أنقذوا مريم ..

من هي مريم ؟

يومًا ما أطلق هرقل ملك الروم سؤاله لأبي سفيان بن حرب الذي خرج في تجارة إلى الشام: هل يرتدُّ أحدٌ من أصحاب محمدٍ سخْطةً لدينه؟ فأجاب: لا، فعقّب هرقل قائلا: "كذلك الإيمان حين تخالط بشاشتُهُ القلوب".

فكيف يرتد هذا العدد المُريع عن الإسلام؟ 

أين بشاشة الإيمان التي تخالط القلوب؟

في الوقت الذي تَدَاعت علينا الأمم كما تَدَاعى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتَها، ننظر بعين الحسْرة إلى تعداد الأمة الإسلامية الذي لا يتناغم مع ذلك الاستضعاف والخَوَر، ونتساءل كما تساءل الصحابة الأطهار: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟

قَالَ:(  بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ).

حقٌ ما قال الشاعر في رِثائه:

أنّى اتجهتَ إلى الإسلام في بلدٍ  

تجده كالطير مقصوصًا جناحاهُ

إندونيسيا إحدى دول الإسلام التي أصابها الوهن، والمسلمون فيها كغثاء السيل، والدين فيها يفارق أهله، والأمة في سبات عميق.

كثيرا ما ينتابنا الفرح لذكر تعداد المسلمين في إندونيسيا، والذي يقدر بحوالي 230 مليون مسلم من إجمالي عدد سكان يقدر بحوالي 255 مليونا، لكنّ هذه الفرحة حتما ستتبدّد عندما نعلم أن 2 مليون مسلم يفارقون دينهم سنويا إلى المسيحية.

نعم صدِّق ما قرأَتْه عيناك، بل أزيدك من شِعر الأسى بيتًا، وأقول إن إحصائياتٍ لمؤسسة الأزمات الدولية لعام 2012، أشارت إلى أن استمرار المسيحية في النمو لن يُبقي إندونيسيا ذات أغلبية مسلمة بحلول عام 2035.

أكرر : كيف يرتد هذا العدد المُريع عن الإسلام؟ أين بشاشة الإيمان التي تخالط القلوب؟

يقولون في المثل: إذا عُرف السبب بطل العجب، والسبب الرئيس الذي جعل النشاط التنصيري يجتاح تلك الديار المسلمة، هو تلك الحكومة العلمانية التي مكّنت لتلك الأنشطة المفزعة.

تلك الزمرة العلمانية الحاكمة التي لا ترعَى عقيدة ولا شريعة، تركت المسلم ينسلخ من هويته بطوفان التنصير،  مجموعة حكومات علمانية تُمثِّل ذَنَب الاستعمار الذي رحل عن أرضها بجيوشه عام 1945، لكنه ترك نُخبة علمانية عميلة، تمكن المسيحيون من التوغل فيها والتسلّط عليها.

تلك الحكومات التي همّشت تعاليم الإسلام وحصَرتْ دوره بين جدران المسجد، فخطبة الجمعة التي لا تلامس غالبا واقع الناس، هي الرافد الوحيد الذي يمد المسلمين بالمعرفة الإسلامية، وأما خارج المسجد، فلا يكاد الزائر يلحظ أثر تعاليم الإسلام على مظاهر الحياة العامة، بل اهتمام الحكومة بالاحتفالات الدينية للطوائف الأخرى خاصة المسيحية، يجعل الرائي يظن بأنها دولة مسيحية.

ولا عجَب، فكم جاملت الحكومةُ الأقلياتِ بالسكوت عن جرائمها بحق المسلمين، فلا تزال المجزرة التي ارتكبتها قبيلةُ "الداياك" الوثنية بحق مسلمي المادورة عام 1999 حاضرة في الأذهان، راح ضحيتها حوالي ثلاثة آلاف مسلم وفقا لبعض التقارير، ثم عاودت القبيلة بعدها بعامين ذبح المسلمين في مجزرة راح ضحيتها 500 مسلم، وقطعت رؤوس مائة مسلم بينهم أطفال ونساء، وألجأت 100 ألف إلى الهجرة.

ويوم عيد الفطر عام 1438 هجرية ، هاجمت مجموعة مسيحية في شرق البلاد 153 مسلما كانوا يؤدون صلاة العيد ، واعتدوا عليهم بالحجارة وأحرقوا المسجد، بينما لم يزِدْ الموقف الحكومي عن محاولة تسْكين المسلمين وامتصاص غضبهم.

وأما القنوات الفضائية فتخلو من الاهتمام بالتوعية الدينية ونشر الثقافة الإسلامية، فكانت النتيجة أن انحسرت الأغلبية المسلمة من 97% إلى 85%، وإلى الله المُشتكى.

بعد رحيل الاستعمار جاء الرئيس سوكارنو كجزء من الإرث الاستعماري، وأصرّ على أن تقوم الدولة على المبادئ العلمانية، وأصبحت تُدرّس في المحاضن التعليمية، ومنذ ذلك الحين تحافظ تلك الحكومات على منح الحرية للأقليات الدينية على حساب المسلمين، وتُعادي مطالب إسلامية بتطبيق الشريعة.

