وجوهُ المَرايا المُتَصَدِّعَة

وجوهُ المَرايا المُتَصَدِّعَة

صالح أحمد

[email protected]

بعيدًا عن تَضاريسِ الدّخان؛

يُمكِنُني الآنَ أن أتنفَّسَ صَمتَ اللّيالي المُبعَدَةِ عن مَحاوِرِها..

كَيفَ حَدَثَ أن جَعلونا شُهودًا على انطفاءِ النّجوم،

ولم نَنتَبِه إلى أنّنا حُجِبنا عَنها خَلفَ تَضَخُّماتِ الحُروفِ في لُغة السّياسَة..

تلكَ التي جَعَلَتنا نُصدّقُ أنَّ أكبَرَ صانِعي سِلاحِ الدّمار؛

يُمكِنُ أن يكونَ داعِيَةً للسّلام؟!!

حين يَتَشَظّى الأفقُ، ويتصدّعُ سقفَ التّوَقُّعاتِ، ويُطِلُّ الواقِعُ من خِلالِ مِرآتِهِ المُتَصَدِّعَة...

لن يَرمينا الطّريقُ الذي سَلكنا خَلفَ المارِقينَ إلا بِتَعَفُّناتِ خِطابِهم...

وقد غَفِلنا زَمَنًا عَن أنَّ اختِراعاتِهِم لم تُنَمِّ لدينا سوى مَوهِبَةِ بِناءِ الأضرِحَةِ..

هل كانَ عليّ أن أقيسَ عُمري بِسُرعَةِ نَفاثاتِهِم ..

لأدرِكَ أنّهم يَملَؤون فراغَهم بالتّدرّبِ على مَوتي؟

لم، ولن يَتَغيّرَ أولئكَ الذين أصابَهُم هَذَيانُ الحُروب...

حتى نَكُفَّ عنِ التّصديقِ بأنَّ حَضارةَ الشّوارعِ يُمكِنُ أن تَهَبَنا شَيئا غيرَ الضّياع...

ونحنُ ذاهِلونَ في غَيبَتِنا خَلفَ سَرابِهم..

والسّاعاتُ تَفِرُّ منّا..

والبيوتُ تَختَفي في لَيلِ الجَلّادين..

والوُعودُ لم تَكُن يومًا سوى حَطَبٍ يَتوقُ إلى شَرارَةٍ...

كم مَرّةً سنَموتُ في جَريِنا خَلفَ الحياةِ التي لم نَنَل منها أكثرَ من وُجودِنا فيها...

لكم آمَنتُ أنّ الخوفَ منَ الموتِ؛ أشدُّ ترويعًا للرّوحِ من الحَقيقَةِ البَسيطَةِ للمَوت..

أيّتُها الأكفُّ التي لوّثَتها أكاذيبُ الضَّراعَة؛

وهم يُحاوِلونَ رَتقَ الشّراعِ المُهتَرِئِ لأحلامِهِمُ المُنطَفِئة...

ولا يَتَحَدّثونَ سوى عن خَوفِهم منَ المُنحَدَرِ اللّزجِ عندَ نِهايَة الآبار...

حيث يَتَطَحلَبُ الفَراغُ..

لِتَندَلِقَ المَناقبُ المُتَقيِّحَةُ للنّفوسِ التي عاشَت تَستَرخي على مَنافِذِ الظّلام؛

ولا تُنصِتُ إلا للطّنينِ المُحتَضِرِ على شُرُفاتِ عَجزِها...

التّاريخ لا يُوَثّقُ تفاعُلاتِ الضّجر...

ولا يحفَظُ شيئًا عن الأحلامِ المُغَطّاةِ بِطَحالِبِ عَجزِها...

ولا يعبَأُ بالذين يَبحَثونَ عن المَوطِئِ الآمِنِ لأفكارِهِمُ الهَشّة...

تلك التي أضاعَت بِجُبنِها مَفاتيحَ أنفاسِها..

وتَرَكَتِ الصَّمتَ يَقودُها بَعيدًا عن الحَيّ..

جَنَّةُ التّاريخ تُسحَقُ فيها الزّهورُ والفراشاتُ...

