فصل الكلم في حكم الرجم

عبد الله المنصور الشافعي

عبد الله المنصور الشافعي

بسم الله الرحمن الرحيم ***حد الزنا في الإسلام***

زعموا و"بيس مطية الرجل زعموا"أن فئة من المجاهدين أقاموا الحد على امرأة زنت ولا أدري أهو حد الجلد أم الرجم!؟

أقول بعد لا حول ولا قوة إلا بالله إن الحدود موضوعة في الدين للردع والزجر والترهيب, وليست الحدود قربات يتقرب بالتنقيب عنها وتكلف ايقاعها إلى الله تعالى.فأنا أعلم أن ثمة أقوام يطيب لهم رجم المسلم أكثر من قتل شبيح مجرم!. في أول الإسلام لم يكن ثمة حد وكان حد المتزوجة الإمساك بالبيوت وحد البكر الايذاء باللسان, وأبقى الله تعالى رسم الآية في القرآن ونسخ العمل بها ثم أقر الله حد الزنا للبكر في القرآن رسما وحكما ونسخ حد الشيخ والشيخة من القرآن رسما وأبقاه حكما .لحكمة يعلمها الله تعالى . وهذا مذهب الجمهور وبه ندين وقد خالف في ذلك بعض المعتزلة والخوارج وبعض المتأخرين كالشيخ محمد أبو زهرة (وهو رأي القرضاوي قديما ولا أدري هل ثبت عليه لليوم) وغيره .

ولهم في ذلك أدلة قديمة معلومة لا يقّرون عليها بعد انعقاد الإجماع .

إن ماعز الأسلمي (رضي) أتى عمر بن الخطاب (رضي) بعد أن وقع في الزنا فأمره بالتوبة والستر وقال له إن الناس يعيّرون ولا يغيّرون وإن الله عز وجل يغير ولا يعير , فأبى عليه حتى أتى أبا بكر (رضي) فقال له مثل الذي قال له عمر , فتورع فأتى النبي (ص) فسأله واستقصى فقال له (ص) فيما قال معرضا له بترك الاعتراف ماإخالك فعلت, لعلك لمست,وسأله عن حد الزنا وحكمه, ثم سأل عنه أبه جنون ؟ وهنا يستحب للقاضي أو الحاكم أن يقيم لجنة من أطباء نفسيين ينظرون في أمر من يقر على نفسه بالزنا إن كان ذلك فلا نعدم اليوم مخبولا أو غبينا مخدوعا من جهة مغرضة تريد تشويه صورة الإسلام . كما استحب علماء المسلمين لمن حضر القاضي أن يعرض له بالتوبة ويحثه عليها وأتي معاوية برجل أصاب حدا فقال له الحرسي اصدق أمير المومنين وكان الأحنف جالسا فقال الصدق في كل المواطن معجزة, يعرض له بترك الصدق ومن أدب القاضي كما وصف العلماء أن يلقن السارق مثلا فيسأله القاضي أسرقت؟ قل لا . والزاني في ذلك أولى .

