ذكريات وعبر

محمد أمير ناشر النعم

عندما كنت أعمل في دار الأيتام في حلب كان عضو مجلس الإدارة الأستاذ المحامي شمس الدين فنصة Dean Sr Fansa ــ حفظه الله ــ  يداوم في الدار يومياً من الساعة الخامسة والنصف صباحاً... يجلس في الغرفة العقارية  ويحضّر الأضابير والدعاوى الخاصة بالجمعية، وعندما يأتي الموظفون في الساعة السابعة يمكث مع موظفي الغرفة العقارية ساعة كاملة يوجههم ويرسم لهم أعمالهم وفي الساعة الثامنة يغادر إلى القصر العدلي ليمارس مهنته في المحاماة، ثم يعود لدار الأيتام بعد الظهر من الساعة الرابعة حتى السادسة، يجتمع مرة مع اللجنة التعليمية، وأخرى مع اللجنة الصناعية وثالثة مع مجلس الإدارة وهكذا دواليك، ثم يغادر إلى مكتبه ويلتقي زبائنه..

سألته قبل بضعة سنوات عن سر ما متعه الله به من صحة وعزيمة وعصب قوي متين؟ وكان حينها  قد تجاوز الخامسة والثمانين. فأجابني أنه كان عندما يمرض يتبع النصيحة القرآنية: {استعينوا بالصبر والصلاة}. وأنه كان يصبر حتى يزول المرض من دون أن يتناول حبة دواء واحدة... وأكّد لي أنه طوال حياته لم يتناول حبة دواء واحدة.... دواؤه الوحيد كان الصبر على الألم إلى أن يزول.

...

في الأسبوع الماضي زرت والدتي وأختي وعائلتها في السويد... أخبرتني الوالدة ــ حفظها المولى ومتعنا بها ــ  أن السويد رائعة في كل شيء ما خلا الطبابة!! وبالتعبير الحلبي قالت عن الطب عندهم إنه (سقم وعمى)!! سألتها لماذا؟ فقالت: بأنهم لا يعطونها أي دواء... طبعاً كانت الوالدة ــ الله يخليلنا ياها ــ ، قبل السويد، تسير وفي حقيبتها صيدلية متنقلة: أقراص للضغط، ولوجع الرأس، وللروماتيزم، ولالتهاب الأذن الوسطى، وللكريب، ومضادات حيوية لكل الأمراض، بالإضافة لشراب السعلة...

الآن في السويد أصبحت حقيبتها قاعاً صفصفاً... والأطباء السويديون "الحقراء" يرفضون وصف الأدوية لها، والصيدليات يستحيل أن تعطي دواء بلا وصفة... 

أما اللازمة المتكررة  في كلامهم فهي: اصبري... واشربي ماءنا النقي، وامشي واستنشقي هواءنا العليل، وسوف تتحسنين.

نعم النصيحة الأولى للأطباء في السويد: اصبر... اصبري... اصبروا.

وسوم: العدد 701