هذه هي حكايتنا

هذه هي حكايتنا

محسن الخزندار

[email protected]

في ليلة من ليالي قصف غزة الشديد

ليلة شتاء من ليالي الشتاء الطويل

نوافذ الدار مشرعة للبرد والريح

الكهرباء مقطوعة

الأنفاس مكتومة

وكلنا آذانا على المذياع

مع الخوف والقلق

من هدير الدبابات

الخوف على إخواتي الصغار

اللي بيتخبوا بعيون امي وأبي

بدل جدران الدار

من قصف همجي لا يرحم حجر ولا بشر

نظرت إلى أبي وسألته

أبي...هناك سؤال يحيرني

 سؤال يشغل عقلي

يرد أبي بابتسامة :

ما هو سؤالك يا ولدي؟

أبي إلى متى خاطر شعبنا مكسور ؟

يجيب أبي بصوت مبحوح ودمعة مخنوقة

ويرد  بنبرة حزينة ...

عصافير بلادنا لا تعرف النوح

لغتها موسيقى وغنى ليس له في الكون وجود

يتنهد أبي و يقول ...

يا ولدي ...

لو رجعنا لدارنا ولقيناها  مهدومة

وكرمنا  محروث

وأرضها  بور ..... لا تخلي الحزن يسيطر عليك

ولا اليأس يعشعش في قلبك

كله بالهمة والارادة بيعود

والله إن الله أعطاني العمر وتحررت بلادنا

أول ما أصل داري لأسجد على ترابها وأقبل عتبتها

وأزور مسجدها المهدوم

وان ما كنت على وجه الدنيا

أوصيك يا ولدي تعمر البيت وساحاته

وتجمع فيه شمل الأقارب والأحباب

بتمنى عليك يا ولدي

لا تنسى تعمر البايكة والحوش

وتزرع كرمنا بالعنب والزيتون من جديد

لا تنسى يا ولدي تزرع جنب البركة شجرة توت

وتزين حدوده بالكينيا والسرو والجميز

وعلى آخر حداده تزرعلك كم شجرة تين

والله يا ولدي ما عشت إلاَّ بالأمل

بالعودة لأرض أجدادي

اللي من قبلي عاش على هالأمل أبويا وإخواني

برأيك هالحياة بتساوي شيء بدون وطن و هوية ّ؟؟!!

ولا مرة يا ولدي كنت بحلم ولا كنت مخرف

ولا ضيعت اتجاهي و فقدت توازني

ولا راح مني إيماني بالله

ان الحق راجع لأصحابه

لا تفكر يا ولدي إني فقدت بوصلتي لحظة

في  حقي في العودة لديارنا

رغم كبر المؤامرة علينا  

هالكابوس له نهاية

معسكر الشر عمره ما بيدوم

إبشر يا ولدي...

الريح اللي فرقتنا وحملتنا  لكل الدنيا

زي ما فرقتنا حتجمعنا

يا ولدي مين بيقدر يتحدى القدر

مين بيقدر يتحدى إرادة الله

يمكن  العدو في لحطة من الزمن

حوَّل دنيتنا لكابوس

لكن لا العدو ولا كل العالم

بيقدروا  يغيروا  قوانين العدل

قوانين الكون والناموس

يا ولدي ....

وعدتك إن طال فيٍّ العمر

وتحررت البلاد لأشتريلك أصيلة من الخيل

ويا محلى سماع صوت الأصايل

واللي أحلى من الأصايل وصهيلها

هي إنك تعيش أيام الحرات والبذار

وتشوف الصبايا تقطف ثمار الزيتون

ما راح تشوف يا ولدي ليالي أسعد

من ليالي حصيدة الخير

اللي كلها أعراس وأفراح

ولا عينيك راح تشوف أحلى من كرم العنب

لما يطرح العنب أبيض و أسود عناقيد

وتنقل عينيك بين أشجار البرتقال والليمون

وتشم رائحة زهور اللوز من الوادي تيجي من بعيد

زهور بلادنا ما أحلاها

بياض ولاَّ حَمَار ولاَّ صَفَار

يا حظك وحظ مين ينعم بنسيم الصبا فيها

إذا صار يا ولدي هالكلام اللي بنحكيه

ما عاد للذئب ولا ابن آوى طريق

وإن شاء الله بأحضر يا ولدي أيام الفرج بعد الضيق

وأروح معاك ومع أولادك

على بابور الطحين ومعصرة الزيتون

وهيك بتكون أيام الغربة انتهت

وأيام السعادة ابتدت

وقتها راح تسمع تغريد الحسون

وهدهدة الحمام وزقزقة العصفور

وتصحى يا ولدي

على نهيق الحمير وعواية الكلاب وصياح الديوك

على صوت طاحونة امك

وهي بتطحن الفريك

وتشم رائحة الخبز وهي طالعة من الطابون

ونقعد كلنا سوا مع الحبايب والقرايب

على مهباش القهوة في الليل

نسمع صوت الأرغول

ما راح تنسى عمرك يا ولدي

 حلاوة  آذان الديك في الفجر

يا ولدي قبل ما أنسى أوصيك ....

تكرم أشجار الزيتون القديمة

وتلملم حجار دارنا المهدومة

وتعمر ميدنة الجامع الحزينة

وتعلم أولادك حكايتنا

تحكيها قصة وتغنيها موال

يحفظها من بعدك أولادك الصغار

يا ولدي حكايتنا بدها الصبر ولو هالصبر بيطول

يظل الأمل بالله حبل ممدود