وللربيع في حنين واحتواء

سمر مطير البستنجي

وللربيع في حنين واحتواء...

سمر مطير البستنجي

أيها الشتاء المبتلّ بدمعات الدِيَم!

رغم اني أحفظ لك عهد المودّة والولاء..غير أنّ البَوح بُحّ فيّ والنداء..والنفس برغبات الدفء حُبلى..والروح أعياها طالع البرد في الحظّ الفقير..

فكفّ رجوتك عن غمس البرودة في جيد الحِسان....وعن دفن عذارى الورد في عمق الجليد..وعن مطاردة الشمس الى اللامُستقرّ.. وعن لسع أجساد النجوم المرمريّة بسياط الريح..  وعن رقص البرق على جرح الزنابق هيمانا طروب..

فهلاّ أقسمت ان تخلع قميصك المُبتلّ بالماء..وتحمل معاطف الغيم وترحل ..وترتدّ عن وجه الكون  صاغرا..لنقرّ بالدفء عينا؟

وهلاّ تكرّمت بغفران خطيئة ارتكاب الكائنات لعشق الربيع ..  فثمّة أزيز في حلقوم الريح افقد الطير الغناء،وثمّة بريق في عيون الفجر قد تجمّد..وثمّة سواد توسّد جفن القمر...وثمّة قلق يشوب أرواح الزّهر خِشية إملاق النضّارة في الخدّ الطريّ..وثمّة خوف ينتاب تَوق الفراشات لارتداء أثواب الفرح في مواسم التّزاوج بسنابل القمح ومياسِم الورود..

أيها المعشوق الزمرديّ الأخضر..!

لا تكترث باتساع المَدى بين الفصول..وعُد فتيّاً من خلف دحرجة الجليد وكِسَف الغيوم..وكنّ نديما يوقِظ الحِسّ في القلب العليل..مارس فنون النقش على جبين الكون وعلى خدود الزهر ..وتمّطى غِوايةً على الوجه النَضير .

إضرب بعصاك وجه البرودة والضَّجَر..وشُقّ للبهجة طريقا ومستقرّ..وأضرم الحريق في كِسَف الجليد..واطرد لصوص البرودة القابعينَ خلف أجساد الشجر..واغسل بالندى بقايا الطين العالق في حدقات المكان..فلقد ضجّت الكائنات لكَ بالحنين..فدعها تتهلّل بكَ احتفاءا وانتشاء..فهي لحلاوتك وطلاوتك من بعد الصَوم جائعة..

يا واهب الورد للمرج الحزين..!

كُن زينة تسرّ الناظرين..

ودع الصِبا يذوب خجلاً من شدّة الألق...

ودع البدر يقصّ سيرة الحبّ للنجمات في ليلة الأرق

دع الفرح يغشى مآقي الورد المصابة بالرمد ؛بالقلق

دع القرنفل والمنثور يملأ الدنيا أريجا وعبَق

ودع الدرّاق يهمس حُبّاً للزّيتون للّوز الأخضر؛ للشفق

وامنح البلابل سرّ معزوفة التّباشير وقت إقبال الفلق.

 وعلمهم..!

أن لن يحنّطك برد ولا ضباب ولا زمهرير..ولن يتجمّد فيك نَخب الأثير..ولن يقتصّ من غضّيتك غياب، فعد أيها المعشوق من بعد الجدب ريّانا قرير...

أذّن  للنجمات أن آن السَّهر..ولقّن المساء مواويل الخَدَر..وهيئ الأصيل لجلسات السَّمر....وتبتّل آناء الليل غزلا بالقمر.. واملأ أطراف النّهار رقّةً وحين يختال هيمانا على وجه الصباحات السَحر.

يا فتنة تمّت سناءاً وسناء..!

مُشبعة بعصارة الصِّبا أنا..

مشبعة بك  الى اللاحدّ أنا...

أوهنُ من بَعضي أنا...

مكتظّة بالوجد الى ما لا يعلمون أنا...

فهل لي بوصل يا صَبابتي يوصلني اليك..؟!

فبحقّ من وهبك الجلالة والمهابة والبهاء..

دعني أتيمّم من رحيق الورد في وجنتيك..وأقيم صلاة الشكرعلى سجّادة من سُندسٍ وإستَبرقٍ من نَسج يديك ...ودعني أتبرّج بألوان المرج النابت زنابقا من غرس كفّيك....واسقني كأس المُدام من راحتيك..وزدني اشتهاءا لعبق الليّلكِ الغافي على سفوح مقلتيك .. شقّ غلاف الوحدة الملتصق بي كالعروة الوثقى بشاهديك، فلقد أعياني التحوصل في جبّ السُّبات أصارع أشواقي إليك...

في جيدي سلاسل من وداد..وفي أصابعي حلقات من قوس قزح ..وفي معصمي قرع النبض يستفزّ فيّ الحنين ...

فأووواه يا حنين!!

اشدد يا خالق الأكوان من أزري..فكلّي يمزّق بعضي ..وبي من الوحدة ما لا طاقة لي به..وبي رهبة من أن أعود  من شجني بخفيّ حنين.

أيها الأخضر المنوط بأحلام البقاء...

يا نَثيث الحياة في الجسد السَقيم..

بحق من أحيا الروح في الرحم العقيم..!

دع الشمس تُغرق من بعد إملاقٍ ما بين المشرقين بهاء.. وتُحيي في حشاشة الأروح أسباب البقاء...فتنبثق من تحت الركام فسائل من ضياء...وتتفتّق أكمام الزهر بالبهاء.. وتتعالى نخلات باسقات أصلها ثابت في تربة الطُهر وفرعها شامخ حدّ السماء..يقتات الطير من رؤوسها ليصدح بتراتيل الصبح أن حيّ على الفلاح ، وسلام أهل الطُهر والنقاء...

فهيا.. ولتأتِ مسرعا أيها الأخضر المصبوغ بألوان العطاء..فإني أخشى على الأرض من فقير النور ،من جهد البلاء...فلقد جاوزت العفونة والرطوبة حدّ الإحتواء...

وأخشى أن تطال نفوس الأتقياء...

أخشى أن تطال العفونة أيها الأخضر نفوس الأتقياء....