أيها العرب عودوا إلى بلادكم

أحمد الجمّال الحمويّ

في السنوات الأخيرة وخاصة بعد الثورة السوريّة العظيمة أظهر بعض أبناء الطوائف المحسوبة على الإسلام وبعض غير المسلمين ما كانوا يُخفونه في صدورهم ممّا يُعبّر عن حقيقة موقفهم من الأمّة التي يعيشون بين أبنائها، والوطن الذي ينعمون بدفئه وخيره.

إنّ الذي تقيّؤوه أخيرًا ليس جديدًا لكنّه كان حبيس صدورهم، وعندما ظنّوا أنّ أمّتنا في طريقها إلى الهزيمة أو الزوال قذفوا سخائم صدورهم، وأفصحوا عن أحقادهم. وعلى كلٍّ فإنّ ما باحوا به يكشف ليس عن الحقد فقط بل عن الجهل المزري بحقائق التاريخ وبطبيعة هذه الأمّة.

من ذلك ما صرّح به أحمد شلاش أحد زعماء النصيريين أنّ على العرب، (ويقصد بكلمة العرب: المسلمين) أن يعودوا إلى بلادهم، وبلادنا في تصوّره البليد هي الجزيرة العربيّة ليس غير.

وصرّح بمثل هذا الهراء بحماسة على إحدى الفضائيّات محاورٌ ومفكّرٌ نصرانيّ معلنًا بوقاحة أنّ هذه البلاد لهم، وكأنّه يريد أن يقول عودوا إلى بلادكم ! وهذه المقولة صار يُردّدها كثيرٌ من الطائفيين والنصارى، ولا بدّ من التعليق على هذا الكلام على الرغم من تفاهته، لئلا ينخدع به بعض الجهلة والبسطاء، فيظنّون أنّه حقٌّ وصواب !

1-   نقول لهؤلاء الذين عاشوا بيننا قرونًا آمنين إنّ هذه الأمّة عصيّة على الاستئصال والفناء، حتّى وإن صوّرت لكم أوهامكم ونفوسكم غير ذلك.

هذه الأمّة تمرض لكنّها سرعان ما تتعافى، وفي التاريخ شاهد على هذا.

ذهب هولاكو وجيوشه، وذهب الخائنان الكافران محمد ابن العلقميّ ونصير الدين الطوسيّ وبقيت هذه الأمّة.

وذهب الصليبيّون وحملاتهم المليونيّة البربريّة المتوحشّة وبقيت هذه الأمّة.

وذهب الصفويّون بأحقادهم وخياناتهم وتآمرهم، ولعنتهم الأمّة ولا تزال تلعنهم على تعاونهم مع أمراء دوقيات أوربّا لسحق أمّتنا وتعطيل زحف العثمانيين، وبقيت هذه الأمّة.

وجاءت جيوش أوربّة في القرن العشرين في حملة أو حملات صليبيّة واحتلّت كلّ دولة أوربيّة دولة من دولنا التي مزّقوها إربا إربا، ثمّ خرجوا صاغرين، وبقيت هذه الأمّة، وعادت لها عافيتها، وسيذهب وكلاؤهم من أبناء جلدتنا وستبقى هذه الأمّة وستذهب عمائم ملالي إيران وُرّاث الصفويين وتبقى هذه الأمّة.

واليوم سيولّي أعداؤنا الدبر، وينسحبون مجلّلين بالخزي والعار، وسيندم الذين قذفوا بقيح صدورهم إن كان لديهم أثارة من عقل.

2-   نقول للحاقدين الذين يُطالبوننا بالعودة إلى بلادنا هل كانت سورية وفلسطين ولبنان ومصر والعراق والمغرب العربي بلادًا خاليةً من السكّان فزحف من الجزيرة العربيّة مئات الملايين واستوطنوها واستقرّوا فيها.

وهل كان في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وما حولهما من الأعراب أكثر من مليون إنسان لو هجروا بلادهم وتركوها ما استطاعوا أن يملأوا دولة واحدة من الدول التي عددناها.

