مــنْ نــــــحنُ؟ ماذا نريد؟ كيفَ نُحقِقُ ما نُريدُ؟

د. حامد بن أحمد الرفاعي

باختصارٍ..نحنُ خلقٌ من خلقِ اللهِ..وعبيدٌ من عبادهِ..وأمةٌ من أممهِ..نُؤمنُ أنَّ النَّاسَ سواءٌ لا تمايزَ بينَها إلا بالتقوى والعملِ الصالحِ والاستقامةِ..ونحنُ أمةٌ تَعتزُ بالإسلامِ ديناً وثقافةً وهويةً من غيرِ بخسِ لهويةِ الآخرِين ومآثرهِم الحميدةِ..ونُؤمنُ بأنَّ حياةَ الإنسانِ وكرامتَه وحريِّتَه ومصالحه قيمٌ عُليا في ثقافتِنا ونهجِ حياتِنا..ونحنُ أمةٌ تُجِّلُ وحدةَ الأسرةِ البشريِّةِ والأخوةِ الإنسانيِّةِ..وتؤمنُ أنَّ الأرضَ سكنُ النَّاسِ وخزانةُ رزقِهم والكونُ فضاؤهم المُشتركِ..ينبغي المحافظةُ على سلامتِها وعدمُ إفسادِها والإفسادِ فيها..ونحنُ أمةٌ تؤمنُ بالتنوعِ البشريِّ والدينيِّ والثقافيِّ والحضاريِّ..ونُؤمنُ أنَّ الحضارةَ بشَقِها الماديِّ إرثٌ بشريٌّ تراكميٌّ..وأنَّ الثقافةَ مُكونٌ أساسٌ في إشادةِ البناءِ الحضاريِّ البشريِّ..وهي المصدرُ الأساسُ في ظاهرةِ التنّوعِ الحضاريِّ..والثقافة والمعرفة والقيم والسلوكيات هي مصدرُ التمايُزِ بينَ وحداتِ البناءِ الحضاريِّ الإنسانيِّ على مدارِ التاريـخِ..ونحنُ أمةٌ معَ إيمانِها الراسخِ بتميّزِ خصوصياتِها الدينيِّةِ والثقافيِّةِ والحضاريِّةِ..إلا أننِّا نؤمنُ إيماناً راسخاً بأننَّا شُركاءُ مع الآخرِ بكل تنوعاتِه الدينيِّةِ والثقافيِّةِ والعرقيِّةِ واللونيِّةِ والقوميِّةِ والسياسيِّةِ والاقتصاديِّةِ والجغرافيِّةِ..منْ أجلِ النُهوضِ بمهمةِ الاستخلافِ في الأرضِ وعمارتها واستثمار مكنوناتها ومكنونات الكون لصالح الإنسان وقدسية حياته وكرامته..ونحنُ أمةٌ تُؤمنُ بأنَّ العدلَ والسلامَ هما أٍساسُ العلاقاتِ السليمةِ والآمنةِ والراشدةِ بينَ الأفرادِ والمجتمعاتِ..وأنَّ الحروبَ خياراتٌ استثنائيِّةٌ بغيضةٌ توجبها وتقررها المبررات الشرعية لردِ العدوانِ والبغيِّ والظلمِ..ونُؤمنُ بأنَّ تنوعَ الشرائعِ السماويِّة والبشريِّةِ الراشدةِ مصدرٌ لإثراءِ حركةِ البناءِ والتنميّةِ الإيجابيِّةِ للجميع..ونحنُ أمةُ تُجلُ العقلَ وتُعلي منْ شأنِه وتُقدِّسُ المواثيق والعهود..ونحن أمة تؤمن وتؤكد بأن التعاقُد بين الأفراد والمجتمعات وبين الحكام والشعوب أساسُ العدلِ والاستقرارِ والسيرِ الراشدِ في تصّريف المسؤولياتِ في ميادينِ الحياةِ.

