها، ويعلّلون ذلك بما يلي: 

- إنّ الانتخابات هي من آليّات الديقراطية المنافية للشريعة بل والمصادمة لها. 

- إنّ الانتخابات تسوي بين الماجن والمغنية وبين العالم والحكيم 

- إن الانتخابات توصل غير المسلمين إلى السلطة، وهذا حرام، وبعضهم يقول إنّه كفر.

- إن البديل في النظام الإسلامي موجود، وهو (أهل الحلّ والعقد) فلا داعي لاعتماد الانتخابات. 

وسنبدأ بالأخيرة كونها محلّ البحث:

من هم أهل الحلّ والعقد؟:  

أهل الحلّ والعقد عند أهل العلم: هم أهل الشأن من الأمراء والعلماء والقادة والساسة ووجوه الناس.

 وكيف يعيّن أهل الحلّ والعقد؟:

لايوجد صورة تاريخيّة واحدة ومحدّدة لتعيينهم:

1- فالخليفة الأوّل (أبو بكر) رضي الله عنه بايعه الأصحاب في السقيفة، ثمّ المسجدِ.

2- وعمر رضي الله عنه، عهد له الخليفة أبو بكر وبايعه الناس في المسجد.

3- وعثمان أشبه مايكون بانتخابات على مستوى المدينه، وكلّ زمن وخليفة تختلف الصورة، وأكثرها استقراراً هي توريث الحكم في بني أمية والعباس ومن جاء بعدهم.

يقول الدكتور عبد الكريم زيدان في أصول الدعوة: إذا كان انتخاب الخليفة من حقّ الأمة، ولها أن تباشر هذا الحقّ والشروط التي يجب أن تتوافر فيهم ثلاثة كما قال المارودي في الأحكام السلطانية:

- العدالة الجامعة لشروطها.

- العلم الذي يتوصّل به إلى معرفة من يستحقّ الإمامة على الشروط المعتبرة في الإمام.

-الرأي والحكمة المؤدّيان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح، وبتدبير المصالح أقوم وأعرف أن يكون من ذوي الشوكة الذين يتبعهم الناس، ويصدرون عن رأيهم، ليحصل بهم مقصود الولاية.  عن طريق أهل الحلّ والعقد، فمن هم أهل الحلّ والعقد؟ وما علاقتهم بالأمّة؟ وكيف ينالون هذه المنزلة؟.

فإنَّ المتبادر إلى الذهن أنَّ الأمّة هي التي ترفعهم إلى هذه المنزلة باختيارها إيّاهم، ولكنّنا لا نجد في السوابق التاريخيّة القديمة ما يشير إلى أنَّ الأمة اجتمعت وانتخبت طائفة منها، وأعطتها صفة أهل الحلّ والعقد، ومع هذا فإنَّ خلوَّ السوابق التاريخيّة مما ذكرنا لا يدلّ على أنَّ من كانوا يسمَّون (أهل العقد والحلّ) ما كانوا يمثلون الأمّة، ولا يعتبرون وكلاء عنها، لأنَّ الوكالة ـ كما هو معروف ـ تنعقد صراحة أو ضمنًا، وقد كانت وكالة أهل العقد والحلّ عن الأمّة في عصر الإسلام الأوّل ـ عصر الخلفاء الرّاشدين ـ وكالة ضمنيّة، لأنّهم كانوا معروفين بتقواهم وسابقتهم في الإسلام، ودرايتهم بالأمور، وإخلاصهم في العمل، مع فضل الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدح الله لهم في قرآنه الكريم، وثناء رسوله العامّ والخاصّ عليهم، ومن ثَمَّ فقد كانوا حائزين على رضا الأمّة وثقتها، فما كانت هناك حاجة لقيام الأمّة بانتخابهم وتوكيلهم عنها صراحة، وحتّى لو قامت بهذا الانتخاب لما فاز فيه إلّا أولئك الأخيار الذين عُرِفوا بـ (أهل العقد والحلّ)، ولَمَا نازعهم أحد في هذه المنزلة، ومن ثَمَّ كان انتخابهم يعتبر انتخابًا من الأمّة نفسها، لأنّه تَمَّ بتوكيل ضمنيّ منها لهم، للقيام بهذا الانتخاب. اهـ. 

ثم قال تحت عنوان: معرفة أهل العقد والحلّ في الوقت الحاضر: وإذا أخذنا في الوقت الحاضر بالانتخاب غير المباشر لرئيس الدولة، وفقًا للأحكام الشرعيّة، فلا مناص من قيام الأمّة بانتخاب من يمثلونها وينوبون عنها في مباشرة هذا الانتخاب، ومن تنتخبهم الأمّة لهذه المهمة يمكن أن يوصفوا بأنّهم أهل (العقد والحلّ)، لمتابعة الأمّة لهم ورضاها بنيابتهم، وعلى الدولة أن تضع النظام اللازم لإجراء هذا الانتخاب، وضمان سلامته من التزييف والتضليل، وأنْ تُعَيِّن في هذا النظام الشروط الواجب توفّرها فيمن تنتخبهم الأمّة لتكوين جماعة أهل (العقد والحلّ)، في ضوء ما ذكره الفقهاء من شروط فيهم، إنَّ مثل هذا الانتخاب على النحو الذي ذكرناه ضروريّ ـ على ما نرى ـ لإيجاد أو معرفة أهل (العقد والحلّ)، ولإثبات نيابتهم عن الأمّة بالتوكيل الصريح، لأنَّ التوكيل الضمني يتعذَّر حصوله في الوقت الحاضر، لكثرة أفراد الأمّة، ولأنّ إجازة مثل هذا التوكيل الضمنيّ يفتح بابًا خطيراً على الأمَّة، ويؤذن بفوضى وشرِّ مستطير، إذ يستطيع كلُّ عاطل عن شروط أهل (الحلّ والعقد) أن يدَّعي لنفسه هذه المنزلة، وينصّب نفسه ممثِّلًا عن الأمّة ونائبًا عنها، بحجّة أنّها ترضى نيابته ضمنًا. اهـ. من كتابه أصول الدعوة.

