طلع البدر علينا .. يا أبناء الاستبداد والظلام!

في جريدة الأهرام 20/7/2017م كتب "عمرو عبد السميع" في عموده اليومي عنوانا يقول "طلع الجهل علينا" مشيرا إلى قصيدة أعدّها شيوعي تونسي، يتخذ من نشيد الأنصار في المدينة المنورة عند استقبالهم للرسول– صلى الله عليه وسلم– مهاجرا من مكة إلى المدينة، بناء شعريا بذيئا يهجو فيه نفرا من المسلمين لا يعجبونه ويتهمهم بالتطرف والسلفية.

عمرو عبد السميع ابن النظام العسكري، وكان أبوه كذلك، فقد كان رساما للكاريكاتير في عهد الطاغية العسكري الأرحل جمال عبد الناصر، ومن المؤمنين بفكره الاستبدادي الفاشي، والأب والابن لم يتركا حِجْر السلطة أبدا، والأخير قدم نفسه وتقرب وتذلل إلى من كان يظن أنهم يملكون سلطة القرار في فترة الرئيس المسلم محمد مرسي، معلنا أنه تاب وأناب، ليحظى بشيء من العطايا والهدايا، ولكن القوم فيما يبدو لم يكونوا يملكون شيئا يمنحونه لمن يمدّ يده، وكانوا يعتقدون أن العدالة والكفاءة والاختيار المنصف للمناصب من أسس قيام الدولة الرشيدة، وللأسف فقد اخْتُطِف الرئيس الذي انتخبته الأغلبية، وتم تغييبه قسرا، وصودرت إرادة الشعب، وفرضت عليه الأحكام العرفية، أو أحكام العصا الغليظة التي لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة. وصار لعمرو عبد السميع مكان في خدمة البيادة وتجلياتها الكئيبة، وأفسحت له جريدة الأهرام مكانا فسيحا يحكي فيه عن ذكرياته مع أبواق الحكم العسكري منذ عهد البكباشي المهزوم دائما حتى زمن الانقلاب الجديد، وعوضوه عن برامجه التي كان يخدم بها لجنة السياسات، ويحارب بها الحرية والديمقراطية، والعلم والمعرفة، وصار يكذب كما يتنفس، ويردح لكل حر يعارض وحشية العصا الغليظة، وعشوائية الحكم الفاشي، وبلطجة الثقافة المغشوشة.  

من حق الشيوعي التونسي أن يسير على نهج رفاقه العرب وأشباههم في طعن الإسلام والسخرية منه، وتحويل أجمل نشيد تعتز به الأمة الإسلامية إلى جراب يحشوه بكل القيح والصديد العلماني والسباب والبذاءة التي يحملها اليساريون بعامة للإسلام والمسلمين، حتى لو دفعه جُبْنه الخسيس إلى وصم من يهجوهم بالجهل والإرهاب ومرادفاته كي يفلت من المساءلة والإدانة .

لقد بارت بضاعة اليسار في العالم العربي؛ فتحول إلى بوق رخيص سيئ الأداء، مهمته الأولى النيل من الإسلام والتشهير بالمسلمين وتشويه صورة الدين في أذهان الناس بالكذب والتدليس والتضليل والفحش والبذاءة والسباب. بدلا من أن يحدثنا اليساري المدجن الذي يخدم الاستبداد واللصوص الكبار وطبقة الأغنياء الجدد، عن الفقراء والكادحين والمحرومين، والصراع الطبقي والحتمية التاريخية، وانتصار الطبقة العاملة، صار متفرغا لإدانة الإسلام، وعاملا انتهازيا في صناعة الإسلاموفوبيا التي تتقنها جهات أجنبية تمثل العداء التاريخي للإسلام.

يخبرنا السيد عمرو عبد السميع- المتخصص في تقديم بلاغات ضد المسلمين الأحرار- أنه نادرا ما يلجأ إلى الإنترنت ليستمد منه موضوعات لعموده المؤذي،  وأنه عثر أخيرا على شيء فيه ورأي ضرورة عرضه على القراء لأنه ـ بدرجة كبيرة ـ يجسد حالة العقل العربي فيما بعد عملية يناير(؟) وما رافقها من عمليات(؟) في بلاد أخرى، وتلك السيطرة المروعة لجاهلية الإسلام السياسي(؟) وجمود وتعفن العقل المتطرف على الفكر العربي، وتتمثل تلك المادة التي رآها جديرة بالنشر في قصيدة رائعة(؟) للشاعر التونسي أحمد عمر زعبار ويقول فيها: (طلع الجهل علينا من ثنيات الرعاع.. طلع السلف علينا لبس الدين قناع.. فُرض القهر علينا ورأى الأنثى متاع.. ورأى النصر المبينا في نكاح وجماع.. أيها المملوء طينا إنما العقل شعاع.. وظلام الملتحين يكره النور المشاع.. أيها المدسوس فينا جئت بالقول الخداع.. جئت خربت المدينة وقلبت السقف قاع.. جئت بالأمر المشينا جئت بالهمج الرعاع).