ماذا نُريدُ .. ؟

بكُلِّ بساطةٍ..نحنُ أمةٌ تُريدُ أن تكون حرةً عزيزةً..حرةً عزيزةً فيما تَعتقدُ وتُؤمنُ..وحرةً عزيزةً في اختيارِ نَهجِ حياتِها وفقَ معتقداتِها ووفق رسالتِها الربانيِّةِ الخالدةِ..وحرةً عزيزةً في سيادتِها وسيادةِ أوطانِها وثرواتِها..وحرةً عزيزةً في صِناعةِ حاضرِها وفي رسمِ معالمِ مُستقبلِ أجيالِها..ونحنُ أمةٌ نُحبُ للآخرين ما نُحبُ لأنفُسِنا وأجيالنا..وندعو الآخرينَ لنكونَ معاً على أساسٍ من النديِّةِ والاحترامِ المتبادلِ..من أجلِ بناءِ عيشِنا وأمنِنا ومصالحِنا المُشتركةِ..ونحنُ أمةٌ تسعى لبناءِ ثقافةٍ إنسانية راشدة مشتركةٍ بينَ الأممِ..وذلك على أساسٍ من احترامِ الخصوصياتِ الدينيِّةِ والثقافيِّةِ والأعرافِ والتقاليدِ في حركةِ التثاقُفِ المَعرفيِّ بينَنا..ونحنُ أمةٌ تَسعي ديانةً وثقافةً ومصلحةً لتحقيقِ التكامُلِ الأمنيِّ والتنمويِّ بينَ الأممِ على المُستويات الإقليميِّةِ والدوليِّةِ..ونتطلعُ للتعاونِ مع الآخرِ منْ أجلِ بناءِ ثقافةِ إنسانية تجل الكليات الربانية وتحترم الخصوصيات في الفهم والاجتهاد..وتجِل قُدسيِّةِ حياةِ الإنْسانِ وكرامتِه و حريتِه..وتصون ممتلكاتِه ومصالحِه..وتحافظ على سلامة البيئة بشقيها المادي والمعنوي..ونحن أمة تؤكدِ احترامِ التوازنِ والتكامل بينَ حقوق الإنسان وواجباتِه..وتسعى لإيجادِ تعايشِ عادلِ وآمنِ بينَ المجتمعاتِ..ونحنُ أمةٌ تُريدُ أن تكون شريكةً فاعلةً في عمارةِ الأرضِ وبناءِ حركةٍ علميةٍ وتقنيِّةٍ عالميِّةٍ آمنة راشدةٍ..تَبني ولا تَهدم..تُصلحُ ولا تُفسدُ..تُطعِمُ ولا تُجيعُ..تُعزُ ولا تُذلُ..تُسعدُ ولا تُشقي..ونحن أمة نريدُ أن نكون شركاءَ في المحافظةِ على سلامةِ الأرضِ وصحةِ الكونِ والإنسانِ وباقي المخلوقاتِ..ونسعى بكل جدية وإخلاص لوضعِ حدٍ لعبثيةِ الإخلالِ بطبيعةِ فطرةِ الإنسانِ وسلامة البيئة ووقف ممارسات إفسادِ رسالتِهما الحضاريِّةِ في الحياةِ.

كيفَ نُحقِقُ ما نُريدُ .. ؟

إن رؤيتَنا وقيمَنا ووسائلَنا الميدانيِّةِ التي نلتزمُها لتحقيقِ ما نُريدُهي:(الحوارُ،التعارفُ،التعاونُ،التدافعُ،التضامنُ،التنافسُ،التراحمُ التسامحُ،التنافعُ،والتناصحُ)التي نسعى من خِلالِها لتأسيسِ تفاهُمٍ وعملٍ بشريٍّ مُشتركٍ..يَحترمُ الخُصوصياتِ ويُعظِّمُ الكُلِّياتِ والجُوامعَ بينَ الثقافاتِ..وذلك للنهوضِ بمهمةِ عمارةِ الأرضِ وإقامةِ الحياةِ..فالمسلمُ يُؤمنُ بأنَّ العملَ المُشتركَ بينَ النَّاسِ تُوجبهُ حقيقةُ إيمانِه بأنَ:

الاستخلافَ في الأرضِ مهمةٌ إنسانيِّةٌ مُشتركةٌ. المادةَ والمخلوقاتِ الأخرى شريكةٌ للإنسانِ لإنجازِ مهمةِ الاستخلافِ. المادةَ والمخلوقاتِ حياديةٌ لا تُحابي أحداً على حسابِ أحدٍ في أداءِ مهمتِها في عمارةِ الكونِ. فرصَ النجاحِ في عمارة الأرض مُتاحةٌ للبشرِ دونَ تمييزٍ. توزّعَ الثرواتِ في الأرضِ سُنةٌ ربانيِّةٌ لتقومَ قاعدةُ الحاجةِ و التضامنِ بينَ المجتمعاتِ. الأرضَ سكنُ البشريِّةِ وخزانةُ رزقِهم المُشتركِ. العبادةَ في الإسلامِ نوعان:(روحيِّةٌ وعمرانيِّةٌ) والعبادةُ الروحيِّةُ منَ الخصُوصياتِ الدينيِّةِ..أما العبادةُ العمرانيِّةُ فهي كُلُّ جهدٍ بشريٍّ يُبذل طاعةً للهِ من أجلِ عمارةِ الأرضِ واستثمارِ ثرواتِها لصالِحِ كرامةِ الإنْسانِ..ويقرِّرُ الإسلامُ أنَّ التَنّوعَ في الشرائعِ السماويِّةِ والبشريِّة الإيجابيِّةِ يَنبغي أن يكون منطلقاً للتنافسِ في الخيرِ وإقامةِ العدلِ..والإسلامُ يُقرِّرُ أنَّ أمنَ المُجتمعاتِ واحدٌ لا يتجزأُ..وأنِّ المسؤولياتِ تجاهَه مُتلازمةٌ ومُتكاملةٌ إقليمياً ودولياً لتحقيقِ العدلِ والسلامِ والاستقرارِ والتنميةِ الراشدةِ.

وسوم: العدد 720