أنا السبب.. في ضياع القدس!

بمناسبة الذكري الخمسين لهزيمة 5 يونيو 67 وضياع القدس وكامل فلسطين والجولان، وهيمنة اليهود النازيين الغزاة على الأمة حيث أصبح لهم سفارات وخطوط طيران وعلاقات تجارية واقتصادية وإرشادية وغزلية مع الحكومات العربية، فقد رأيت من المناسب أن أكتفي بقصيدة للشاعر العراقي أحمد مطر، لأنها تغني عن آلاف الصفحات وملايين الكلمات، وأنشر القصيدة لأؤكد على بعض النقاط:

أولا- أن الهزيمة التي أصابت الأمة هي هزيمة داخلية قبل أن تكون من جانب العدو النازي اليهودي! والقصيدة تكشف أبعاد الهزيمة وأسبابها.

ثانيا- أن الكلمة الحرة الصادقة من خلال الفن الحقيقي تبقى، مهما علا ضجيج شعراء السلطان، وتلقوا أكبر الجوائز والعطايا، واحتفى بهم إعلام الطغاة.

ثالثا- أن الأديب الصادق مهما دفع من ضرائب الحصار والمطاردة والنفي والتشريد، مثلما جرى لأحمد مطر تبقى كلمته في قلوب الناس إلى يوم الدين. أما أديب الحظيرة فهو مثل الهالوك يموت تلقائيا بعد حين ولا يذكره أحد.

رابعا- يسجل التاريخ أن شعراء السلاطين يلاحقهم العار في كل زمان ومكان وخاصة حين يحتفظ بنفاقهم الرخيص، وسيرى القارئ نموذجا قصيرا لبعضهم بعد قصيدة أحمد مطر.

خامسا- أن استعادة القدس طريقها معروف، ومهما أظلم الأفق بالخيانة والجبن والضعف والكذب فسوف يأتي صلاح الدين آخر، يحمل راية الإسلام ويعيد عزة المسلمين، ويبدأ عصرا جديدا لأمة قوية شجاعة تواصل عطاءها الحضاري والإنساني.

أنا السبب.. في ضياع القدس!

 شعر: أحمد مطر

أنا السببْ.. في كلّ ما جرى لكم.. يا أيها العربْ

سلبتُكم أنهارَكم، والتينَ والزيتونَ والعنبْ

أنا الذي اغتصبتُ أرضَكم وعِرضَكم وكلَّ غالٍ عندكم

أنا الذي طردتُكم من هضْبة الجولان والجليلِ والنقبْ

والقدسُ، في ضَياعها، كنتُ أنا السببْ

نعم أنا.. أنا السببْ

أنا الذي لمَا أتيتُ: المسجدُ الأقصى ذهبْ

أنا الذي أمرتُ جيشي في الحروب كلها بالانسحاب فانسحبْ

أنا الذي هزمتُكم.. أنا الذي شرّدتُكم.. وبعتكم في السوق مثل عيدان القصبْ

أنا الذي كنتُ أقول للذي يفتح منكم فمَهُ: نعم أنا.. أنا السببْ

في كل ما جرى لكم يا أيها العربْ

وكلُّ من قال لكم غير الذي أقولهُ.. فقد كَذبْ

فمن لأرضكم سلبْ؟

ومن لمالكم نَهبْ؟

ومن سوايَ مثلما اغتصبتكم، قد اغتَصبْ؟

أقولها صريحةً بكلّ ما أوتيتُ من وقاحةٍ وجرأةٍ وقلةٍ في الذوق والأدبْ

أنا الذي أخذتُ منكمْ كلَّ ما هبَّ ودبْ

ولا أخاف أحدا.. ألستُ رغم أنفكم أنا الزعيمُ المنتخَبْ؟!

لم ينتخبني أحدٌ.. لكنني إذا طلبتُ منكمُ أي طلب

هل يستطيعٌ واحدٌ أن يرفض الطلبْ؟

أشنقهُ.. أقتلهُ.. أجعلهُ يغوص في دمائه حتى الرُّكبْ

فلتقبلوني هكذا كما أنا.. أو فاشربوا بحر العرب

ما دام لم يعجبْكمُ عجبْ.. ولا الصيامِ في رجبْ

فلتغضبوا إذا استطعتم.. بعدما قتلتُ في نفوسكم روحَ التحدي والغضبْ

وبعدما شجَّعتكم على الفسوق.. والمجون.. والطربْ

وبعدما أقنعتكم أن المظاهراتِ فوضى ليس إلا، وشَغَبْ ..