أما شهود الزنا فيستحب لهم ترك إقامة الشهادة والستر عليه -أي الزاني- في قول كافة علماء الأمصار ويشترط فيهم أن يكونوا أربعة رجال عدول فلا يغني امرأة ولا يغني مجروح في عدالته كما يشترط فيهم أن يروه كالمرود في المكحلة والرشا في البير, ويشترط في الفاعلين البلوغ والعقل وتمام الوطء والنكاح الصحيح .ولا يقام الحد حتى يسأل صاحبه عن معرفته بحكم الإسلام فيما أتى فلو أنه ادعى أنه يجهل الحكم وثمة قرائن تدل على احتمال هذا من أميّة أو جهل لم يقم الحد وإذا ادعت المرأة الإكراه -وكذلك الرجل في القول المرجّح- لم يقم وكذا لو ادعت أنها كانت نائمة فلم تشعر به إلا وقد غشيها وقد أتي عمر بامرأة زنت فادعت أنها عطشت فمرت على أعرابي فلم يسقها إلا بشرط أن تمكنه من نفسها فقال علي مضطرة وخلى عمر سبيلها .ولو أقر صاحبها فأنكرت هي لا حد عليهما عند أبو حنيفة خلافا لإمامنا وقد صار خلافه شبهة يدفع الحد بها, ولو مات أحد الشهود قبل استيفاء الحد أو غاب بطل الحد, ولا يقام الحد على المرأة حتى تطلع عليها القابلة فإن ادعت أنها عذراء صدّقت ولا حد على المرأة ولا على الشهود حتى لو كانت القابلة كاذبة صدّقت وحتى لو كانت المرأة متزوجة بل وحتى لو كان لديها ولد لاحتمال علوق ماء الرجل من غير فضّ ولاحتمال الولادة بعملية قيسرية.والله أعلم . ويجب على القاضي أن يسأل الشهود متفرقين ثم مجتمعين فإن اضطربت روايتهم فقال أحدهم كانوا في غرفة على يمين الداخل وقال آخر على شمال بطل الحد وكذا لو اختلفوا في زاوية الغرفة, أو هل كان الفعل بالليل أم بالنهار, وكذا لو قال أحدهم كان عليها ثوبا أزرق وقال الآخر بل أخضر وكذا لو اختلفوا في أدنى وصف وكذا لو اختلفوا في هيئة الائتيان أمن فوقها أم على جنب وهلم جرا ويستقصي القاضي هذا كله. واختلف العلماء بعد ذلك في إقامة الحد عليهم أقصد الشهود في حال ما إذا اضطربت الشهادة أو نكل أحدهم والأظهر إقامة الحد عليهم لإقامة عمر الحد على الثلاثة في قضية المغيرة كما يستحب للقاضي عند استجوابهم ويتأكد هذا مع آخر الشهود ويستحب تأخير ألينهم عريكة وأصغرهم سنا في الشهادة فيستحب للقاضي أن ينتهره نهرا شديدا عنيفا ويقول له يا سلح العقاب يا كاشف الحجاب بنبرة شديدة جدا ثم يلين له ويقول أرى شابا عاقلا فطنا أرجو أن لا يفضح الله به مسلما ولا يجعله لأمة محمد حرجا ...

ولا يقام الحد من غير أمر الإمام الأعظم (رئيس البلاد) فقد كتب عمر بن الخطاب في الأجناد أن لا يقيم الحد أحد إلا بإذنه .فإقامة الحدود لولي الأمر ولمن يقيمه ولي الأمر ,بعد قيام وانتخاب ولي الأمر واستقرار حكمه ولا تصح إقامة الحدود من أفراد الأمة أبدا وقد قال علي وابن عباس إذا كان في الحد عسى ولعل بطل الحد .وقال النبي "لاتقطع الأيدي في الغزو" وعلله علماؤنا بأن ترك الحد خشية ما هو شر منه كأن يلحق المحدود بالعدو, أقول ولعلة أخرى والله أعلم هي أن اليد التي جاهدت ما كان يحسن في مكافأتها على ذلك بتعجيل قطعها فكذلك لا يجوز رجم امرأة قط تأكل ببضعها من ضرورة ولم تسد الدولة حاجتها وخلتها وقد دخلت امرأة بغي الجنة لم تجد سبيلا لسد جوعتها غير نفسها ...

ولقد حلف عمر أن لا يغرّب مسلما بعد أن غرب قيس بن مالك إلى خيبر فلحق بالروم وتنصر, كما ترك عمر بإجماع من الصحابة فرض الجزية على بني تغلب وأخذوا منهم ضعف الزكاة أو مثلها لمصلحة راجحة لما عدوا الجزية مسبة ومهانة بحقهم .وترك أمير المومنين علي (رضي) إقامة الحد على قتلة عثمان لعارض أعظم في الحسبان وأعيان القتلة من المعروفين وقد قتلوا أمير المومنين, فليس بنا حاجة لركوب الصعب الحرون في خلاف الجمهور وإثارة من هو على الدين غيور فهل بعد هذا كله يتصور أن إقامة الحد على أحد إلا على فاجر معلن مجاهر بالمعصية يتسافح تسافح الحمر والبهائم العجماء ؟ وهل بعد هذا كله ينسب إلى الدين الرفيق الشدة والتخريق وفوق كل هذا لم يمنع الدين للضرورة إلغاء الحد من الإمام لاعتبار وجيه فيه مصلحة الدين الحنيف كما فعل علي بن أبي طالب فقد كان والله هو الفقيه ... والله الموفق وهو يهدي السبيل.