همسات القمر 130

خديجة وليد قاسم (إكليل الغار)

* يولد يومي طفلا عفويا ممتلئا بضجيج الأمنيات..

تتناوب عليه ساعات ودقائق وثوان..

يغدو عجوزا مستسلما يبحث في دنياه عن بريق نجاة..

يغرس  في تربة الأيام بعض آمال ونبض أمنيات تهمسها الشفتان..

أتنبت ذات يوم زهرة من فرح وربيعا مفعما بالحياة؟

*يقول الرافعي:

"والقلب الكريم لا ينسى شيئا أحبه ولا شيئا ألفه"

وأنّى للقلب أن يقسو أو يسلو وإن غدت بعض الأشياء ذكريات من الماضي..

وأنى للنسيان أن ينسج خيوطه ليحجب ما يختزن في النفس والفؤاد

في القلب متسع لكل ما أقام فيه أو سيقيم، له وحده، ما كان ليصير لغيره

سواء كان بشرا، أم مكانا، أم غير ذلك..

عضلة صغيرة، كلما سكنها شيء، زادت اتساعا ورحابة، لا بحجمها، بل بأحاسيسها الدافئة الصادقة، ومشاعرها التي لا تبلى إلا ببلائه وفنائه.. 

ولعل في هذا، بعض سعادة المرء وكثير شقائه!

*أيتها الدائرة التي تدور بنا زيفا وخداعا..

أين بوابتك التي تسلمنا ليد ميلاد جديد يعيد لنا صدق الحياة ..

أين الدروب التي نقف فيها على بعد نرقبك بهزة رأس وإطلاق نظر وفكر وكأننا نقول: 

ما أجمل الانعتاق من أسرك الذي جعلنا ندرك ونفهم ما كان عصيّا علينا

الذي جعلنا نفلت من سوطك الذي طال عبثه بقلوبنا

الذي جعلنا نضع النقاط على الحروف بلا قلب يرتجف ولا يد مضطربة تخشى انقلاب يد الجلاد عليها بقسوة لاترحم..

الذي بات في كل حين يسمعنا صوت وجداننا بهتافه الصادق..

الحمد لله، الحمد لله، الحمدلله..

ألا أيتها الدائرة

أعتقينا..

*تستيقظ الروح على أصوات ذكرى تتلو حديثها بخشوع متبتل 

تحلق بعيدا وكأنها تستجدي غيوم النسيان أن تغمرها لتنفض عنها ما علق فيها من حديث

تنقشع الغيوم بخجل ينبي عن فشلها لتلبية طلب روح ظامئة لنداها

تعود حاملة خيبة أملها

تنزوي في مخدعها لتلتحف مجددا أضغاث أحلامها!

*ذات نهار

كان البحر مشغولا بثرثرتي

وكأن في تكسرات موجه بعضا من همس يدثّر برد حروفي ويسلمها للذيذ الرقاد

لا زال وفيا، ولا زال يبحث عني صبح مساء على شواطئ الحالمين!

*وذات ليل ..

ناداني البدر ليمسح بنوره ما ران على قلبي من كدر

لبيت النداء واستسلمت لليل المناجاة الطويل

غفوت وفي القلب شمعة من سناه..

لا زالت في دروبي الصامتة الأُنس والدليل..

ولا زلت الأثير أيا قمر

*يهرم الليل ويبقى السهد فتيّا يافعا لا يشيب

أما لسطوته وجبروته من طبيب ؟

*في النفس الحائرة شيء ما لا أدرك كنهه ولا أستطيع رسم ملامحه

ماذا يكون يا ترى..

أهو الأمل يتردد تحت جناح ليل يكاد يهصره؟

أهو الألم يتعربش أغصان روح تبحث عن أوراقها الهاربة من سوط ريح غاضبة هائجة؟

أهو ضحكة طفل ترتسم على ثغر البراءة كالندى

أهو دمعة تنسكب في ثرى القلب تروى جدْبه والصدى

أدري ولا أدري..

وتبقى النفس تلميذة حياة لا تكاد تٌفهم دروسها!

وسوم: العدد 706