والسيسي يُنقذ إسرائيل.. تذكر أن «الجزيرة» صهيونية!

كادت القناة العاشرة الإسرائيلية أن تذهب إلى فاصل، تذيع خلاله أغنية «الليلة عيد»، ومعلقها «نداف» إيال» يقول: «إن السيسي أنقذ المشروع الاستيطاني، ويتوجب على القادة المستوطنين أن يتوجهوا له بالشكر الجزيل على هذه الخطوة!

فقد أحيط بإسرائيل من كل جانب، فمجلس الأمن على وشك التصويت على مشروع قرار يدين الاستيطان، وقراراته ملزمة، مما من شأنه توقيع عقوبات ضدها لإجبارها على الانصياع للقرار، وإذ أفادت مصادر بالخارجية الأمريكية أن إدارة أوباما كانت تنتوي عدم استخدم الفيتو لأول مرة، فجن جنون «ترمب»، وحرض ضد اوباما لإجباره على التراجع عن موقفه، وحضه على استخدام الفيتو لوقف القرار، لكن كل محاولته باءت بالفشل، فوجد نفسه – والحال كذلك – يتصرف كجحا عندما سئل: أين أذنك؟، ولف بيده اليمني خلف رقبته ليمسك أذنه اليسر ويهتف: ها هي. فقرر أن يتعامل مع أذنه اليمنى مباشرة!

لقد تواصل «ترمب»، و»بنيامين نتنياهو»، مع مكفولهما في القاهرة عبد الفتاح السيسي، فإذا بمندوب مصر في مجلس الأمن يطلب بتأجيل التصويت على مشروع القرار إلى أجل غير مسمى، وحتى إذا تولى «ترمب» الرئاسة الأمريكية رسميًا أمكنه استخدام حق الفيتو، وبهذا التصرف حق لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يرقص على أنغام أغنية: «النهارده فرحي يا جدعان»!

لم أحط علمًا بالدوافع وراء تقديم مشروع القرار، فمن الواضح أنه كان بضغط عربي، وجد فيه عبد الفتاح السيسي فرصة، لعودة جزء من شعبيته المنهارة، وحتى تجد فيه القوى السياسية مناسبة لتجديد بيعتها مرة أخرى، وبعض المنتمين إلى هذه القوى غادر معسكره بعد جريمة التنازل عن الجزر المصرية، فلم يعد لديهم ما يقولونه دفاعًا عن رجل وصفوه بأنه جمال عبد الناصر، فخذلهم!

في تقديري، أن السيسي وهو يتقدم بمشروع القرار كان على يقين بأنه ذر للرماد في العيون، فواشنطن ستستخدم حق الفيتو كما هي العادة، لكن المفاجأة أن إدارة أوباما عقدت النية على عدم استخدامه، فجن جنون إسرائيل ومرشحها المختار في الانتخابات الأمريكية الأخيرة «ترمب»!

بيد أن السيسي كان عند حسن ظن الإسرائيليين فيه، وهم الذين قال قائلهم إنه أفضل بالنسبة لهم من مبارك، وان التنسيق الأمني صار أقوى مع مصر في عهده عما ذي قبل. لاحظ أن مبارك كان كنز القوم الاستراتيجي، وقد تفوق عليه السيسي في عطائه!

وقد سبق للحاخام يوئيل بن نون، أن كتب مقالاً وصف فيه الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر بأنه «أهم معجزة حدثت لإسرائيل»!

النخبة الفاشلة

ومع كل هذا فإن الذين مثلوا جسرًا لمرور الدبابة لضرب الثورة المصرية، وعودة حكم العسكر، يعتبرون أن خيارهم في صدام مع الإرادة الأمريكية والإسرائيلية، مع أن هذا الخيار سبق له التوقيع على بناء سد النهضة بدون ضمان لقطرة مياه واحدة لمصر، حتى يتخذ هذا ذريعة لطلب وساطة إسرائيل لدى أثيوبيا لإنقاذ مصر من العطش، مقابل توصيل المياه إليها، كما كان تنازله عن «تيران وصنافير» هو أيضًا لصالح إسرائيل، فإذا جاء عبد الناصر جديد فعلاً لا يمكنه إغلاق المضايق، فقد صارت مياهًا دولية!