وقال الشيخ عبد الرحمن حَبَنَّكَة الميدانيّ في كواشف زيوف المذاهب الفكريّة المعاصرة: المؤهلون لاختيار واصطفاء أمير المؤمنين الأعلى، وتأدية أمانة الحكم إليه، يختلفون من مجتمع لمجتمع، ومن بيئة لبيئة، ومن زمن لزمن، فتحديد هؤلاء هو من الأمور القابلة للتطور والتغيّر بحسب تغير أحوال النّاس، وتغيّر مستويات ثقافاتهم، ومستوياتهم الحضاريّة، ومقادير مشاركاتهم الاجتماعيّة ... وما تزال المدن الحضاريّة وقراها خاضعة للتطوّرات الاجتماعيّة التي تبرز فيها صورة جديدة، وبسببها يختلف تحديد أهل (الحلّ والعقد)، فما دام الأمر متروكاً للمسلمين فهو من أمرهم، ولهم أن ينظموا الشكل الذي يؤدّون به أمانة إمارة المؤمنين لمن هو أصلح المؤمنين لها، وهو أهلها، وقد يكون ذلك بانتخاب أعيانهم وأهل (الحلّ والعقد) منهم في مواطنهم ودوائرهم، ثم يختار كلّ أهل بلد منهم الصفوة، ثمَّ تجتمع مجالس الصفوة من البلدان في مجمع واحد لاصطفاء الأمير العام للمؤمنين، واختيار (أهل الحلّ والعقد) في بلدانهم أو قراهم أو أحيائهم أو حاراتهم، يكون من قبل المؤهّلين لمعرفة أهل (الحلّ والعقد) فيها، وقد يتم هذا تلقائيّاً، باجتماعات تعقد لهذه الغاية، أو يتمّ بصورة أخرى، ويمكن تنظيم مجالس شورى محليّة عامّة، للأمور الإداريّة والسياسيّة، يكون أعضاؤها المختارون من قبل القاعدة الشعبيّة المؤهلة للاصطفاء، هم أهل (الحلّ والعقد)، في القضايا الخاصّة بدوائر كلمتهم المسموعة، ومشورتهم المقبولة، وعن طريق هذه المجالس مع المجالس الشورى الأخرى التخصّصيّة يتمّ انتخاب أمير المؤمنين أو رئيس الدولة. اهـ.

قال الشيخ علي الطنطاوي في كتاب: تعريف عام بدين الإسلام: إنّ شريعة الاسلام قد جاءت مرنة، تصلح لكل زمان ومكان، وبيان ذلك أنّ العقائد والعبادات في الإسلام جاءت بها نصوص قطعيّة مفصّلة، لا تقبل التعديل ولا التبديل، لأنّ العقائد والعبادات لا تتبدّل بتبدّل الأزمان، ولا تختلف باختلاف الأعراف، والأوضاع الدستوريّة والمعاملات الماليّة والأحوال الإداريّة، التي تؤثّر فيها تبدّلُ الزمانِ واختلافُ العُرف، جاءت فيها نصوص عامّة؛ هي كالأساس والدعائم في البناء، وترك لنا أن نضع لكلّ زمان ما يصلح له بشرط المحافظة على هذه القواعد، وأمثّلُ على ذلك بأمثلةٍ أعرِضُها عرضاً موجزاً، من الأمثلة:

- أنّ الإسلام أوجب أن يكون الحاكم منتخباً برأي الأمّة، وأن يكون فيه من الصفات ما يمكّنه من القيام بأعباء الحكم، وأن يلتزم بالدستور الإسلاميّ الذي هو القرآن، وأن يستشير أهل (الحلّ والعقد)، وترك لنا تحديد أسلوب الانتخاب (أي البيعة).

والخلاصة: 

1- أهل (الحلّ والعقد) منظومة سياسيّة غير ممأسسة، يتكلّمون نيابة عن الأمّة في أمر السلطة تولية وعزلاً. 

2- هذه المنظومة بعد العهد الراشديّ الأوّل تحوّلت إلى مجلس استشاريّ  موال للخليفة يصادق على قراراته.

3- لا بدّ في هذا العصر من إيجاد آليّة لتوكيل أهل (الحلّ والعقد) عن الأمّة، لأنّ الظروف المكانيّة والزمانيّة تغيّرت، ولم يعد تصوّر من هم أهل (الحلّ والعقد) ممكناً. 

4- لايوجد وسيلة قابلة للقياس أفضل من أن نسأل الشعب عبر صناديق الإقتراع عمّن يمثلهم. 

وأما بقيّة التحفّظات فإلى حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.

كتبه حسن أبو بكر.

وسوم: العدد 696