إطلالةٌ على عذابات الأكراد من على "غصن الزيتون"

في امتدادٍ غير خاف لمواقف " تركيا ـ إيران ـ روسيا " من المسألة الكردية، التي تجلَّت في الموقف المنسجم من انتخابات إقليم كردستان، للانفصال عن العراق، التي بدأت في يوم الاثنين: 25/ 9/ 2017، التي بات من المرجّح فيها انخراط الأكراد في المشروع الأمريكي، في إعادة تشكيل خارطة المنطقة على أساس: إثنيّ، و طائفيّ، و ذلك في رغبة منها لجسّ نبض دول و شعوب المنطقة، لمعرفة مدى استعدادها، للانخراط في مشروعها في إعادة رسم خارطة المنطقة، حيث قامت أمريكا باستمالة عدد من التنظيمات الكردية، بغض النظر عن إرثها السياسيّ الثوريّ ذي النزعة اليسارية، أو تحالفاتها العسكرية مع الروس أو مع النظام، لتكون أدواتٍ لها في تنزيل هذا المشروع على خارطة المنطقة.

الأمر الذي جعل هذه التنظيمات تبتعد بالكليّة عن المشروع الوطنيّ الجامع لعموم السوريين، في تحركهم في آذار 2011، و استخفاهم كثيرًا بخطورة تحركهم في هذا المسعى الانفصالي، الذي اصطدم بحائط الصدّ المتماسك: محليًّا، و إقليميًّا، و حتى من أطراف دولية، كروسيا و الصين.

فالانخراط الروسيّ في الملفّ السوريّ، على ما فيه من مباينة لإرادة السوريين في مناهضتهم النظام، إلاّ أنه يبقى محافظًا على وحدة الجغرافية السورية، على خلاف الرؤية الأمريكية في ذلك، التي لا يعنيها كثيرًا تمزيق هذه الجغرافية و تشظيتها، حتى و لو طالت تداعياتها حلفاء استراتيجيين لها في المنطقة، كانعكاس لنظرية الفوضى الخلاقة، التي بشّرت بها كثيرًا الوزيرة رايس.

و وفق ذلك يمكن قراءة هذا الانسجام لهذه الدول الثلاث، في الموقف الحالي من التحرّك التركيّ، نحو وأد مساعي عدد من الفصائل الكردية، للسير نحو الانفصال عن دمشق، و هو المسعى الذي ترفضه ـ على حدّ سواء ـ فصائل المعارضة و النظام، و تتوجس خوفًا من تشظياته دول الجوار، كتركيا و الأردن، و حتى الأخرى كالسعودية و إيران، ناهيك عن روسيا، و بَلْهَ الصين، التي تشعر بخطورة القبول بهذه المخططات على أمنهما القوميّ.

و بهذا يفسِّر كثيرٌ من المراقبين المواقف المؤيدة للتحرُّك التركي في إطار " غصن الزيتون "، و بمشاركة واسعة من فصائل المعارضة السورية، ذات الأبعاد المحلية.

لدرجة جعلت مسؤولي الوحدات الكردية، يذهبون إلى أنّ ثَمَّة صفقة قد عُقدت، و كانوا هم ثمنها من تحت الطاولة.

فالروس قد قلبوا لهم ظهر المِجنّ، و الإيرانيون لا يُعيرونهم اهتمامًا، و النظامُ ملتزمٌ بالتوجيهات التي صدرت منهما، بترك هذه الوحدات المنخرطة في المشروع الأمريكي، تئنّ كثيرًا تحت ثقل الآلة العسكرية التركية.

و كعادة الأمريكان في التخليّ عن أصدقائهم عند اصطدام مشروعهم بحائط صدّ قويّ، سرعان ما تركوهم في منتصف الطريق، و باتوا يعيدون قراءة المشهد بما يتفق مع الرؤية التركية، في انتظار أن تنضج ظروف إنضاج مشروعهم مستقبلاً.

و حتى ذلك الحين سيدفع الأكراد مزيدًا من العذابات، نظرًا لتغيُّر رياح التحالفات السياسية، على غرار ما كان من الاتحاد السوفييتي، مع كردستان إيران، أيام جمهورية مهاباد، في  31 بآذار سنة 1947، عندما أعدم قاضي محمد  في ساحة عامة في مدينة مهاباد، و انسحب مصطفى البارزاني مع مجموعة من مقاتليه من المنطقة، و كذا من الأمريكان مع كردستان العراق، في الأول من تشرين الثاني سنة 2017، عندما انقلبت الطاولة بوجه مسعود برزاني، و الآن من الروس و الأمريكان مع كردستان سورية، في 20 كانون الأول 2018، حيث تُرك سيبان حمو و صالح مسلم وحيدين يصارعان ذئب الأناضول.

وسوم: العدد 756