إنّ التاريخ يُؤكّد أنّه لم يستوطن بلاد الشام ومصر والعراق من عرب الجزيرة إلا أعداد قليلة جدًا جدًا.

والذي حصل هو أنّ أهل هذه البلاد الأصلاء الأصليين أسلموا طوعًا وعن رغبة واقتناع عندما رأوا عدالة الفاتحين وعظمة مبادئهم وكريم أخلاقهم.

3-   لم يعرف التاريخ الصادق أنّ الفاتحين العظماء أبادوا شعب بلدٍ أو إقليم ثمّ حلّوا محلّه، أو قاموا بهدم البيوت وقتل الناس أو تهجيرهم إلى أوربّة أو غيرها كما يفعل وحوش الشيعة وخنازير روسيّة اليوم، بل إنّ مؤرّخي الغرب أعلنوها صريحة فقالوا ما عرف التاريخ فاتحًا أرحم من العرب.

ومعنى هذا أنّ أهل البلاد الأصلاء أسلموا عن رغبة والموجودون الآن في دول المنطقة هم ذراري أولئك الأماجد، ولم تندفع موجات بشريّة من الجزيرة العربيّة لتملأ بلادًا خالية من السكّان.

4-   هل يريد هؤلاء السفهاء من بعض الطوائف والأديان الذين يُطالبوننا بالعودة إلى بلادنا ظنًّا منهم وغباءً أو تغابيًا أنّ الجزيرة العربيّة هي بلادنا هل يريدون أن يرحل مئات الملايين من أهل بلاد الشام ومصر والعراق والمغرب العربيّ إلى الجزيرة العربيّة؟ ليبقى في بلادنا بضعة ملايين منهم؟

5-   ويحقّ لنا أن نسأل لماذا صمت رجال الدين النصارى على هذا السفه والحقد؟ ولم ينبس واحدٌ منهم ببنت شفة؟ أم أنّهم صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون؟

6-   هل قال مسلم قبل هذه الأحداث أو قبل مئات السنين للنصيريين أنّكم دخلاء على بلادنا فعودوا من حيث جئتم؟

وهل قال مسلمٌ إنّ بعض النصارى في بلادنا هم من بقايا الحملات الصليبيّة أو بقايا الرومان الذين فضّلوا العيش في بلادنا على العودة من حيث جاءوا؟

7-   إنّ هذا التطاول وتزوير التاريخ وقلب الحقائق يجب ألا يمرّ وكأنّ شيئًا لم يكن.

8-   وكلام السفهاء يُنبّهنا إلى وجوب تصحيح المناهج الدراسيّة وإبراز الحقائق التاريخيّة التي طمسها العلمانيّون أذناب الغرب وطمسها بعض أبناء الطوائف عندما سيطروا على دولنا فجعلوا الحقّ باطلاً والباطل حقًّا !

9-   بناء على ما قاله أولئك السفهاء كان عليهم أولاً أن يُطالبوا اليهود بترك فلسطين (التي هي قطعًا لأبنائها) والعودة من حيث أتوا. وأن يُطالبوا سكّان الولايات المتحدة الأمريكيّة الحاليين الذين قتلوا أكثر من خمسين مليونًا من الهنود الحمر واحتلّوا بلادهم أن يعود كلّ واحدٍ منهم إلى الدولة التي قدِمَ منها.

10-                      وأخيرًا فكم كشفت الثورة السوريّة من خفايا وفضحت من سفهاء، وواضح وثابتٌ أنّنا أصحاب البلاد وأهلها، فليخرس الجهلة والحمقى.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.

والحمد لله ربّ العالمين.

أحمد الجمّال الحمويّ.

نائب رئيس جمعية علماء حماة سابقًا.

عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام.

عضو مؤسس في رابطة العلماء السوريين.

عضو الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين.

وسوم: العدد 698