التقطير الاتلافي

جذعٌ وفرع والغصون الوارفات

أقمن صرحاً بالعلا

في رحابٍ سابحات

نزل المطر طُهراً

ليغسل صبح وجنات الوجوه

حتى بدا وجه الربيع بقلبه

والرافد المنشود في كل اتجاه

يرمي ظلالاً فوق أنحاء الخصيب

على ربوع حاضنات

جلستْ إليه على الأرائك

تستقي منه الحسان الراغبات

واقي من القيظ الحرور بنفحةٍ

تتدلى أغصان النماء الطارحات

وعلى وجوه الشاهدين

بمقل فجرٍ قد أفضن الزاخرات

سحب تلاقت والنسيم على زهور رامقات

وهبوب عاصفة تجوب بلفحها

تطوي القفار على جبين الماثلات

عزفتْ لها أنشودة بين ردهات الفلاة

بخُطى الإباء فلا تراجع لا تلكّأ لا انفلات

يعدو بها الوثاب

رافعاً نُبل الأماني والمعاني والصفات

ظَلَ النَضَارة والعتاد

ونبع ترياق سرى بين عيدان اليباس

فعاد نضراً للنبات

ظَلَ السماء بصحوها وسحابها

بوجومها وغيومها

وعيون سقيا ممطرات

بصفائها درر الجمان لها بريق ساحرٌ

يسبي بيانا ًمن قريض فوق أسفار الرواة

فمداد روح للرواح

على الرُبى بين روضات النماء

على ضفاف النهر يمضي في ثبات

تشدو له الأسراب بين سمائها

بسطت على وجه الحمى للظل راح

يرنو لها غصن زيتون رمى

لما سمى طرحاً وفيراً موسمياً

فازدهى متنسماً نور الصباح

من بين رقراقٍ فجا

شدوانه ومض السنا

قمرٌ وشمس للورى

قلب أضاء مكامن الأرجاء تشببا

خفقانه صنو ومضات الضحى

تتوالى بالكون الرحيب توهجاً

نورٌ تبارى قد وحى

رقيا النسيم مداعبات للورى

شغفاً تداعى من تليد الذكريات

فاستوطنتْ وتعمّقتْ

بين أغوار القلوب الخافقات الناحبات

تلك المشاهد والرؤى

بوجد وجدان السمات

حنقتْ غرابيب السواد الحالكات

على السطوع على الزروع اليانعات

أفضى الرجا أنفاس روح باقيات

والبين بين غمامة شبحٌ سجى

بين ردهات الشتات

شاهتْ وجوه الحاقدين تلبّدت والحاقدات

غدرن كن في نياط للوتين الطاعنات

سوادهن بالسواد له اتشحن بين ركب الناعيات

أواه قد ذبل الحبور بوجن ريعان الزهور

تيبس الغض الوثير على الفروع

أزف احتضارٌ للقيم همٌ أهم إلى الرفات

قُطع النضير بيوم شؤمٍ وانغدر .. غدر القساة

والظل ضل بساطه

حتى توارى واندثر بين النجوم الراحلات

لما سرى في عتمة الليل السديم

توالى قُدماً للشرى

من بين أدراج الرياح السافيات

حملته وهْناً مضنياً يلتاع بالأنات بالصرخات

والألم قد خنق آمالاً طوالاً واستناح

قد صاح يوماً صيحةً

قطعتْ سكون سكونها في وادي شدوان البراح

وبدا على جذع الخلاص

الومض مصلوباً على وجه البطاح

دوّى نشيج للخوار

بثقب جيد قد أفاض من البواح

ناي الحزين يصب أوجاع السنين

تألماً وترنما وَلَه القلوب على سنام العابرات

على غصون في صبا العمر حُرقن

وانتحبن لهن دمعٌ من عيون رامقات

فتسلّقتْ رقطاء أفعى والأفاعي خلفها

نحو المكامن والمأمن والخدور المكرمات

نحو المصارع في تلابيب النحور لكل آت

من جسوم فانيات

إلى الهلاك والغادي المذبوح

في عتم الدجى يشتم للموت رائحة تفوح

لما أحاط الغادرون وباغتوه من الخطوب النائبات

وبالدسائس لاحقوه تغيظاً

بتروا فروعاً من جذوعٍ قائمات

بتروا السيقان بفريةٍ هدموا الكيان

من تليد الدهر ظلوا مبغضوه

عمد القساة ليصرفوه

عن المضي عن المضاء

على دروبٍ بينات

كم لاحقوه وحاصروه ليحسروه

عن النهوض عن الصعود

إلى الأعالي الساميات

جعلوا العراقيل عن الوثوب

رؤىً تشوب معوقات    

لكتيبة البغض المقيت ضراوةٌ

تنقضُّ بعد وأجهزت

على بساتين الربيع فشوّهتْ

حُسن الغصون المزهرات

لم يرعوا شغف الأقحوان

ولا ترانيم الطيور

إلى الخوالي السابقات

عندما كان السمي بوجه غدران بهي

نبعاً ملياً بالهبات

كان الحياة بكل ركن للحياة

بعدها رأيت شبحاً ماثلاً

ممزق الأشلاء طاعناً في العمر

أضناه الولوع على فروعٍ

قد بدت فوق الثرى متهاويات

قاموا عليها فأحرقوها بالعراء

والبيلسان على المدى والسنديان

قد صارا فحماً بالغاً

بين أطلال الركام من كل الجهات

وسوم: العدد 1019