رد على طلب التقاعد من الأحاسيس

رد على طلب التقاعد من الأحاسيس

عبد القادر صيد

[email protected]

يؤسفني أن أعلم سيادتكم برفض طلب التقاعد من الأحاسيس و ذلك للأسباب التالية :

 لا يتقاعد من الأحاسيس إلا من نفذت الأقنعة من خزانته، وبما أن وجهك لا يلائمه أي قناع ، فلم يكن بإمكانك أن تتنصل من أؤلئك الذين خدعوك في العلاقات الإنسانية بنجاحهم في أول امتحان ،ترسّموا في قلبك ثم خيبوا أملك ، نجحوا و السلام في اقتحام القلعة بعد أن تحصلوا على تأشيرة الأرقام السرية للباب الحميمي.. وما كادوا يستقرون في القلعة حتى بدأوا في امتهان هوى طروادي المزاج ، و شرعوا في ممارسة فن النقش على الرسومات المعلقة على الجدران.

 فهنيئا لهم لقد نجحوا في أول امتحان ، فكان ما كان.. و لكن من الآن فصاعدا تخندق أيها القلب كلما تحالفوا و زحفوا كما الأحزاب ..تطعّم بمصل الحب لئلا تعديك برودة قلوبهم. .و انظر إليهم من خلف الزجاج ،فما أمتع النظر إلى الدببة الشتوية المفترسة من خلف نوافذ زجاجية في غرفة دافئة !

 ـ أيها القلب:

 قافلة من الأصدقاء لطخت بحوافرها بساطك الأحمر ،لكنها انحرفت عنك كقافلة أبي سفيان يوم بدر، فضلت المصلحة على الصداقة ، إنه منطق التجارة ، منطق الربح و الخسارة ، ورغم ذلك لم تتوقف عن تكرار التجربة ،فأنت محكوم عليك بالصداقة الشاقة مدى الحياة،مع تسديد غرامة تضميد جراح الفراق ..

 أيها القلب :

 تسربل فجراحك عورة ،و دثّر بكاءك فدموعك تخدش أوتار قيثارتك فتحدث النشاز في سمفونية العزة التي انفردت بها طيلة نبضاتك.

 أيها القلب :

 امتص الصدمات و لا تخف من التصدع فبفضل التصدع يخرج جميل مكنونك ، فما لم تتشقق الأرض لا تخرج النبتة..لن تضرك هذه الصدمات فهي كهرباء الحياة لإنعاش المشاعر.

أيها القلب

 كن شجرة عظيمة لا يضيرك سقوط ورقة ملّت أكنافك، و لتتذكر بأنك أنت من تحتضنها و ليست هي التي تحتضنك ، و لتهتم بالأوراق التي مازالت متعلقة بك ،و تذكر أن الساقطة إنما تسقط تحت قدميك لتزكي ترابك و تصبح إحدى جواريك، فلست وردة تبتئس لسقوط وريقة منها ، فوريقاتها هي التي تحتضنها و تسترها.. المسكينة وريقاتها معدودة..

 كالبحر قلبك يجب أن يكون ، بقدر ما يأخذ منه الصيادون بقدر ما يجدد نفسه و يعوض ما ضاع منه ، كالبحر لا يحتضن من بردت أوصاله بل يرميه إلى الساحل .و كالبحر يمج كل من لا يحترم قوانينه..و كالبحر عميق و كريم و مهيب ،نعم مهيب فلولا هيبته لنفذ من فرط كرمه.. يداعبك أمتارا على ساحله و يتساهل معك ، و متى تقدمت فإنك تدفع الثمن في أتفه غلطة..

 افسح مجالا في قلبك للفراغ ، عرشه زوبعة من الألغاز والغموض ، فما أضيع الناس أمام الغموض ! أليس للبحر مثلث الضياع من اقترب منه فهو المفقود..المفقود؟!

 و في الأخير و بعد رفض طلبكم التقاعد من الأحاسيس ، تدعوكم الحياة إلى قبول اللعبة كما هي ، و في حالة إصراركم يمكنكم تقديم استقالة و يمكن اعتبارها من الآن مقبولة.