وبعدما علَّمتكم أن السكوتَ من ذهبْ

وبعدما حوَّلتُكم إلى جليدٍ وحديدٍ وخشبْ

وبعدما أرهقتُكم.. وبعدما أتعبتُكم حتى قضى عليكمُ الإرهاقُ و التعبْ

يا من غدوتم في يديَّ كالدُّمى و كاللُعبْ

نعم أنا.. أنا السببْ

في كلّ ما جرى لكم.. فلتشتموني.. في الفضائياتِ إن أردتمُ أو في الخطبْ

و ادعوا عليَّ في صلاتكم.. وردِّدوا: تبّت يداهُ مثلما تبّت يدا أبي لهبْ

قولوا بأني خائنٌ لكم.. و كلبٌ وابن كلبْ

ماذا يَضيرني أنا؟ ما دام كلّ واحدٍ في بيتهِ يريد أن يسقطني بصوتهِ وبالضجيج والصَخب

أنا هنا.. ما زلتُ أحمل الألقاب كلّها وأحملُ الرتبْ

أُطِلُّ كالثعبان من جحري عليكم.. فإذا ما غاب رأسي لحظةً ظلَّ الذَنَبْ

هلا عرفتم من أنا؟

أنا رئيس دولة.. عبيدُها من العرب!

وهذا نموذج مقابل من المدح الرخيص الذي ضلل الجماهير وساقها إلى الهزيمة والضياع والأحزان المقيمة. أغنية لصلاح جاهين ترنم بها العندليب( الجنرال عبد الحليم حافظ)، وظلت الأبواق ترددها وتقدم لنا فاتح باب الحرية(!) وكبير القلب(!)الذي اخترناه(!)، حتى وقعت الواقعة وضاعت القدس!

احنا الشعب

إحنا الشعب إحنا الشعب اخترناك من قلب الشعب

يا فــاتـح بـاب الحـريــــة يا ريــس يــا كبير القلب

إحـــــــــنـــــــــــــــــــا الــــــشــــــــــــــــــــــــعــــــــــب

يــا حـــلاوة الـشـعــب وهــو بــيــهــتــف بــاســــم حـبـيـبـه

مــبــروك ع الـشـــعـب خــلاص السـعـد حيبــقـى نــصـيـبــه

واحــنــــا اخـــتـرنــــاك وحنــــمــشـــــــي وراك

يا فــاتـح بـاب الحـريـــة يـا ريــس يــا كبير القلب

إحـــــــــنـــــــــــــــــــا الــــــشــــــــــــــــــــــــعــــــــــب

إحــنــــا حــــيــــاتــك وابتســـامتـــك وانــــت حــيــاتـنــــا

إحــنــــا بـنـفـــــرح وانـــــت بـــتــفــــرح مــن فــرحـتـنــــا

كــــل مـــــا نــــكـــبـر قـلـبـــــك يـكـــبـــــر ف مــحبتـنـــا

وإحــنــــا اخـــتـرنــــاك وحنـــــمــشـــــــي وراك

يا فــاتـح بـاب الحـريـــة يـا ريــس يــا كبير القلب

إحـــــــــنـــــــــــــــــــا الــــــشــــــــــــــــــــــــعــــــــــب

يــاللـــــي بـتـســـهـــــر لاجـــــل مـا تـظـهـــر شمــس هنـانـا

إحــنــــا جــنــودك إيــدنــــا ف إيــــدك الـوحــدة أمــــانـــة

بـــكــــرة وطـــنــــا ح يــصـــبـــــح جنـــة وانــت مـعــانــا

إحــــنــــا اخـــتـرنــــاك وحنـــمــشـــــــي وراك

يا فــاتـح بـاب الحـريـــة يـا ريــس يــا كبير القلب

إحـــــــــنـــــــــــــــــــا الــــــشــــــــــــــــــــــــعــــــــــب

وسوم: العدد 723