نجاوى حزينة

منذ خمسين أو ستين سنة، كانت حلب مدينة صغيرة، لايزيد سكانها عن ثلاثمئة وخمسين ألفا"، كان أهلها سعداء لايعرفون الغربة ولا الأغتراب ، لا أحد من أبنائها ذهب للبنان ليعمل بها ، أوذهب للسعودية أو لدول الخليج للعمل،حلب تحتضن أبناءها،وتبقيهم في قلبها شموعا"لينيروا لها روحها ، وتنثر على رؤوسهم التعويزات حتى تسيل السعادة في وجوههم، أولادها يعيشون في أمن وافر واطمئنان على مالهم وأرزاقهم،وقد غمرهم المولى بالرزق الحلال الطيب، فالغربة عند سكان حلب قطعة من العذاب،الأسر المترابطة نسبا"أو مصاهرة تسكن في حي واحد أو في أحياء متجاورة، كان الحلبي لايفكر في سكن بعيد عن أهله وعشيرته وأقربائه،يعتبر ذلك غربة لا تحتمل،بيوت الأخوة والأخوات والأعمام وأبناء الأعمام مضافات سهر وسمر، تجلب السعادة للنفس، الأب إذا جاء خاطب لابنته، وعرف أن سكن الخاطب في حي بعيد عن حيه، اعتذر للخاطب ، لأنه لايريد أن تعيش ابنته في غربة عنه، يعلل رفضه إذا أرادت أبنته أن تزوره ومعها أولادها الصغار،(التواصل بين أحياء حلب القديمة قديما"يقوم على المشي  )كيف تصل إليه؟

وإذا هو اشتاق لرؤية ابنته وأراد زيارتها، فالأمر يحتاج إلى جهد وسير طويل فالمصاهرات بين الأحياء المتباعدة في حلب قليلة،الخيرات كثيرة في سورية،وحلب جزء من سورية وهناك من أطلق على حلب لقب( مانشتر الشرق) لكثرة معامل النسيج فيها،الإنسان الذي يعمل بخمس ليرات سورية،يستطيع أن يأكل لحما"،ويجعل مائدة طعامه شهية،فالدولار ب(3,5)ليرة سورية بخمسة آلاف ليرة،أن يشتري دارا"ويستقر بها في أطراف المدينة ،إذا كان تأمين السعادة بهذه البساطة، فلايمكن لإنسان أن يفكر بالغربة.

حلب تئن وجعا"من كثرة أبنائها المغتربين عنها،تدعوهم للعودة إلى قلبها ، تنظر إليهم فتبصر دموعهم الحزينة فتأسف لحالهم، وتمطرهم حبا"،كل غريب عنها ،يقطف كل صباح وردة، يقذفها إلى الشمس،لتحملها بأشعتها إلى حقول السعادة، فترسم قلبا"على شجرة من أشجار الحديقة العامة،ويسمو الخيال، ويرتفع ليقطف من أشجار الجمال اللآلئ عشقاً لهذه المدينة الخالدة.

وسوم: العدد 719