رأس الحربة والصراع الإقليمي العالمي

عزة مختار

[email protected]

انقلاب عسكري ، أم ثورة شعبية

سحب الثقة من رئيس منتخب انتخابا حرا بإرادة شعبية حرة لأول مرة في تاريخ مصر ، أم هي مؤامرة خارجية نسجت خيوطها في الداخل حديثا والخارج منذ سنوات لتنفذ الآن في تلك الفترة التي ذاق فيها الشعب المصري معني الحرية الكرامة ، ومعني أن يكون له حاكما يتحدث باسمه وعنه وليس معبرا عمن يساندوه في القصور والبنوك ونهب المال العام كما لم يحدث في دلو محترمة من قبل ؟

كثيرون يتساءلون ، إلي أين ؟ وكيف هو الخروج بالبلاد من ذلك المنعطف الخطر ؟ وإذا أردنا أن نعرف الجواب فلنخرج من تلك الدائرة الضيقة والمغلقة لنستطيع أن نميز جيدا بين صاحب القضية العادلة ومن يدافع عن حق بلاده ، وعن الآخر الذي ينفذ خطة مرسومة ومحددة يسير عليها سواء شارك في إعدادها وهي توافق هواه وإرادته أو هو مجرد منفذ لتلك الإرادة ؟

المنطقة العربية ، أو ما يسمونه منطقة الشرق الأوسط والتي غرسوا فيها السرطان الصهيوني في قلب الأمة المسلمة ، إذا دققنا النظر جيدا ـ وأدعو لذلك ضباط الجيش والشرطة الذين رفعوا راية الحرب علي أبناء جلدتهم  ومنهم من لا يدري لصالح من يفعل ذلك ، ولصالح من يعرقل اليد الوحيدة التي تقاوم المشروع الاستيطاني في المنطقة بحجج كثيرة ـ إذا دققنا النظر بشفافية ، لوجدنا أنه يوجد قوتان رئيسيتان في المنطقة يتنافسان علي ما يمكن أن نسميه ( الاستحواذ والسيطرة وفرض مشروعه الخاص )

ولوجدنا أن كل مشروع منهما يعتمد في فرض نفسه بإدخال الآخر في منطقة صراعات مع القوة الثالثة والوحيدة في المنطقة والمؤهلة للتصدي لكل مشاريع الهيمنة للطرفين

المشروع الأول : وهو المشروع الصهيوني العالمي ورأس الحربة فيه إسرائيل المغتصبة ويقف خلفها أمريكا علانية وأوروبا علي استحياء ، تقف بقوة وتساعد وتدفع لكنها تقع تحت طائلة قوانينها ومساءلة شعوبها ، وقد ظهرت في الفتة الأخيرة المدعوة كاترين آشتون ، مبعوثة أوروبا لمساندة الانقلابيين في مصر بكل قوة ودفعهم للقتل والحرق والسجن دون أن تغمس يديها في الدماء مباشرة ، وها هي تقوم برحلات مكوكية بين مصر وأوروبا لترسيخ الوضع القائم وفرضه كواقع ، رغم عدم قدرتهم علي الجهر بذلك أمام شعوبهم ، وحتى لا يهدموا ديمقراطيتهم الزائفة التي يكيلون فيها بمائة مكيال ، يضعون فيه المسلمين في الكفة السفلي دوما .

المشروع الثاني : فهو المشروع الشيعي ورأس الحربة فيه إيران ، والشيعة لا تقل خطرا علي الإسلام وأهل السنة والجماعة ومشروع الخلافة عن الصهيونية العالمية ، ومصر قلب العروبة والإسلام قد تعرضت لحملات شيعية شرسة ، عبر التاريخ الإسلامي ، والدولة الفاطمية والأزهر الشريف خير ذلك علي ذلك ، لكنهم لم يستطيعوا تغيير هوية الشعب المصري المحب ، بل والعاشق لآل بيت النبي صلي الله عليه وسلم ، ليصبح مشروعهم في مصر وكأنه لكم يكن ، وليصبح الأزهر والذي كان الغرض من إنشائه في الأصل هو نشر المذهب الشيعي ، يصبح نفسه الصرح الأكبر في الحفاظ علي الإسلام المعتدل الصحيح ، وليصير تدريس المذهب الشيعي فيه لتوضيح مساوئه والتحذير منه .

وكلا المشروعين ينتظر أن يدخل أحدهما في صراع يقضي عليه ليتفرغ هو للقوة المتبقية سواء كان أحدهما أو المشروع الثالث في المنطقة الذي اجتمعت كل القوي عليه منذ تحدث الإمام البنا رحمه الله عن مشروع الخلافة الاسمية ، ومنذ تحدث عن أن الإسلام دين ودولة وقد كانوا يريدون له أن ينزوي في المساجد دون أم يمس ، وأن يبتعد عن الحياة العامة وتنظيم حركة الشعوب التي تجعل عندهم الحرية أغلي من حياة الذل والعار ولو كان ثمنها الموت .

