خيارات الثورة والمعارضة السورية حيال تعارض المصالح بينها وبين داعميها

ست سنوات من التطورات على الساحة السورية ، مقترنة بمثيلاتها من التطورات الإقليمية والدولية ، بعيدة المدى ؛ أوجدت بلا شك حالات ، وليس حالة واحدة ، من المتغيرات ، في المواقف الإقليمية من الشعب السوري ، وثورته . في تقدير الموقف السياسي الساذج فقط هو الذي يبني على قلوب الناس وعواطفهم ، في تقدير الموقف السياسي يبني العقلاء موقفهم على موقف من جنسه ، في كل الميادين . لقد أفرزت المتغيرات الدولية والإقليمية مستجدات عميقة ، سواء بفعل التدخلات الخارجية ، أو بفعل التحالفات الجديدة والمجدية ، أو بفعل القوى النامية المتغلبة ، أو تلك المتنحية المتوارية ، وما زالت هذه المتغيرات تنعكس بأكبر الضرر على الشعب السوري وثورته ومستقبله .

ما يزال الكثيرون يكابرون أو يجاحدون في الإقرار بهذه المتغيرات ، من منطلقات عاطفية تارة ، ومن منطلق وقوعهم كلٌ في أسر الدول التي يلتصقون بها ، ويبنون خياراتهم على خياراتها ، فيقدمون مصالحها على مصالحهم ، وأولوياتها على أولوياتهم الثورية والوطنية ، وهم لا يملكون أي قدرة ، على رفع رؤوسهم للنظر في عيون من يعتبرونهم أولياء ...

بالأمس فقط كان منظر استراتيجي يرى ، في قيام (كردستان الكبرى ) على الأرض ( العراقية - التركية - السورية – الإيرانية ) جبلَ النار الذي تمناه عمر بن الخطاب بين فارس والعرب ، كما يزعم المؤرخون .

إن دولا قامت استراتيجيتها على أنها لا تريد أن تحارب ، وتريد دائما أن تجد من يدافع عنها ، لن يهمها كثيرا ما يجري في العراق أو من يحكم في الشام ، أو أي صداع يصيب الأتراك .. لقد كان المستعصم من قبل يحلم ألا يبخل عليه التتار بما وراء سور بغداد فقط ...

وعلى النقيض من تلك الرؤية التي ترى في كردستان الكبرى ملجأ ومنجاة سنجد في الإقليم دولا مستعدة أن تذهب في أي طريق ، ومع أي خيار ، مقابل أن تدفع عن نفسها شر الحزام الكردستاني ألذي يعوّل عليه الآخرون ..

وبين خيار وخيار – وهذه أنموذج فقط – أين للثورة السورية ومعارضتها أن تكون ؟!

يهمنا أولا يهمنا في هذا السياق موقف هذه الدولة أو تلك ، فلكل دولة أولوياتها ومصالحها ؛ السؤال الأهم الذي نطرحه على أنفسنا بكل الجدية والمصداقية : كيف يمكن للمعارضة السورية الأسيرة هنا وهناك وهنالك ، أن تحتفظ بحقها بالتمسك بأولوياتها الثورية ، وثوابتها الوطنية ، والدفاع عن مصالحها ، ليس على مستوى إصدار بيان أو إطلاق تصريح يصدر عن هذه الجهة او تلك ، وإنما على صعيد مواقف وسياسات عملية ، يعتقد صاحب اليد العليا على كل جبهة أنها تضر بمصالحه ، وتقطع عليه طريق أولوياته ... ؟!

سؤال مشروع ومطروح بجدية ومصداقية ..

 وما زال السوريون يدفعون ثمن غياب الجواب من أعراضهم ودمائهم وآلامهم ، بل وسيدفعون ثمنه من مستقبل وطنهم وأجيالهم ...

الأمر جد ، وليس بالهزل ، ولا يصلح فيه التلكؤ ، ولا التمكمك لمن يريد أن يؤدي الأمانة التي أؤتمن عليها ...

..." إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ".

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 724