كتابة التاريخ الجزائري

معمر حبار

[email protected]

يقرأ المرء، ويسمع ويتابع يوميا، أنه يعيش أزمة كتابة التاريخ الجزائري. وسيعتمد صاحب الأسطر على مثال عايشه في التسعينات من القرن الماضي، وحان وقت ذكره:

اتصل بي أحد المجاهدين،لأنقل له مذكراته عبر الحاسوب يومها، باللّغة الفرنسية. وفعلا شرعت في النقل والكتابة، وانتهيت من كتابة المذكرات في أيام قليلة.

وفي أثناء الكتابة، راودتني فكرة ترجمة مذكرات المجاهد إلى اللّغة العربية، و عرضت الفكرة على المعني، وأعجب بها، وأذن لي بترجمتها.

وتشاء الصدف وفي إحدى المناسبات الوطنية، التقيت  بمسؤولين عن وزارة الثقافة، والمجاهدين، وعرضت عليهم العمل، قصد نشره لصالح المجاهد، فرحّبوا بالفكرة، وعرضوا علي مساهماتهم في نشر المذكرات باللّغة العربية والفرنسية. وتعمدّت عدم الخوض معهم في تفاصيل فنية إلى أن يرى المشروع النور.

وما خالج الصدر، وأنا أخطّ المذكرات وقع فعلا. فلم يرى المشروع النور. والسبب في ذلك أن صاحب المذكرات، بعدما قدّم نسخا منها لإخوته، لقراءتها، وتنقيحها، وإثراءها، رفضوا جميعا..

المذكرات جملة وتفصيلا، واعتبروها مساسا باسم العائلة وهيبتها، وطالبوه على الفور بتوقيفها، وحذّروه اشد التحذير من طبعها ونشرها، فكان لهم ماأرادوا، وتم توقيف كتابة المذكرات.

مذكرات المجاهد من الناحية الأدبية كانت رفيعة جدا، لأنه كان يتقن استعمال اللغة الفرنسية إلى حدّ الإبداع والتميّز. وكان يمكن لمذكراته أن تتحول إلى عمل فني، تستفيد منه السينما، أو المسرح، أو الرائي.

ومن جهة أخرى احتوت مذكراته على زخم من الحقائق التاريخية، والجغرافية، وعادات وتقاليد المجتمع، التي لايمكن لأي قارئ، مهما كانت درجته ، ومستواه أن يستغني عنها. وكانت تضم كل ماجلّ وصغر عن الأسرة والجيران، وما حدث في ذلك الزمان. وهذه النقطة هي التي أزعجت الأخوة، لأن وضعهم الاجتماعي "الرفيع"، لايسمح لهم بأن تنشر هذه الحقائق عنهم، لذلك رأوا فيها مساسا "بمكانتهم" الحالية.

 

وبعد مدة قصيرة أعاد المجاهد الاتصال بي، لنعيد كتابة المذكرات بصيغة..

تحافظ على جوهر المذكرات، وبدون ذكر الأشخاص،  والأماكن، ومحو كل مايشير إلى العائلة.

وشرعنا في كتابة "القصة" بدل المذكرات، باللغة الفرنسية. وأعترف بأن المحاولة الثانية، كانت سيئة جدا، لأنها لم تعد ..

 تعبّر عن أحزان أمة، وبطولات أسرة، وتضحيات أفراد، كما كانت تعبر عنها المذكرات من قبل. ولذلك رفضت رفضا قاطعا، أن أترجمها إلى اللغة العربية. فالترجمة جمر يمسك به صاحبه، إلى أن يقدّمه دواء لمن يشعر بهذا اللهب و الإحساس.

ودفن المشروع، وغلّقت الأبواب على المذكرات، وحرمت الجزائر من إحدى أروع ذكرياتها، ومنعت الضاد من الترجمة إلى اللغة العربية. ولا يعرف قيمة كتابة التاريخ، إلا لمن عاش مثل هذا التاريخ.