هذا وقد تناحرت قوي أخري في المنطقة منها المشروع الشيوعي ، والذي سقط بمجرد سقوط الاتحاد السوفييتي وخروج فكرة الشيوعية واللادين من حلبة الصراع لعدم تواؤمها مع النفس الإنسانية عامة وكفر الشعوب بها ، وحين يفشل المشروع في مسقط رأسه فهو ينهار بالتبعية في بلاد الغير ، فلم يكن له أن يتواجد باسمه المباشر ، وإنما كان عليه أن ينحاز لأحد المشاريع الكبرى ، وبما أن روسيا علي خلاف أيديولوجي مع الولايات المتحدة ، فقد اختلفوا أيهم يفرض هيمنته سواء بطريق مباشر أو غير مباشر ، فقد انحازت روسيا إلي المشروع المغاير لأمريكا وهو المشروع الشيعي ، ففرضت هيمنتها علي تلك الفئة القليلة ومنها العلويين في سوريا وحزب الله في لبنان ، لكنه في ذات الوقت لم يكن هناك مانع ، أن تلتقي المصالح مرات عدة ، فتكون روسيا هي الدولة الثانية اعترافا بالكيان الصهيوني في فلسطين .

مشروع المقاومة :  وإن شئنا أن نكون منصفين تماما فلندرس الساحة في مصر ابتداءا من سقوط الخلافة الإسلامية علي يد ربيب الصهاينة أتاتورك ، وتقع بلاد المسلمين تحت براثن الاستعمار العالمي مقسما بين دول القمة في ذلك الوقت فرنسا وبريطانيا ، ليتحرك هيرتزل لإنشاء دولة يهود ، ويأخذ وعد بلفور بإقامتها علي أرض فلسطين ، ويدفع السلطان عبد الحميد آخر خلفاء المسلمين ثمن إخلاصه واستماتته في الدفاع عن مقدسات المسلمين

وفي أجواء التفكك تلك ، ولدت جماعة الإخوان المسلمين علي يد مؤسسها حسن البنا ، يدعو الناس للجهاد من المسجد ، ويعلم الناس أن القرآن منهج حياة كذلك من المسجد ، وليستلفت أنظار الاستعماريين لخطورة وجود تلك الجماعة فيساوموه علي ترشحه لمجلس النواب ، ويعتقلوا أنصاره وأعضاء جماعته ، وليدفعوا ثمنا غاليا من دمائهم في سبيل الحفاظ علي المشروع الإسلامي في المنطقة العربية كلها ، وبعد عودة كتائب الإخوان من أرض فلسطين يساقون قسرا إلي المعتقلات ، ويغتال مؤسسها ، لتنتشر الجماعة من مصر حتى تصير عالمية فيشتد وطأة العداء لها ، ويدرك الجميع أنها الفئة الوحيدة الباقية والقادرة علي مقاومة كل مشاريع التخريب في مصر والعالم الإسلامي .

جماعة اجتمع علي عداوتها الغرب والشرق ، المحتل والحاكم الخائن ، كل من باع دينه ، وكل أصحاب العاهات الفكرية .

حتى أولئك العسكر اليوم الذين يضربونها بضراوة وهي ثابتة في وقت يختفي فيه الجميع وتخرس فيه كل الألسنة ، ويهرب من يهرب من المواجهة ، تتلقي الضربات تلو الضربات ، لصالح مشاريع ربما لا يدركها بعض العسكر اليوم ، أنهم مجرد منفذين لأجندة وعصابة صهيونية أو شيعية لا يعرفون عمق عداوتها للمشروع الإسلامي الوسطي المنضبط .

وتستمر المقاومة ، وتأتي ثورة الخامس والعشرين من يناير لينتفض جزء من الشعب ، وعلي استحياء يعترف البعض الآخر ، لتستجلب كل المؤامرات الداخلية والخارجية للخلاص من المشروع الإسلامي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين ، وتتضح مخاوفهم وتتبلور حين يختار الشعب في خمس استحقاقات انتخابية وبكل صراحة يختار الإخوان المسلمين ممثلا وحاكما ، فتنتهي الخطة الشيطانية ويأتي المنفذ الذي يعدوه منذ زمن " عبد الفتاح السيسي " ربيب حارة اليهود في القاهرة فيحارب الرئيس المنتخب قبل أن يتولي الحكم ، وأحسن أداء الدور ، ليقوم بالانقلاب العسكري الغاشم في الثلث من يوليو 2013 بمباركة أمريكية أوروبية وبتمويل خليجي سعودي .

مفاجأة جديدة لم يعمل الانقلابيين ومن فوضهم ومولهم لها حساب ، وهي الشعب المصري الذي ذاق الحرية لمدة عام من حكم الرئيس المنتخب ، راهنوا علي أنفاس الشعب القصيرة ، وراهنوا علي خوف الشعب وتاريخه في قبول الخنوع في سبيل حياته ، وراهنوا علي فض الإعتصامات وقتل الآلاف بدم بارد .

راهنوا علي الشعب ليفجر في وجههم مفاجأة الصمود والثبات في الشوارع شهورا متعددة في الصيف الحار وفي الشتاء البارد بفتيانه وفتياته ورجاله ونسائه ، ليضربوا أروع الأمثلة في الجهاد السلمي الذي أذهل العالم واجبره علي عد الاعتراف بالانقلاب ومن قام به راغما غير راغب ، لينتقل الصراع بين الانقلاب والعدو الخارجي في ناحية ، والشعب كله وليس الإسلاميين وحدهم في ناحية أخري .

وحد الإسلاميين كلمتهم ، وسلموا الراية والقيادة للإخوان المسلمين الذين رأوا جميعا أنهم الأصلح لتلك المرحلة . ولسوف تظهر الأيام القادمة مفاجآت كبيرة وحقائق مذهلة سوف تحول مسار الانقلاب ليلقي بنفسه في البحر منتحرا ، أو معلقا علي أعواد المشانق بيد كل من أوذي من أفراد الشعل منهم " وهم كثير " ولله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " ..