بينَ الشَيبِ والشَبابْ

بينَ الشَيبِ والشَبابْ

طريف يوسف آغا

[email protected]

لم تكد ثورات الربيع العربي تبدأ منذ حوالي العام حتى وجدت نفسي وقد سحرت بها والتزمت بدعمها ومتابعتها خطوة بخطوة وألم بألم وانتصار بانتصار، وكأني واحد من أبنائها وكأنها أسرتي التي أفتخر بالانتماء إليها. وكان عليَّ لذلك أن أركن جانباً كل المواضيع التي اعتدت تناولها في قصائدي خلال السنوات السابقة، فليس هناك صوت يعلو اليوم على صوت الثورة. ولكني ومع بداية العام الجديد أردت الوقوف قليلاً مع نفسي ومع موضوع لطالما أجلته وحاولت تجاهله، فاستغل ذلك الوقوف ليغافلني ويشق طريقه إلى السطور وبلغة القوافي.

حينَ كُنّا صِغاراً تخيلنا الزمانَ

سَينسانا في وسِطِ اللهوِ والألعابْ

فلهَونا ولعِبنا حتى ظننّا الحياةَ

ماهيَ إلا فرحُ الطفولةِ وعُنفوانُ الشَبابْ

ونظرنا في المِرآةِ يوماً فإذا بالوجهِ

قد صارَ خريطةً وبالشَعرِ قد شابْ

ووجدنا للشيبِ طعماً أحلاهُ مرٌ

وخريطةَ الوجهِ وكأنَّها شُقَّتْ بالحِرابْ

ووجدنا الروحَ قد أدمتها الجراحُ فكلَّما

بَرئِتْ مِنْ جرحٍ أصابَها مُصابْ

مِنْ أعزةٍ رحلوا إلى رحمةِ ربهمْ

إلى أحبةٍ حَرمَنا مِنهمْ طولُ الغيابْ

ومِنْ عِلَلٍ استوطنتْ أجسادَنا

فألمٌ هنا وأوجاعٌ هناكَ واكتِئابْ

إلى حُلُمٍ عِشنا مِنْ أجلهِ لمْ يكتملْ

وأملٍ مِنْ قبلهِ قد خابْ

الفرقُ بينَ الشَيبِ والشَبابِ ليسَ أحرُفاً

بلْ هوَ كالبُعدِ بينَ الأرضِ والسَحابْ

كالفرقِ بينَ المُستقبلِ والماضي

وبينَ الشَجرِ الأخضرِ والأحطابْ

لااعتراضَ على خلقِ الخالِقِ

فهوَ المانِعُ وهوَ الوهّابْ

ولولا إيماني بحكمتهِ لقلتُ

أنَّ الشَيبَ أحدُ أنواعِ العِقابْ

ولقلتُ لمنْ يرى فيهِ الوقارَ

بأنهُ ربما بضعفِ الرؤيةِ مُصابْ

ماعدنا نعرفُ ماذا تخفي الأيامُ لنا

فلا يمرُ يومٌ إلا وزادَ فينا مايُعابْ

فالسَمَعُ باتَ بحاجةٍ لِتكرارٍ والنظرُ لعِدساتٍ

والذاكرةُ كأنَّها مِلحٌ في الماءِ ذابْ

وما عادَ الفرحُ كما كانَ يُفرحُنا

حتى الأعيادُ صارتْ كغيرها، رحيلٌ وإيابْ

ولا النزهاتُ الجميلةُ عادتْ جميلةً كما كانتْ

ولا الطعامُ الطيبُ عادَ طيباً ولا الشَرابْ

وصرنا نرى في كلِ خطوةٍ همّاً

صرنا نحسِبُ لكُلِ شَئٍ ألفَ حِسابْ

وصارَ النومُ عندنا أثمنَ مافي الحياةِ

وهوَ الذي كانَ لنا كالفرضِ بلا ثوابْ

لمْ يخطرْ ببالنا في يومْ أننا

سَنجدُ في النومِ ما لذَّ وطابْ

أما أطفالنا فقد شَبّوا وصاروا شَباباً

وفي الأمسِ كانَ لهمْ في أحضانِنا مِرآبْ

في الأمسِ كانوا يبكونَ إذا جاعوا

ويجرونَ ويضحكونَ ويختبئونَ خلفَ الأبوابْ

ماانتبهنا كيفَ كَبِروا وكبَّرونا مَعهُمْ

تجاوزونا بالطولِ ونحنُ لاهونَ نطاردُ سَرابْ

ماالحياةُ إلا سَرابٌ كلَّما ظننا ملكناها

ما وجدنا في أيدينا إلا التُرابْ

حالما يدخلُ الأطفالُ مِنْ نافذةِ الحياةِ

تبدأُ رحلةُ الآباءِ للخروجِ مِنْ البابْ

غابَ عنا مايذهبُ بهِ العمرُ لايعودُ

ومايمضي مِنَ الأيامِ ليسَ لهُ مآبْ

وأنَّ الأمسَ صارَ في ذِمَّةِ التاريخِ

وبعدَ ذهابِ اليومِ، فالغدُ أيضاً إلى ذهابْ

شَئٌ واحدٌ لايذهبُ مَهما صبغناهُ

وكلَّما ازدادَ، ازددنا مِنَ البابِ اقترابْ

هذهِ حقيقةٌ لايجبُ أنْ تغيبَ عنِ المَرءِ

إلا إذا كانَ العمرُ عنهُ قد غابْ