وبين الضلوع يسكنون

نبيل جلهوم

[email protected]

ومازلنا نتنقل بين شرفات المنزل ..

ونفتح نوافذ حجراتها أملاً  فى أن نجدهم .. !!

نبحث عنهم فى الطرقات المؤدية الى بيتنا ..

لعلنا نرى طيف عودتهم !!

لعلنا نتفاجيء بأثر أقدامهم  !!

نرقب حركة الطائرات والقطارات وكافة وسائل المواصلات..

لعلنا نعثر على اسمهم بين أسماء القادمين .

فنصاب بخيبة الأمل حين لا نجد لهم أثرا ..

فنرتد الى ديارنا خائبين يملأنا الحزن  ..

قلنا لعلنا نحاول أن نتفقد العائدين أحدا أحدا ..

ننظر فى وجوههم ..

نراقب مشيتهم ..

لعلنا نجد شبيها لهم ..

فلم نجد شبيها ولا مثيلا يشابههم أو يماثلهم..

أمسكنا الكتب والمجلات لعلنا نقرأ لهم أو عنهم..

فلم نجد لهما اسمها ولم نقرأ لهم سطرا.

قلنا لعل أحدا من العائدين يحمل قبسا من نورهم ..

أو لديه بعضا من جمال هيئهتم ..

فلم نجد على الاطلاق أحدا به شيئا منهم ..

وإذا بنا هذه المرة ونحن نعيد  البحث عنهم..

فإذا بنا نضبطهم مختبأون  بين الضلوع وفوقها وتحتها ..

فى القلب وجدناهم يختبأون وشعرنا بجريانهم فى العروق ..

و فى الدماء شعرنا بدفئهم  ..

بالفعل , هم لم يأتون مع القادمين ..

لأنهم لم يسافروا ولم يبتعدوا ..

بل أنهم مستوطنون فينا منذ أن عرفناهم ..

فقد استوطنونا واستوطنوا كل شيء نملكه..

القلب والروح والفكر والدم والصدر والتفكير ..

كل ذلك قد استوطنوه ..

وكأنهم قد فعلوا بنا مايفعله المحتلون ..

طردونا  من أوطاننا ليسكنوا هم فيها ..

طردونا من قلوبنا كى يسكنوا فيها ..

طردونا من عروقنا كى يجرون فيها ..

طردونا من صحبة دمائنا كى يختلطوا فيها وبها..

سرقوا أرواحنا ..

استوطنوا أعيننا ..

أطلقوا اسمهم وحروفهم على كل شوارعنا وطرقاتنا..

لم يتركوا شيئا لنا إلا وصبغوه بصبغتهم ..

ومنحوه من جمال ذوقهم ..

حتى كلماتهم صارت كلمات لنا ..

حروفنا لم تعد تخرج إلا ن مشكاة حروفهم ..

حقا فهم قد جردونا من كل شيء..

فلم يعد لنا فى أنفسنا أى شيء ..

هم قد طردونا من كل شيء واستحوذوا فينا على شيء.

هؤلاء سواء  تواجدوا أم تباعدوا فالأمر لن يقلل من مكانتهم ..

هم بالفعل هناك, هناك جسدا لا غير ..

لكنهم فعلا هنا , بروحهم هنا ..

بدمائهم هنا ..

بحروفهم هنا ..

بكلماتهم هنا ..

بعذب صوتهم هنا ..

هم لنا الأمل ..

هم لنا الحب والقلب والمستقبل ..

هم لنا الأمان والضمان ..

هم لنا أى شيء بل كل شيء ..

وحين يكونون معنا هنا أو نكون نحن معهم هناك ..

فنحن مطمئنون ..

مطمئنون بأن الدنيا كلها بجمالها ستكون بصحبتهم ..

برفقتهم هم أينما كانوا وأينما تواجدوا ..

وسنلتقى بهم وسيبقوا معنا ..

هؤلاء  لنا  دنيا  ليست كأى دنيا .

فصبرا يا نصفا أصبحتُ به رجلا  .

صبرا يا قلبا لم يكن له فى الدنيا مثلا ..

بل هو قلبٌ يُضرب به المثلا .