في مقابل تهميش الشريعة الإسلامية، ترك النظام الحبل على الغارب أمام الإرساليات والأنشطة التنصيرية، والتي تتجاوز ميزانيتها ميزانية العديد من الدول، أتاحت لها إنشاء القنوات التلفزيونية وعشرات الصحف والمجلات، وبناء الكنائس في قلب الأحياء الإسلامية في الوقت الذي يُضيّق فيه على بناء المساجد.

جميع المؤسسات الاقتصادية التي تتحكم في اقتصاديات إندونيسيا تقع في قبضة النصارى الصينيين، ومع انتشار البطالة والفقر خاصة في أوساط المسلمين، تقوم الجهات التنصيرية بشراء الأراضي المتميزة بأثمان عالية، وتتَبنَّى أبناء المسلمين الفقراء وتستغل الملاجئ ودور الحضانة ومراكز التدريب، الأمر الذي يُسهّل لهم عملية تنصير الأجيال الناشئة.

واستغلالا لعنصر الجهل وانتشار الخرافات تقوم تلك الجهات بنشر مواد صوتية للإنجيل مُرتَّلة باللغة العربية حتى تُوهِم المسلمين بأنها من سور القرآن.

وأنشأ القائمون على النشاط التنصيري مراكز لتدريب المُنصِّرين في لاونج شرق جاوة، ما نتج عنه تنصير قرية مسلمة في بونوروجو شرق جاوة.

إنّ ضعْف الوسائل التي يتعرف بها الشعب الإندونيسي على حقيقة الإسلام، قد منح النشاط التنصيري فرصة لتحديث وسائل التنصير عن طريق استغلال البُعد الاجتماعي، فهناك خطوط هاتفية تُقدم استشارات اجتماعية شبابية، تجيب الشباب على المسائل التي تدور في عقولهم، ويقومون باحتفالاتهم الدينية يوم الجمعة مستخدمين مصطلحات إسلامية في محاضراتهم كالإيمان والصلاة ولفظ الجلالة، ويتلون كتابهم باللغة العربية بطريقة تُشبه تلاوة القرآن للتدليس.

كما يقوم أعضاء الجهات التنصيرية بإقامة علاقات جيدة مع الشباب المسلم واستدراجه لحفلات موسيقية تنظمها الكنيسة المحلية.

يا قومنا أنقذوا الأفواج الخارجة من الدين قبل أن تفقد إندونيسيا هويتها الإسلامية، أنقذوا فتيات ينسلخن من دينهن بسبب خروجهن من فقر القرى إلى المناطق السياحية، فيتزوجن من أوروبيين ينتشلونهن من الفقر، ويكون الثمن هو الارتداد عن الإسلام.

أنقذوا أولئك الشباب الذين ينسلخون من دينهم تحت مظلة البحث عن الحرية بعيدا عن أحكام الشريعة في ظل وجود حكومة لا تتدخل في قضية تغيير الديانة، وفي ظل جهل أطبق على عقول الجماهير.

ألا أيها العرب يا من يرى فيكم المسلمون الأعاجم قدوةً ومثلًا باعتباركم أحفاد الصحابة، لا تبْغُونها عِوجًا في زياراتكم ورحلاتكم السياحية إلى إندونيسيا، فكثير من أهلها قد ارتدوا بسبب صدمتهم فيكم لتجاوزكم تعاليم الإسلام وخروجكم عن أدب الشريعة المحمدية.

يا أصحاب الأموال، ويا أصحاب العلم ورموز الدعوة، أين أنتم من مسلمي إندونيسيا ؟

من لمحطات فضائية تنشر رسالة الإسلام الصحيح وبث المعارف الإسلامية؟

من لإنشاء خطوط هاتفية للمساعدة الاجتماعية تتواصل مع الشباب الإندونيسي وتجيب على أسئلتهم وتعالج قضاياهم؟

أين مواكب الدعوة والتعريف بحقائق الإسلام الوسطي التي تعمل ضد طوفان التنصير؟

أين الأعمال الإغاثية والمساعدات الإنسانية الموجهة لفقراء المسلمين في إندونيسيا لحمايتهم من ضغوط الحياة التي تدفعهم إلى ترك دينهم؟

أين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لينهضوا من أجل قضايا الشعب الإندونيسي والتعريف بخطورة التنصير ووسائله؟

يا أهل الإسلام أدركوا إخوانكم، أغيثوهم قبل أن يفارقوا دينهم، حركوا القضية واملأوا بها الآفاق..

اللهم إنك تعلم أني أحاول إحداث فرق بما أكتب، وأني لا أملك الا هذه المنابر التي يسّرتها وسخّرتها لي ، وأعترف بتقصيري، هو جُهد المُقلّ ، فبارك لي بالقليل الذي بلّغت وانفع بكتاباتي الاسلام والمُسلمين، اللهم اشهد أني كتبت هذا من قلبي ، وأني لا أبتغي لقاء هذا لا حمدا ولا مكسبا ولا شكورا ..

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وسوم: العدد 753