ويواصل السيد عمرو عبد السميع بوق لجنة السياسات، ولسان الخليفة الذي كان منتظرا لحسني مبارك؛ كلامه عن اكتشافه القبيح، فيقول:

هذه القصيدةـ على بساطتهاـ جاءت تعبيرا بالغ الدقة عن الحالة التي خيم فيها التطرف بجموده العفن على العقل العربي وأنشب فيها مخالبه الشرسة في دماغ المواطن العربي ليحيله لعبة لا تعرف إلا السمع والطاعة للأمير وبطانته سواء كان اسمها مكتب إرشاد أو مجلس شورى مسلمين أو غير ذلك من الترهات، القصيدة مستوحاة من إنشاد(؟) ديني شهير لأنصار المدينة فى استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هذا التناص intertextuality تعبيرا عن ضيق النفوس المؤمنة بوباء الجهل الذى يهجم علينا من كل حدب وصوب مظهرا ذاته وكأنه النقاء مقطوع الصلة بكل ما نعيشه فيه ـ بوجهة نظر متخلفةـ من موبقات وكفر وما يعيش فيه هو من نقاء وتبتل. ويرى السيد عمرو أن القصيدة تعبير عن طبيعة المواجهة بيننا وبين قوى التخلف التكفيري وبشارة انتفاض ضد جهل وجاهلية تلك القوى(؟).

السيد عمرو لا يفقه معنى التناص، ولا يعرف أبنية الشعر، فما كتبه رفيقه الشيوعي، ليس تناصا، ولكنه يسمى احتذاء أو معارضة أو تقليدا رخيصا لنشيد تعتز به الأمة، وترى في معانيه نماذج للعظمة الإنسانية التي صنعها الوحي، وأخرجت الناس من عتمة الجاهلية المدججة بالسيف إلى رحابة الطمأنينة التي يصنعها الإيمان بالواحد الأحد، ولكن الشاعر البذيء استباح لنفسه أن يشوه المطلع البديع ليحل الجهل محل البدر، وتخريب المدينة بدلا من تعميرها بالنور والعلم ، ويرى النكاح والجماع نصرا مبينا عند من سماهم السلف أو الهمج الرعاع- طبعا أمراء النكاح والجماع في مكاتب لندن مستنيرون، لأنهم يمارسون إمارتهم على حساب الصحف والكادحين!

لا ريب أن خصوم الإسلام، أعداء الشعوب والحرية، لا تعنيهم قضايا الأوطان، الذي يعنيهم خدمة سادتهم المستبدين الفاشلين في كل شيء إلا قهر الناس وإذلالهم. وما بالك بشخص يحمل لقب دكتور، ويعمل صحفيا- أي في أعلى درجات الوعي والفهم كما يفترض- ثم يسمى ثورة يناير عملية، وثورات الشعوب العربية عمليات؟ هل يدرك هذا الكائن أن ما يسميه بالعمليات هو سعي مشرف لنيل الحرية من طغاة خربوا بلادهم وأتعسوا شعوبهم، وصادروا الحريات والكرامة والأمن، ثم سلموها لأعدائهم مجانا، وكانوا كنزا استراتيجيا يتفاخر الأعداء بامتلاكه؟

لماذا ينحرف اليساريون وأشباههم عن معالجة القضايا الأساسية للشعوب، ويتعلقون بأذيال أمور هامشية لا تمثل بالمفهوم العلمي ظاهرة أو تيارا متل التطرف اللهم إلا إذا كانوا يقصدون بالتطرف والتشدد والإرهاب الإسلام نفسه، ويسعون لاقتلاعه واستئصاله، ومحوه من خارطة العقائد، والنبوات؟ لقد تجاهل خدام الاستبداد والفاشية العسكرية معاناة الناس وقهرهم ومظلوميتهم، وسرقة حريتهم، ومصادرة منابر التعبير، والقتل اليومي خارج القانون، وحشر عشرات الآلاف من أشرف الناس داخل السجون المظلمة، والانتقام بوحشية من كل صاحب ضمير حي، وراحوا ينظمون قصائد بذيئة تصادم العقل والوجدان والذوق العام. فهل يدوم ذلك طويلا؟

الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 734