المصطلحات الإسلامية

د. صلاح الدين سليم ارقه دان

في جلسة اجتماعية ليلة أمس طرح بعض الفضلاء أسئلة تتعلق بالمصطلحات الإسلامية وما يدور حولها من شبهات معاصرة، وأبرزها: 

الخلافة، 

الشورى، 

أهل الحل والعقد، 

الجهاد في سبيل الله، وهل كان لإكراه المغلوب على اتباع دين الغالب؟! 

الاجتهاد، 

وكانت طبيعة الطرح أسئلة متوالدة من أسئلة هي في أصلها شبهات تثيرها مواقع إعلامية ومواقع تواصل اجتماعي تأتي في الغالب للتشكيك بالحقائق والثوابت التي استقرت عليها الأمة، وإلقاء الشبهات التي يتلقفها الغرّ من أبناء أمتنا فيتبناها لتعزيز موقفه المخالف بل والمعادي لمجتمعه وثوابته، فيما يتداولها المؤمنون بهدف إيجاد أجوبة مقنعة لمطلقيها.. 

وبكلا الحالتين يتم توسيع دائرة نقطة زيت الشبهات لتصبح كرة ثلج تتدحرج وتأخذ في طريقها كل من يقف في وجهها لأن الهجوم جماعي والدفاع فردي.. 

لعل المطلوب من أبناء الساحة الإسلامية أن يعيدوا النظر في مفردات خطابهم ومصطلحاتهم لأنها نفس المصطلحات التي استخدمتها الفرق والأحزاب المعاصرة المختلَقة كداعش والحشد الشعبي وفيلق العباس وفاطميون وغيرهم على شاكلتهم، للنيل من قيم الإسلام نفسه بتطبيقات مشوهة مبتسرة بعيدة عن حقيقة النص وروح التشريع.. كما رأينا في العراق وسورية واليمن وليبيا ونيجيريا وغيرها.. 

إنني أرى أن المصطلحات نفسها كما أطلقها واستخدمها السلف ليس عليها غبار، ولكن ما يطرحه الخصوم وبعض أنصاف المتعلمين من المتحمسين أسبغ عليها معانٍ أخرى، وهذه المعاني هي التي ينبغي بلورتها إما بتعريف المصطلح كما فهمه السلف وإما بطرح مصطلحات يفهمها أهل العصر من المسلمين وغيرهم.. 

ووجهة نظري المتواضعة والسريعة، هي التالي: 

الخلافة نظام العدل الإلهي للحياة البشرية، ولا مانع من استخدام مصطلح آخر لوصف الدولة المسلمة.. 

والشورى هي إشراك الأمة في قرارات السياسة والاقتصاد والتنمية والتعليم والحرب والسلم التي تمسها وتمس أمنها واستقرارها ومستقبلها وضمان عدم العدوان على حقوق الخالق والمخلوق، وينبغي طرحها بقوة في هذا الاتجاه حتى يصبح المصطلح واضحاً لمستخدميه وسامعيه.. 

وأهل الحل والعقد هم الذين يلجأ إليهم الناس في الملمات والمهمات لمواجهة التحديات ووضع الحلول، وقد ارتضى الغرب أن يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب لتمثيل شرائح الشعب، ونحن في الإسلام نملك هامشاً من الحرية الإدارية والتنظيمية لنحدد الصيغة المناسبة لكل زمان ومكان في اختيار أهل الحل والعقد.. بل وحتى في اختيار المصطلح المناسب لتسميتهم، إن كان (أهل الحل والعقد) مصطلحاً غير واضح لمستخدميه وسامعيه.. 

والجهاد في سبيل الله، يعني ببساطة أن يكون الدفع (الدفاع) أو الهجوم (الصولة) لله خالصاً لا لحظ النفس، وهو مصطلح أوسع وأعمق من (القتال) الذي هو أحد أوجه الجهاد وليس كل الجهاد.. 

أما هل كان القتال لنشر الإسلام، بمعنى إكراه الناس بقوة السيف، فهذا لا يقوله عاقل عنده أدنى اطلاع على مسيرة الإسلام الجهادية، إنما (القتال) قرار سياسي يواجه قراراً سياسياً يقابله، كما وقع في فتوحات الشام والعراق ومصر، فتلك الدول بدأت أو بدأت الحكومات المسيطرة عليها بالعدوان أو الإعداد له، فكان قرار المواجهة، مواجهة الفئة القليلة للفئة الكثيرة، ونصر الله القلة مع الإيمان وهزم الكثرة مع الخذلان، ولكن هل أعقب الفتح إكراه للناس على تغيي دينهم؟! هذا لم يقع، وبقيت الطوائف من اليهود والمجوس والنصارى حتى اليوم موجودة ومشاركة في الحياة اليومية ونسيجاً غير منسلخ من نسيج الأمة.. فتأمل.. 

أما ما نراه اليوم من فوضى الفتاوى، وإحياء الآراء الشاذة، وإلقاء الشبهات على الثوابت، سواء كانت ذات علاقة بعالم الغيب، أو نظام الأسرة، أو المعاملات السياسية والاقتصادية، فليس اجتهاداً على وجه القطع واليقين، ومن ذلك من يثير جواز زواج المسلمة من غير المسلم، أو يقول بوجوب معادلة جديدة للإرث، أو غيرها مما هو منتشر بين الناس.. 

وأعجب العجب أن ترى من لا باع له بالفقه ولا بالحد الأدنى من العلم يتصدى لتفسير الآيات والأحاديث بما يخرج عن اللغة والمصطلح وأصول الفقه، بل ويتعارض مع الأدلة الثابتة الراسخة.. إنها حملة منظمة ليست عشوائية، يقوم بكبرها رجال أفسدتهم الدنيا وأفسدتهم السلطة، وجمعوا فوقها الجهل بحقائق التأريخ، وعلم الرجال، وإلا لما افتروا بأن البخاري (على سبيل المثال) وهو الذي عاش في العهد العباسي كان أموياً عمل على تثبيت ما اخترعه بنو أمية من الدين(!) فهؤلاء كمن ترضّى على عنترة إذ حسبوه من الصحابة، و"خلطوا عباس بدرباس" (كما يقول المثل العامي) فكان عملهم خبط عشواء للشهرة (كمن بال في المسجد حتى ينتشر اسمه بين العرب).. 

ويبقى الموضوع مفتوحاً لأهل الفضل حتى يبينوا في ما يستحق من الخير.. 

والله تعالى أعلم وأحكم

وسوم: العدد 755