وإذا كان بعضهم قد غادر معسكر السيسي وأغلظ له القول، فإنه لا يزال على موقفه من قناة «الجزيرة»، ويحلو للبعض الاستمرار في وصفها بأنها قناة صهيونية، استدعاء لدعاية إعلام مبارك ضدها، وإذا كانوا هم ضد حكم مبارك، فقد وجدوا بانقلاب الثالث من يوليو، فرصة ذهبية ليكون جزءا من حكمه بأثر رجعي، ومبارك وإن كان قد فشل في توريث الحكم لابنه من صلبه، فقد ورثه لابنه بالتبني، ويحق لهم – والحال كذلك – أن يستلهموا تراث المرحلة المباركية في هجاء الخصوم!

كان نظام مبارك، الموغل في العمالة لإسرائيل، يصف قناة «الجزيرة» بـ «الصهيونية»، ويحاول إثبات الاتهام بظهور بعض المعلقين الإسرائيليين على شاشتها، حتى وإن كانوا ضد الاستيطان الذي يؤيده مبارك وحكمه، وكانت هذه النخبة هى نجوم قناة «الجزيرة» في هذه المرحلة، بل إن نجوميتهم تحققت بفضلها، وهو ما تعرضت له بالكتابة في هذه الزاوية قبل الثورة، فهل يعقل أن مصر الكبيرة بمثقفيها في كافة المجالات، يصبحون هم هذا العدد الضئيل الذي لا يتجاوز العشرين فردًا على أكثر تقدير؟!

إذ كان من بيده استضافة الضيوف في هذه الفترة، ينتمي للتيار الذي ينتمي له هؤلاء ففتح لهم الشاشة على مصراعيها، فصنع منهم نجومًا مع أنه لم يكن لهم وجود يذكر على أي مستوى، وهذه النجومية فرضت نفسها على الصحف والإعلام المصري الذي كان يبحث عن سر «خلطة كنتاكي»، وقد ظن أن تفوق «الجزيرة» هو بفضل هؤلاء، فأسرفت القنوات المصرية في استضافتهم كما أسرفت الفضائيات الخارجية في ذلك بناء على هذه الحضور على قناة «الجزيرة»، ومن أدرى من «الجزيرة» بمكة وشعابها، هذا فضلاً عن أن استضافتهم لم تكن تجد معارضة أمنية!

وعندما صدرت الصحف الجديدة، التي يقف خلفها دعم أمريكي معلن، وهي صحف رجال الأعمال كان هؤلاء من كتابها بناء على هذه النجومية، ثم قامت الثورة فتخطوا الرقاب، قبل أن يصبحوا وقودًا للثورة المضادة، لأن العهد الجديد لم ينزلهم منازلهم التي أنزلتها إياهم «الجزيرة»، ووجدوا فرصة في قنوات الثورة المضادة، التي كانت تعادي ثورة يناير فعضوا عليها بالنواجذ، وأمسكوا فيها بأيديهم وأسنانهم، وصارت قناة «الجزيرة» عندهم هي العدو، ومعظم الهجوم على هذه القناة بعد الانقلاب كان من هؤلاء!

أخطر من إسرائيل

كتب أحدهم ذات مرة إنها قناة صهيونية، ورددت عليه منذ متى؟ وعندما قام وفد من نقابة الصحافيين المصريين بمخالفة قرار الجمعية العمومية للنقابة بحظر زيارة الأرض المحتلة واعتبار ذلك تطبيعًا منهى عنه وطنيًا، وعقد اجتماع بغرض تقديمهم للمحاكمة النقابية قال أحد نجوم «الجزيرة» المتقاعدين، إنه ينبغي فصل ضيوف الجزيرة من عضوية النقابة، لأن الجزيرة أخطر من إسرائيل، مع أنه كان ضيفًا مقيمًا في مكتبها بالقاهرة، فإذا كان إعلام مبارك أعلن هذه العمالة للجزيرة منذ نشأتها، فمال هؤلاء الذين كان نظام مبارك يعتبرهم جزءا من الجزيرة؟!

لا نعرف اللحظة التي اكتشفت فيها النخبة الفاشلة أن الجزيرة قناة صهيونية، ومن عجب أنني قرأت هذا مؤخرًا وبعد أن صار السيسي يلعب على المكشوف، والبعض وإن غادر معسكر السيسي فإنه لا يزال يرفض الظهور على شاشتها، على نحو احتارت البرية في فهمه، لا سيما وأنهم يظهرون على شاشة قنوات تأسست لتكون ضد الانقلاب الذي شاركوا فيه!

يقولون إن الجبن سيد الأخلاق، وهؤلاء يعتبرون أنهم في أمان ما داموا لم يظهروا على «الجزيرة»، حتى وإن هاجموا السيسي، والبعض الآخر تورط في الهجوم عليها ظنًا منه أن هذا من استكمال مسوغات الالتحاق بالسلطة، فلما وجد نفسه خارجها بعد أن قضت دولة مبارك منه وطرًا، ثم طردته من رحابها، فلم يشأ الاعتراف بأنه أخطاً في جميع مواقفه.

ومهما يكن، فليست «الجزيرة» هي من أنقذت المشروع الاستيطاني وطالبت القناة العاشرة الإسرائيلية بأنه يتوجب على القادة المستوطنين أن يتوجهوا لها بالشكر الجزيل على هذه الخطوة!

اللافت وقد مر على هذه الجريمة خمسة عشر ساعة حتى كتابة هذه السطور، لم أقرأ لأحدهم كلمة إدانة لهذا التصرف، على نحو كاشف بأنهم لا يحددون مواقفهم من السيسي أو الجزيرة، بقواعد القرب أو البعد عن إسرائيل! انطقوا أو موتوا!

أفلام إبراهيم عيسى

هل تم إيقاف برنامج إبراهيم عيسي؟ هذا هو سؤال الأسبوع الماضي، يطرحه أحدهم فلا يتم الرد عليه بالإيجاب أو بالنفي، والمعني بالسؤال ويملك الجواب لا ينطق، على نحو ذكرني باليوم الذي صدر فيه الحكم بحبسه شهرين لا أكثر بتهمة إهانة مبارك، وتمثلت الإهانة في أنه نشر في جريدته انه مريض!

يومئذ، كان إبراهيم عيسى البطل المغوار قد اختفى وحل محله طالب الاسترحام، يتنقل بين رموز النظام طالبًا الصفح من الرئيس، وصدر العفو الرئاسي، فقد كان هذا ما يشغله، واليوم وقد اختفى فهل يبحث عن عفو من نوع خاص، هو أن يستمر برنامجه!

خلال الأسابيع الأخيرة، كان إبراهيم عيسى قد بدأ في نقد السلطة التي كان منحازًا لها،بالطريقه القديمة نفسها، بما يمكنه أن يقدم نفسه على أنه معارض، دون أن يعارض معارضة جادة، فهو يهاجم دوائر في الحكم منها البرلمان، لكن هذا نظام صدره ضيق حرج فلا يرحب حتى بالمعارضة المستأنسة التي يمكن تمكنه من إدعاء أنه ديمقراطي!

إنها معارضة في الشكل، فلم يحدث أن ضبط متلبسًا بالهجوم على أحد من مراكز القوى في عهد مبارك، أو بكشف فساد وزير، والموقف من التوريث هذا كان يقع في حراسة الحرس القديم في السلطة، وهو لم يوجه نقدًا جادًا لجمال مبارك، فذات مر كتب كيف لجمال مبارك أن يحكم بلدًا لا يعرف شوارعه، وكان قد نشر أنه تاه في زيارته لخطيبته في الزمالك.. إنه التطور الطبيعي لصحافة: أين ترعرعت سيدتي!

يبدو أننا عدنا مرة أخرى لأفلام إبراهيم عيسى!

صحافي من مصر

والسيسي يُنقذ إسرائيل.. تذكر أن «الجزيرة» صهيونية!

سليم عزوز

وسوم: العدد 700