السَّاق في القرآن الكريم

كنتُ كتبتُ قبل سنوات أنَّ قوله تعالى: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ استعمال عربيُّ يدلُّ على «الشّدَّة»؛ لأنَّ الإنسان إذا دهمته شدَّة شمَّر لها عن ساقه، ومنه قول العرب في أمثالهم: «قامت الحرب على ساق»؛ أي: اشتدَّت واحتدمت. ويُروى أنَّ «نافعًا» سأل «ابن عبَّاس» عن معنى الآية فقال: «الشِّدّة بالشِّدَّة»([1]).

إلا أنَّ الصّواب جانبني في ذلك؛ لأنَّ اللَّفظ في «القرآن الكريم» له دلالته الخاصَّة، ومفهومه الذي لا يمكن أن يُستغنى بغيره عنه، ممَّا دفعني إلى العودة لدراسة هذا اللَّفظ من حيث الاستعمال «القرآنيّ»، ودلالته في المواضع التي ذُكر فيها، وارتباطها بالأصل اللُّغويّ الذي وضع من أجله.

نصَّ علماء اللُّغة على أنَّ «ساق» الثُّلاثيّ يدلُّ على «حدو الشَّيء»، أي: بيان الطَّريق لمن لا يعرفه، سواء أكان للإنسان أم لغيره، ومثال الأوَّل قوله تعالى: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾، أي: نوصلهم إليها، وندلُّهم على طريقه، وقد ذهب بعض «المفسِّرين» إلى أنَّ في الآية «إذلالاً» دلَّ عليه لفظ «نسوق»؛ بل إنَّ بعضهم قد ذهب إلى أبعد مما يحتمله «أصل» اللفظ، فجعل المعنى: «الحثُّ على السَّير»([2]).

والصَّحيح أنَّ «ساق» لا دلالة فيه على «الإذلال»؛ لأنّ «القرآن الكريم» جعل «السَّوق» لـ«لكافرين» كما في قوله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ ﴾، وجعلها لـ«المتَّقين» كما في قوله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾، وفي كليهما دلالة على إرشادهم إلى طريق «النَّار»، وطريق «الجنَّة».

أمَّا الثَّاني فمثاله قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾، أي: نسيِّره في طريق موصلٍ إلى الأرض الجزر، ولم يخرج الاستعمال القرآني عن هذا المعنى.

وورد أيضًا بمعنى «ساق» الإنسان، أي: قدمُه، مع التَّنبيه على أنَّ ثمَّة فرقًا بين استخدام «قَدَم»، و«رِجْل»، و«ساق»، فلكلٍ منها استعمالها الخاصّ بها؛ وإنَّما سُمِّيت «ساق» الإنسان «ساقًا»؛ لأنَّها أداةُ حركتِه في «الطَّريق»، فتسوقه إليها، فكأنَّهه طريقه، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ ﴾.

و«السَّاق» اسم على مثال «فَعَل»، ويُجمع على «فُعول»، و«أفعال»، وقد وردا في «القرآن الكريم» في قوله تعالى: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾، والمراد منها «ساق الإنسان»، وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾، والمراد منها: «الطُّرق» الكثيرة.

أمَّا «السَّائق» فاسم فاعل من «ساق»، ويُراد به كلُّ من يرشد «المسوق» إلى الطَّريق، ومنه قوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾. 

([1]) الكامل في اللغة: ص246.

([2]) جامع الأحكام للقرطبي: 7/410.

وسوم: العدد 727