ولا تَحفِلُ بموتِ العَصافير!

حين تَرَكنا صَوتَنا يتحَنّطُ في مَدافِنِ الماضي المُتَصَحِّر فينا..

أصبَحَت صورَتُنا أكثرَ غموضًا من ملامِحِ الميِّت حين يضمُّه قبرُه...

ولم نَمنَح أنفسَنا سوى مَشاعِرِ اليُتمِ تَتَخَمَّرُ على مَهلٍ على شَرَفِ مَواسِمِنا الشَّحيحَة...

وما زلنا نتوسّل وقاحَةَ العُذرِ المُتَجَعّدِ في ظِلِّ نِظامِ الأسلِحَةِ الجّافَّة...

بَحثًا عن نَهارٍ يَلتَفِتُ إلى جِراحِنا الهامِسَة..

في مَرايا التّحَوُّلاتِ المُثيرَةِ للسَّأم...

يفتَحُ الليلُ أذرُعَهُ للعَطشى والمُتَرَنِّحين...

يَسكُنُ العاشِقُ نَكسَتَهُ المُتَسَلِّطَة..

يَلعَنُ في سِرّهِ المَوسومِ بالصَّرَعِ، شَوارِدَ حُلمِهِ المَوطوءَة...

صَوتُه المَشنوقُ يزحَفُ تحتَ أفياءِ الظُّلمَةِ المُصَفّحَةِ بمزاياهُ المُتَصَلِّبة...

في صَومَعَةِ الحُبّ المُتهدّمَةِ في زمنِ اللُّزوجَة...

يبحَث ُعن شَفاعَةٍ في لُغزِ السَّكينَة المُفخَّخَة..

حين كنّا نَلبِسُ الإعياءَ استعدادًا لبُلوغِ الهاوِيَة؛

خَرائِطُ كثيرةٌ تصدّعَت في الطّريق إلى مُواساتِنا...

لم يَمنَحنا التّوسُّلُ حينَها زيتًا لقِنديلِنا...

ومَنَحَنا رَحيلَنا للمواسِمِ المهجورة...

لن تُزهِرَ أيامي لأنّي انتَظَرتُ طَويلا بَرَكَةَ الأمطارِ القادِمَةِ مع غَيمِ الشّفاعَة...

ذاكَ؛ كانَ الدّرسُ الوحيدُ الذي أفَدتُ من فَلسَفَةِ اللاجَدوى.

تَحتَ هَولِ الرّهبَةِ؛ لن نَفهَمَ مَوعِظةَ الموتِ الوَحيدَة...

وحينَ نَألفُ زحفَ الحُطامِ فينا؛ نكونُ قد أنجزَنا قانونَ تَطَحْلُبِنا...

ولا تَعودُ نَهاراتُنا سوى مَنافِذَ للهاوِيَة..

ويُصبِحُ التِصاقُنا بالمجهولِ مِفتاحَ فراغاتِنا اللامُتناهية..

حيث تَمنحُ مَواسِمُ الضّبابِ أحلامَنا فَضيلةَ التّشَرنُق..

مَن مَنَحَني مِلحَ المَنفى...

مَن خَدَّرَني بعِطرِ اللّهاث..

مَن قيّدَني لمراسي الأحلامِ العَتيقَة...

مَن صمَّ أذنيّ عن زحفَةِ السّاعَةِ المُتسارِعَة...

مَن أعماني بغبارِ غَدرَتِهِ التي حَجَبَت مَواسِمَ الشَّمسِ عن فَضاءِ مُخَيَّمي...

لن يَمنَحَني سوى عاصِفَةِ سلاحِهِ حينَ أحاوِلُ النّهوضَ.

لن نَعثُرَ على وجهِ إنسانِنا على صَفحَةِ أفقٍ عَكَّرناهُ باختلافِ أصواتِنا...

ولوَّثناهُ باغترابِ أنفاسِنا...

وشوّهناهُ بألوانِ أنانيِّتِنا وعنجَهِيّاتِنا...

وتَركناهُ مُعَلقّا على شَمّاعاتِ أعذارِنا الكالِحَةِ، ومُبَرِّراتِنا المُسَرطِنَة...